واشنطن تنظر في فتح تحقيق جنائي حول إساءة معاملة «سي آي إيه » للمعتقلين

تقنية الإيهام بالغرق استخدمت على أبو زبيدة 83 مرة وخالد شيخ 183 مرة

TT

ينظر المدعي العام الأميركي إريك إتش هولدر في مسألة تعيين محقق جنائي للتحقيق في مزاعم إساءة الاستخبارات الأميركية لمعاملة المحتجزين خلال استجوابات الإرهابيين المشتبه بهم؛ وذلك وفقا لما صرح به مسؤولون أميركيون حاليون وسابقون.

ويقول مسؤول بارز بوزارة العدل إن هولدر يفكر في فتح تحقيق مصغر يركز على «ما إذا كان رجال الاستخبارات قد تجاوزا الآليات المصرح لهم باستخدامها» وذلك في ظل المذكرات التي أصدرتها إدارة بوش والتي كانت تفسر قوانين منع التعذيب بطريقة مرنة.

ويؤكد مسؤولون حاليون وسابقون بالاستخبارات الأميركية ووزارة العدل على صلة وثيقة ببرنامج الاستجواب وجود صعوبة في توجيه تهم جنائية في مثل تلك القضية نظرا لعدم وجود أدلة كافية، بالإضافة إلى أنه لم يتم قبل ذلك فحص الأساس القانوني لهذه التهم.

وبعض تلك القضايا لم يتم الإعلان عنها من قبل؛ بما فيها الواقعة التي أحضر فيها أحد عملاء الاستخبارات الأميركية سلاحا ناريا إلى حجرة الاستجواب لكي يجبر المحتجز على الكلام؛ وذلك وفقا للمسؤولين. وهناك بعض أنواع الإساءة الأخرى التي تم الإعلان عنها قبل ذلك مثل تقنية محاكاة الغرق في خرق صريح لتوجيهات وزارة العدل؛ بالإضافة إلى واقعة وفاة المحتجزين في سجون الاستخبارات الأميركية في أفغانستان والعراق في عامي 2002 و2003. ويقول المسؤول بوزارة العدل إن فتح تحقيق جنائي هو أمر كان هولدر«غير مرحب بشأن التفكير فيه»، مؤكدا أن هولدر لم يتوصل لقرار نهائي ولكنه ذكر أن «المدعي العام ملتزم باتباع القانون». وتقول مصادر مقربة من هولدر إن مسألة التحقيق لا تبدو مؤكدة وفقا لطريقة تفكيره. بالإضافة إلى أنه سيختار المحقق الذي سيتولى القضية في الغالب من قائمة قصيرة طلب هولدر من مساعديه تجهيزها. وسوف يبدأ المحقق في مراجعة قضايا امتد معظمها لخمس سنوات وراجعها قبله محققون داخليون وتوصلوا إلى عدم إمكانية الاستمرار في التحقيق. ويقول مسؤول سابق رفيع المستوى بوزارة العدل ومطلع على تفاصيل البرنامج: «أنا لا ألومهم على الرغبة في النظر في ذلك الأمر. ولكن إذا عينوا محققا خاصا، لن يكون الأمر ناجحا على الإطلاق، وسوف يستمر الأمر إلى الأبد؛ كما أنه سوف يتسبب خلال الطريق الذي سوف يقطعه حتى يصل لتلك النتيجة غير الناجحة في دمار واسع المدى». وتحسبا لأسوأ الظروف، أجل عدد قليل من المسؤولين بالاستخبارات الأميركية خططهم للتقاعد أو مغادرة الوكالة لكي يتمكنوا من الوصول إلى الملفات السرية ولتقوية موقفهم في الدفاع عن أنفسهم إذا ما مثلوا لتحقيق جنائي. يقول مسؤول متقاعد بالاستخبارات الأميركية بعد حديثه إلى عدد من زملائه السابقين في الوكالة: «عندما تخرج من الوكالة، يصبح الأمر أكثر صعوبة». ويستهدف الاستجواب كذلك بعض العملاء الخاصين الذين كانوا يعملون لصالح وكالة الاستخبارات خلال الاستجوابات. وقد اشترط المسؤولون الحاليون والسابقون الذين تحدثوا في ذلك الموضوع عدم الإفصاح عن هويتهم نظرا للسرية التي ما زالت تحيط بمشاورات هولدر وتفاصيل ملفات الاستجوابات. وقد عبر الرئيس أوباما مرارا عن عدم ترحيبه بفتح تحقيق جنائي حول برنامج الاستجواب ولكنه ترك الباب مفتوحا فيما يتعلق بمحاكمة الأفراد الذين انتهكوا القانون. ولكن كلا من أوباما وهولدر أكد على اعتقاده بأن تقنية محاكاة الغرق تعد تعذيبا، ولكن فتح التحقيق سوف يجعل الإدارة تواجه مشكلات سياسية شائكة وربما يثير انتقادات تتعلق بقضية العدالة.

