جدل حول تطبيق الشريعة في نيجيريا

أحد المؤيديين للخطوة: «الشريعة هي العدل وأينما تكون لديك شريعة، تكون لديك تنمية، ولكن لم يتغير شيء»

TT

بعد انتهاء الحكم العسكري في نيجيريا منذ عشرة أعوام، أدخل نظام قانوني إسلامي مكانه، ترافق مع موجة من التأييد الشعبي في الولايات الشمالية التي تسكنها أغلبية مسلمة وتعاني من فقر شديد. إلا أن الأمر تحول بطريقة لم يكن يتوقعها الكثيرون.

لم تتحقق الأحكام العرفية بقطع الأعضاء والتي حذر منها ناشطو حقوق الإنسان، كما لم يحدثالقمع الديني الذي يخشاه المسيحيون. وكذلك أيضا لم تقم المدينة الفاضلة التي تخيلها مؤيدو حكم الشريعة الذين صدقوا وعود السياسيين بأنها ستنهي عقودا من الفساد والنهب على أيدي الحكام المدنيين والعسكريين. وقد يمتد تأثير المعارك التي تدور حول كيفية تطبيق الشريعة لتتجاوز نيجيريا، وهي الدولة المحورية من أجل استقرار غرب أفريقيا، والتي تراها الولايات المتحدة مهمة من أجل وقف انتشار التطرف الديني في أفريقيا. ويقول أحمد الخناوي (41 عاما): «يريد الناس تطبيق الشريعة. ولكن ليس هذا النوع منها». ويضيف أن أوضح مظاهر ما فرضته الحكومة، هو فرض قوانين رقابية جديدة تحظر الرقص والغناء في الأفلام التي تنتج في كانيوود، كما يطلق على صناعة الأفلام في هذه المدينة. ويقول إن السياسيين المروجين للشريعة «يريدون أن يغطوا على فشلهم بإحداث ضجة حول محاربة انعدام الأخلاق».

وربما لا يؤدي نموذج الشريعة المعتدل في نيجيريا إلى حدوث ثورة إسلامية، ولكنه أدى إلى شعور بخيبة الأمل قد يضعف إيمان النيجيريين بالديمقراطية، وقد يتسبب في ظهور جماعات دينية مسلحة، إذا ترك دون معالجة. وتأكد ذلك الاحتمال في الشهر الماضي، عندما هاجمت جماعة إسلامية متطرفة تسمى بوكو حرام، قوات الأمن في شمال نيجيريا، مما أشعل أعمال العنف التي أسفرت عن مقتل ما يزيد على 700 شخص. ويأتي أعضاء الجماعة من صفوف الشباب المحبط.

ويقول نامدي أوباسي، محلل شؤون غرب أفريقيا في المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات: «المساحة السياسية محدودة للغاية... ويجد المحبطون القليل من الأماكن لتحقيق التغيير عبر الحوار والتعبير السلمي». ويقول المحللون إنه حتى الآن تظل الجماعات المتطرفة مثل بوكو حرام صغيرة وغير متصلة بمنظمات إرهابية دولية. وفي كانو، أكبر مدينة في شمال نيجيريا، يقول الكثيرون إن أكبر تهديد على المدى القريب هو أن الناس بدأت في رؤية ذلك النوع من وعود الشريعة، والنظام الديمقراطي الذي جلبه، مجرد وعد سياسي آخر لم يتحقق. وتظل كانو مدينة مشمسة تنقطع فيها الكهرباء، ويتجمهر الشحاذون من الأطفال على حافة الشوارع، وتأكل الأغنام من أكوام القمامة. ويتعرض العديد من قادة المنطقة لاتهامات بالفساد الذي أصاب نيجيريا. وأمام كل ذلك، يقول السكان إن الإصلاحات التي جاء بها تطبيق الشريعة، مثل الرقابة على الأفلام وحظر ركوب المرأة لدراجات الأجرة البخارية تبدو شكلية.

ويقول ساليسو سايدو (32 عاما) الواقف وسط مجموعة من الحقائب الجلدية التي يبيعها في سوق كانو المزدحم: «الشريعة هي العدل. وأينما تكون لديك شريعة، تكون لديك تنمية. ولكن لم يتغير شيء. وإذا اعتمد المرء على ماء الصنبور، فسيموت عطشا. ونحن لم نعد نتحدث عن الكهرباء». وقد ساد الإسلام في تلك المنطقة على أطراف الصحراء الكبرى منذ قرون، في تعايش بسيط مع المسيحية التي تسود في جنوب نيجيريا الأكثر ازدهارا. وعندما تبنت كانو و11 ولاية شمالية أخرى، كانت تطبق أحكام الإسلام على القضايا المدنية منذ مدة طويلة، تنفيذ الشريعة في القضايا الجنائية، قامت اشتباكات بين المسيحيين والمسلمين. وفي البداية، جذبت أحكام عديدة بالرجم حتى الموت لسيدات لارتكابهن الفاحشة، والتي لم تنفذ مطلقا، وقطع أيدي رجلين لارتكابهما السرقة، تنديدا دوليا.

