ردود فعل متباينة حول مبادرة الحكومة التركية لحل المسألة الكردية

حكومة أردوغان أعلنت عن مبادرة لحل الأزمة.. لكنها لم تكشف تفاصيلها بعد

TT

المتابع للشأن الكردي ومجريات القضية الكردية في تركيا يلمس بوضوح تحولا نوعيا غير مسبوق في موقف السلطات التركية حيالها، منذ أكثر من أربعة أشهر وعلى نحو تدريجي.

وقد بدأ هذا التحول بسماح الحكومة التركية وللمرة الأولى في التاريخ لأحد الصحافيين المقربين منها، ويُدعى حسن جمال، بزيارة معاقل حزب العمال الكردستاني المعارض في سلاسل جبال قنديل ولقائه بخليفة عبد الله أوجلان في زعامة الحزب «مراد قره إيلان»، ومن ثم العمل على تقريب المواقف ووجهات النظر بين الجانبين عبر نشر مبرمج لسلسلة مقالات ومواضيع من خلال الصحف التركية الرسمية تحدثت للمرة الأولى عن القضية الكردية في تركيا وضرورة حلها بالطرق السلمية وبما ينسجم ومضمون الدستور التركي.

وتبع ذلك تصريحات غير مسبوقة لكبار المسؤولين في الحكومة التركية كرئيس الوزراء أردوغان ورئيس الجمهورية عبدالله كول بخصوص القضية ذاتها والاعتراف رسميا وصراحة بوجود شعب في تركيا يُدعى الشعب الكردي، بموازاة إطلاق قناة تلفزيونية ناطقة باللغة الكردية واستحداث مدارس كردية في المناطق الجنوبية من البلاد ذات الغالبية الكردية.

وعلى ما يبدو فإن كل تلك المقدمات والتحولات الجذرية في موقف الحكومة التركية التي تنبع في الغالب من موقف المؤسسة العسكرية التي تدير شؤون البلاد فعليا من خلف الكواليس، مهدت السبيل وهيأت الاجواء لمشاريع سياسية حقيقية تهدف إلى حل المشكلة الكردية وإنهاء الأنشطة المسلحة لحزب العمال بعيدا عن العنف خصوصا بعد أن أثبتت التجارب المريرة التي خاضتها تركيا على مدى الثلاثين عاما الماضية فشل الحل العسكري في القضاء على حزب العمال والتنكر للوجود الكردي في البلاد والذي كان السبب الأساس في رفض الاتحاد الأوروبي انضمام تركيا إلى عضويته.

في هذه الأثناء علمت «الشرق الأوسط» من مصادر مقربة من حزب العمال أن السلطات التركية منعت محامي أوجلان المعتقل في سجن جزيرة إيمرالي بتركيا منذ أواخر عام 1998، من زيارته المعتادة يوم الأربعاء الماضي في معتقله للحصول على نسخة من مشروع «خارطة الطريق نحو السلام» الذي وضعه أوجلان لحل القضية الكردية في تركيا والذي من المقرر أن يعلن عنه رسميا في 15 أغسطس (آب) الجاري بمناسبة الذكرى السنوية لإعلان الحزب الكفاح المسلح ضد تركيا في مثل ذلك اليوم من عام 1984.

وأكدت المصادر التي طلبت عدم ذكر أسمائها أن أوجلان اشترط من خلاله المشروع حصول الشعب الكردي في تركيا على حكم ذاتي حقيقي في إطار الدولة التركية الموحدة وتغيير مضامين الدستور الذي تم وضعه بعد الانقلاب العسكري عام 1981، لقاء إلقاء السلاح والتخلي عن حلم إقامة الدولة الكردية المستقلة.

ورفضت المصادر ذاتها الإفصاح عن الموقف الرسمي للحزب حيال مبادرة السلطات التركية لحل القضية الكردية لحين الإعلان رسميا عن تفاصيل مشروع أوجلان للسلام. وعلى المستوى الداخلي كثف رئيس الحكومة التركية وكبار المسؤولين فيها الأسبوع المنصرم من لقاءاتهم بزعيم حزب المجتمع الديمقراطي الكردي بزعامة أحمد ترك الذي يرى فيه الشارع التركي رديفا لحزب العمال المحظور بغية بحث السبل المتاحة لحل القضية الكردية، الأمر الذي أثار حفيظة القوى السياسية التركية وخصوصا الأحزاب القومية المعروفة بعدائها المستميت للكرد والمصرة على إبقاء الدستور الذي وضعه مؤسس الجمهورية التركية الحديثة كمال أتاتورك بعيدا عن أي تعديل يقر بوجود الكرد في البلاد.

في حين يرحب الكرد وقواهم السياسية في تركيا بالحلول السياسية لقضيتهم، وقد أصدر أكثر من 160 شخصية سياسية وثقافية وفنية كردية في البلاد بيانا رحبوا من خلاله بأي مشروع سلمي، وقال البيان: «خلال السنوات القليلة المنصرمة أُزهقت المئات من الأرواح، وابتُليت بلادنا بحرب قومية، أما الآن وقد فُتحت أبواب حل سلمي لتلك المعضلة فإننا ندعم الحلول السلمية الديمقراطية العادلة ونساند كل خطوة تتخذ في هذا الاتجاه».

في غضون ذلك أعلن الرئيس التركي عبد الله غل ورئيس الوزراء رجب طيب أردوغان في خطابين منفصلين هذا الأسبوع أن لديهما خارطة طريق تركية لحل القضية الكردية في البلاد والمشكلات الناجمة عنها والمتراكمة منذ 80 عاما بالوسائل السلمية والديمقراطية، ما يشكل تحولا نوعيا وجذريا في الموقف الرسمي التركي الذي لطالما تنكر للوجود الكردي واعتبر الحركة الكردية المسلحة هناك مجرد تمرد لأتراك الجبال وهي التسمية التي دأبت المؤسسة العسكرية والسياسية على إطلاقها على الأكراد في تركيا.

من جانبه حذر أحمد تورك زعيم حزب المجتمع الديمقراطي من أن فشل ما أسماه بمبادرة الحكومة التركية لحل القضية الكردية يمكن أن يتسبب في إحباط عميق.