يقول توم مالينوسكي مدير منظمة هيومان رايتس ووتش في واشنطن: «أعتقد أن فتح تحقيق يركز على الموظفين من المراكز الدنيا سوف يكون أسوأ من عدم فعل شيء على الإطلاق». وسوف يثير فتح التحقيق شقاقا جديدا بين الاستخبارات الأميركية ووزارة العدل والوكالات في ظل تاريخ طويل من المعاناة في التعاون معا منذ هجمات 11 سبتمبر (أيلول). وقد تزايد اهتمام هولدر بتعيين محقق لفتح تحقيق بعدما اطلع مؤخرا على تقرير المحقق العام السري لعام 2004 والذي أشار إلى إشكاليات كبرى وانتهاكات في برنامج استجواب الوكالة، ومن المتوقع أن يتم الإفراج عن معظم أجزاء التقرير خلال الشهر الجاري. ويقول مسؤولون بالاستخبارات الأميركية إن معظم الأجزاء المقلقة في التقرير تتعلق بتقنية محاكاة الغرق وهي التقنية التي يجعل المستجوبون فيها المحتجزين يشعرون بأنهم يغرقون. وكانت وزارة العدل قد صرحت باستخدام تلك التقنية في مذكرة أغسطس (آب) من عام 2002 والتي كانت تحتوي على تحذير يعد دليلا حيويا بالنسبة للتحقيق الجنائي؛ فبالرغم من أنها قد سمحت باستخدام تلك الوسائل «أكثر من مرة» فإنها ذكرت «إن التكرار ليس مسألة جوهرية لأن تكرار تلك التقنيات تفقد فعالياتها بعد استخدامها لأكثر من مرة». وتفيد إحدى فقرات ذلك التقرير الاستخباراتي والتي أفرج عنها خلال العام الجاري بأن تلك التقنية قد استخدمت «على الأقل 83 مرة خلال أغسطس (آب) 2002» على أبو زبيدة؛ وهو أول القيادات البارزة التي تتمكن الوكالة من اعتقالها؛ ثم تم استخدام تلك التقنية «183 مرة خلال مارس (آذار) 2003» على خالد شيخ محمد الذي ادعى أنه العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر (أيلول). كما أثار المدعي العام كذلك قضية كمية المياه المستخدمة؛ فبدلا من تقطير المياه من الوعاء كما كانت تفيد مذكرة 2002، استخدم محققو الوكالة «كميات كبيرة من المياه» مما أثار الأسئلة حول ما إذا كانت تلك الطريقة «فعالة وآمنة على المستوي الطبي».

ونظرا لمثل ذلك التضارب في الوثائق فإن المسؤولين بوزارة العدل والخبراء القانونيين يعتقدون أن تلك الانتهاكات المتعلقة بتقنية الإغراق هي أكثر القضايا ملاءمة لفتح تحقيق بشأنها؛ ولكن بالرغم من ذلك، توجد عقبات قانونية ولوجستية أمام تلك القضايا. وذلك حيث تتطلب القوانين الأميركية لمكافحة التعذيب إثبات أن المحقق «كانت لديه نية واضحة لأن يعرض المحتجز للإيذاء البدني أو الذهني أو لتعذيبه». ويقول المسؤولون إنه ليس من الواضح ما إذا كان تم إخبار المحققين بوكالة الاستخبارات بالحدود المذكورة في مذكرة وزارة العدل. يقول مسؤول سابق بارز ومطلع على الأعمال الداخلية لبرنامج الاستجواب: «هناك عدد من الناس يستطيعون أن يقولوا بأمانة وبصدق (أنا لم أكن أعرف شيئا عن محتوياتها)».

ويذكر تقرير الاستخبارات كذلك حالات تورط فيها المحققون باستخدام وسائل مرتجلة وعير قانونية. فيقول مسؤول سابق بالوكالة إن أحد المحققين كان يلوح بسلاحه الناري أثناء الاستجواب، بينما تعرض عدد آخر من السجناء للتهديد الذي يشتمل على الإيذاء الجسدي ودفنهم أحياء. ويقول المتحدث الرسمي باسم الوكالة بول جيميغليانو إن الاستخبارات الأميركية قد تعاونت على نطاق واسع في «الخطوات المتعلقة بفتح التحقيق، وفي التعامل مع المحققين الداخليين الذين يقررون ما إذا كان يجب إحالة بعض القضايا إلى المحكمة والتوقيت المناسب لذلك».

* خدة لوس انجيليس تايمز خاص بـ «الشرق الأوسط»