ولكن تحولت تلك النسخة من الشريعة إلى الاعتدال، لتعكس المشاعر المحلية ووجود القانون الديني داخل نظام فيدرالي علماني. وحظيت الأحكام القاسية التي فرضت في ظل النظام الجديد، الذي يطبق على المسلمين فقط على القليل من التأييد الشعبي. وأثار حظر ركوب السيدات دراجات الأجرة البخارية الاحتجاجات، وما زالت السيدات المحجبات تطفن كانو، وأيديهن تحيط بالسائقين الرجال. وكبحت الحكومة الفيدرالية شرطة الشريعة، بعد اتهامها بترويع الناس.

وقد أضاف كل ذلك إلى مزيج لا يبدو مشابها للتقدم الذي تصوره مؤيدو الشريعة. وفي رؤيتهم، كانت مبادئ الإسلام سترشد القادة إلى الاهتمام بالمضطهدين واستخدام الموارد بحكمة ومعاقبة المجرمين الأقوياء والضعفاء. ولكن اتهم عدد من المسؤولين في الولايات التي تحكمها الشريعة بالفساد.

ويقول أبا آدم كوكي، الإمام الذي عمل في مجلس الحكومة الشريعة لمدة عامين ولكنه استقال بعد أن قرر أن المسؤولين ملتزمون فقط بالحفاظ على سلطاتهم: «إذا جاء لي أي شخص وطلب تأييدي مع الوعد بتطبيق الشريعة، فلن أمنحه صوتي. وأفضل الشخص الذي يأتي إلي ويقول لي ما هي البرامج التي سينفذها للناس».

ويقول مسؤلوو الحكومة إنهم يبذلون قصارى جهدهم ويؤكدون على أنه لا تراجع عن الحكم الإسلامي، على الرغم من أنهم يعترفون بأن تطبيق الشريعة تماما في نيجيريا الدولة متعددة الديانات أمر مستحيل. وصرح سولي ياو سولي المتحدث باسم ولاية كانو بأن الحاكم أقام العديد من الهيئات للإشراف على نشر المبادئ الإسلامية، ومن بينها وحدة مكافحة الإرهاب وفرع يجمع الزكاة ليسدد فواتير المستشفيات لآلاف من الفقراء سنويا. ووفرت الحكومة 40 ألف فرصة عمل على مدار أربعة أعوام قبل عام 2007، وتم قمع أعمال الدعارة وشرب الخمور.

وقال سولي إن التحديات تكمن في أن الشرطة الفيدرالية العلمانية التي ما زالت تسير في دوريات في كانو لا ترغب في التعاون مع الحسبة، والحكومة لا تقدم للولايات المال الكافي. ويقول أيضا إن المسؤولين يطلبون الحصول على ملابس وسيارات ومنازل أنيقة، ولكن كل ذلك لا يعني أنهم فاسدون.

ويقول سولي: «تعطيك الحكومة الفيدرالية مبالغ ضئيلة فقط شهريا. وتتوقع منك أن تستخدم ذلك المبلغ لتنمية الولاية. وهو لا يكفي لإنهاء ذلك العمل وتوزيعه على المحتاجين». وفي أحد الأيام خارج المحكمة الإسلامية في مدينة كادونا الشمالية، اشتكى رجلا أعمال من أن قلب ثورة الشريعة الإسلامية، المحاكم، تحولت إلى التباطؤ مثل أي محاكم أخرى. وفي قاعة المحكمة ذات الجدران زرقاء اللون، وبخ أفراد جهات الادعاء القاضي على تأجيل العديد من القضايا المدرجة منذ مدة طويلة، ومنها قضية نزاع حول ميراث وقضية امرأة تسعى إلى الحصول على الطلاق من زوجها لأن عقد زواجها الذي وقع منذ 7 أعوام لم يكتمل.

وكان محمد بيلو (45 عاما) ويوشوا إينوا (28 عاما) في المحكمة لرؤية ما إذا كان صديقهما المتهم بارتكاب جريمة سرقة منذ عام، وتعرض للضرب المبرح على يد رجال الحسبة، سيعرض أمام المحكمة أخيرا. وقالا إن المحاكم غير فعالة، والحكومة لم تنفذ ما أشارا إليه بحقوقهم الدستورية في تحسين الطرق والمدارس والرعاية الصحية.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»