وزارة الاتصالات اللبنانية ساحة للقتال السياسي

الخلاف يتعدى الناحية التقنية

TT

تكاد وزارة الاتصالات في لبنان تختصر الأزمة السياسية في كل نواحيها، بصرف النظر عن التنافس الدائم حول الحقائب السيادية بين الكتل النيابية، أو التنافس حول حقائب الخدمات.

وإذا كان الخلاف داخل الوزارة المذكورة يتخذ طابعا تقنيا أو إداريا، فإنه في العمق يعبر عن خلاف سياسي في النظرة إلى أداء الوزارة ودورها. وإذا كان الخلاف حول الحقيبة يتخذ شكل التسابق نحو الخدمات، فإن الأصل في هذا الخلاف يبقى سياسيا، ولا يحتاج تفسيره إلى كبير عناء.

فإذا أخذنا الخلاف القائم اليوم داخل الوزارة بين الوزير جبران باسيل، والهيئة المنظمة للاتصالات، حول التأخير في إنشاء «ليبان تليكوم» التي نص قانون الاتصالات عام 2002 على إنشائها، من خلال تذويب الوزارة وهيئة «أوجيرو» في هذا الكيان الجديد، وحول توزيع السلاسل الجديدة لأرقام الهاتف النقال التي تبدأ بـ71 و72 بعد تشبع سلسلتي 03 و70 بين الشركتين اللتين تديران شبكتي الهاتف النقال في لبنان، لوجدنا أن هذه الخلافات تتخطى المسألة التقنية. فلو تمكن وزير الاتصالات الحالي من تشكيل مجلس إدارة «ليبان تليكوم» لما تأخر، لما في هذه الخطوة من محاذير تبدأ بالمحاصصة وتنتهي بعدم التوافق على تحرير قطاع الاتصالات، وقد يكون عدم التوافق هذا هو القاسم المشترك بين بعض المعارضين وبعض الموالين. وبالنسبة إلى توزيع السلاسل فإنه يعود في الأساس إلى تنازع الصلاحيات بين الوزارة والهيئة الناظمة، بعدما حصل هذا التنازع سابقا بين الهيئة الناظمة وهيئة أوجيرو، علما بأن الوزير الحالي يمثل خطا سياسيا قد لا يتوافق مع الخط السياسي الذي تدين به الهيئة الناظمة، ويذكّر هذا التنازع بالتنازع بين الأجهزة الأمنية التي تكاد تتحول إلى أجهزة طائفية.

ولا نزال نذكر الخلاف حول تطبيق قانون التنصت، ففي حين كان وزير الاتصالات السابق النائب مروان حمادة يطالب بحصول الأجهزة الأمنية على «الداتا» الكاملة من الوزارة، كان الوزير الحالي «يقنن» في تزويد الأجهزة بالداتا، بذريعة عدم انتهاك خصوصيات الناس، وضرورة تطبيق القانون الذي يفرض الحصول على أي معلومات من الوزارة عبر القضاء. وقد بلغ الخلاف حول هذا الموضوع حد اتهام الوزير بكتم معلومات تتصل بالإرهابيين، وهو ما كان يفسره باسيل بأنه كتم للمعلومات الخاصة عن السياسيين. ويبدو أن (ابتراد) الجو السياسي نسبيا بين المتخاصمين أسهم في تبريد هذا الملف الساخن، والذي يؤمل ألا يعود إلى سخونته مع «تلبيس» شركة الإنترنت الإسرائيلية ـ التي تم وقفها أخيرا ـ إلى «جهة نافذة في السلطة الحالية» على حد قول وزير الاتصالات الحالي في مداخلة تلفزيونية.

ويؤكد المراقبون أن وزارة الاتصالات انطلقت منها الشرارة الأولى التي أشعلت النار في بيروت في السابع من مايو (أيار) 2008، وأدت إلى ما أدت إليه من اعتصام للمعارضة في وسط بيروت، وشل لأعمال الحكومة، وإقفال لمجلس النواب، لم تحل كلها إلا في مؤتمر الدوحة الذي نجح في إيجاد التسوية التي أدت إلى سد الفراغ في رئاسة الجمهورية وتأليف حكومة جديدة. وقد نتجت تلك الشرارة عن تطور الصراع بين حكومة الرئيس فؤاد السنيورة و«حزب الله» حول شبكة الاتصالات التي يملكها الحزب، حيث كانت الحكومة تشير إلى مد هذه الشبكة نحو أماكن غير متفق عليها، ولا تمثل حماية استراتيجية للحزب، لكن الحزب اعتبر القرارين اللذين صدرا عن الحكومة في ذلك الوقت بمثابة «إعلان حرب» سرعان ما ترجم إلى حركة عسكرية في بيروت خلّفت جرحا كبيرا لدى فريق من اللبنانيين، ولولا العمل على تضميده ومعالجة ذيوله لكان أدى إلى «الشر المستطير» الذي طالما كان رئيس مجلس النواب نبيه بري يحذر منه.