نقاب المسلمات الفرنسيات يشعل الخلاف حول قيم الجمهورية

جدل بعد تشكيل لجنة تحقيق بشأن النقاب .. والجيل القديم من المهاجرين مستاء من خلفه

مسلمتان تسيران في وسط مدينة مرسيليا في 22 يونيو الماضي (ا.ف.ب)
TT

كان ذلك يوم التسوق في بلاس ليون سوبليه، الميدان الرئيسي في تلك البلدة الصغيرة التي تسكنها الطبقة العاملة في جنوب شرقي مدينة ليون الفرنسية. وفي ظلال كنيسة كاثوليكية قديمة، يتجول المتسوقون بين محلات الأطعمة في تمهل. كان من الممكن أن تعكس الصورة الجانب التقليدي في فرنسا، لولا وجود العديد من السيدات اللواتي يرتدين ملابس تصل إلى كواحلهن وأغطية رأس طويلة تغطي شعورهن. ثم جاءت سيدة تتشح من الرأس إلى القدمين بالسواد. ولا يظهر منها سوى عيناها السوداوان عبر فتحة ضيقة في حجابها.

وطالما اعتاد الشعب الفرنسي على وجود مسلمات يرتدين حجاب الرأس والثياب الطويلة. ولكن كانت رؤية سيدات متشحات بزي أسود، والذي أصبح متزايدا في بعض البلدات، أحدث اختبار لدور فرنسا الصعب كبلد مضيف لأكبر عدد من السكان المسلمين في أوروبا، حيث يبلغ تعدادهم 6 ملايين من بين 64 مليونا. وبسبب التميز الواضح عن ملابس المرأة الأوروبية، تسبب النقاب الكامل في انطلاق موجة من الغضب الشعبي، حيث ينتشر اعتباره رمزا للإساءة إلى القيم العلمانية في فرنسا.

وقال جوزيه أبريكيو، 66 عاما، السباك المتقاعد الذي كان يجول بنظره في الميدان المزدحم في فينيسيو، ساخرا: «إنه أمر سخيف. لا أعرف ما الذي يحاولون إثباته». وفي استجابة لزيادة المخاوف المفاجئة، أعلن الرئيس نيكولا ساركوزي أخيرا أن «النقاب ليس مرحبا به» في فرنسا.

وأثار احتمال وضع تشريع جديد ضد النقاب الاستياء، وسط المسلمين الذين لا يزالون مستاءين من الحظر القانوني الذي تم تنفيذه عام 2004 ضد الطالبات اللاتي يرتدين الحجاب في المدارس الحكومية. وأدانت أهم مؤسسة إسلامية في فرنسا، احتمال فرض قوانين منع ووصفتها بتشويه سمعة المسلمين الذين يحاولون أن يجدوا لهم مكانا في فرنسا. وقال محمد موسوي، رئيس مجلس الدين الإسلامي الفرنسي، في تصريحات إلى مجلة لوبوان: «تتمنى أغلبية كبيرة منا أن تطبق دينها في اعتدال وتسامح. ويعني تشكيل لجنة تحقيق أمرا ثقيلا، وهو عادة ما يكون مختصا بالأمور الكبيرة التي تؤثر في المجتمع».

وتركز معظم الغضب، خاصة بين المحللين في باريس، على حقوق المرأة، بناء على الافتراض بأن النساء اللاتي يرتدين النقاب مجبرات على ذلك من أزواجهن. وعلى سبيل المثال، أوقف مجلس الدولة، أعلى محكمة إدارية في فرنسا، رفض الحكومة منح الجنسية لمغربية منقبة لأن الحكومة قالت إن زيها «يتعارض مع قيم المجتمع الديمقراطي ومبدأ المساواة بين الجنسين».

ولكن، ينظر إلى قرار ارتداء نقاب كامل على أنه وسيلة لتحدي مبدأ الاندماج، الذي يرتكز عليه تقليديا الموقف الفرنسي تجاه المسلمين والمهاجرين الآخرين. وبرفض ذلك الاندماج في المجتمع تفاخرا، تثير السيدات اللاتي يرتدين مثل ذلك الزي استياء عارما بين الشعب الفرنسي الأوروبي الذي طالما كان غير مرتاح لوجود دين ليس معتادا عليه.

وإلى حد ما، ينتشر الاستياء بين المهاجرين المسلمين، خاصة الأكبر سنا، الذين اجتهدوا في بدايات متواضعة ليصبحوا جزءا من المجتمع ويرون حاليا زملاءهم من المسلمين يتحدون قيمهم التي اعتنقوها. وقال مصطفى زيماوي، 65 عاما، وهو صانع أقفال متقاعد: «إذا لم يكونوا يحبون المكان هنا، فبإمكانهم المغادرة».

وفي ذلك السياق، أصدرت الهيئة العليا ضد التمييز ومن أجل المساواة أخيرا حكما بأن الفصول الفرنسية المجانية التي ترعاها الحكومة يحق لها إبعاد مرتديات النقاب، لأنه من جانب، يغطي النقاب على أفواههن مما يعيق التدريس، ومن جانب آخر، تعد الفصول جزءا من الجهود المبذولة لإدماج المهاجرين في المجتمع.

وعلى الرغم من وجود المخاوف منذ شهور، فإن حالة الغضب الأخيرة أثارها أندريه غيرين، الذي كان عمدة فينيسيو طوال 24 عاما، وما زال عضوا في برلمانها. وقال غيرين، 63 عاما، الذي كان يعمل في مصنع سيارات وهو عضو قديم في الحزب الشيوعي، إن خبرته هنا أوضحت له أن الحجاب «قمة لجبل من الجليد»، وخلفه تكمن أصولية إسلامية مصممة على فرض وسائلها على المجتمع الفرنسي.

وقال في مقابلة معه في مجلس المدينة، حيث ما زال يحتفظ بمكتب له هناك على الرغم من استقالته من منصب العمدة: «يوجد عمل أيديولوجي حقيقي من أجل تفنيد أفضل ما تقوم عليه الحضارة الغربية».

وبتأييد من حوالي 90 عضوا زميلا في البرلمان، قدم غيرين مشروع قرار في يونيو (حزيران) يطالب بإقامة لجنة تحقيق. وعلى خلفية تصريحات ساركوزي، تم تشكيل اللجنة على الفور، وتحديد مواعيد لانعقاد جلساتها بعد إجازات شهر أغسطس (آب) مع الوعد بإصدار توصيات بحلول نهاية العام. وجاء في القرار: «إن رؤية هؤلاء السيدات السجينات غير محتمل لنا بالفعل عندما يأتين من إيران أو أفغانستان أو السعودية أو دول عربية أخرى معينة»، مما يشير إلى النتيجة المحتملة لأعمال اللجنة. ويضيف: «إن ذلك غير مقبول على الإطلاق على أراضي الجمهورية الفرنسية».

وقد ركزت التحليلات العامة في فرنسا على البرقع، المنتشر في أفغانستان ويسمح للمرأة بالرؤية عبر قطعة من القماش الرقيقة تغطي العينين. ولكن معظم المنقبات في فرنسا يرتدين النقاب الوارد من الدول العربية. وفيه تترك مساحة للعين للرؤية ما بين غطاء الرأس وغطاء الوجه المنفصل.

ويقول غيرين إنه أيا كان المسمى المستخدم، فقد أصبحت السيدات مثل «السجن المتنقل» خلف نقابهن، والأهم هو أنهن جزء من حملة يشنها مئات الأصوليين الإسلاميين ذوي الأهداف السياسية لنشر آرائهم بين المسلمين في الأحياء الفقيرة بالقرب من المدن الكبيرة مثل ليون وباريس ومارسيليا.

وقدرت أجهزة الاستخبارات الداخلية في وزارة الداخلية في الشهر الماضي أن أقل من 400 سيدة يرتدين النقاب الكامل في فرنسا؛ ومعظمهن من المواطنات المولودات في فرنسا، وبعضهن تحولن حديثا إلى الإسلام. ويقول محللو الوزارة إن القرار بارتداء ذلك الزي ينبع من الرغبة في استفزاز المجتمع الفرنسي بدلا من الخضوع إلى أزواجهن أو آبائهن. ويعارض غيرين أرقام الوزارة قائلا إنها منخفضة للغاية، ولكنه قال على أي حال إن الحكومة تقلل من شأن الخطر الذي يشكله الأصوليون في فرنسا. ويضيف أن الجيل الأكبر من المسلمين المهاجرين من الجزائر أو المغرب الساعين إلى الاندماج في حياة أفضل، يجد تحديا من المتطرفين الأصغر سنا، المولودين في فرنسا. وقال: «إنهم يشككون في كل شيء».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»