السفير العراقي لدى السعودية: للرياض تحفظات على جهود المصالحة الوطنية.. ونسعى لإزالتها

الجميلي في حديث لـ «الشرق الأوسط»: تقدمنا بطلب رسمي لفتح معبرين حدوديين

غانم الجميلي السفير العراقي لدى الرياض («الشرق الأوسط»)
TT

أقر السفير العراقي لدى الرياض، غانم الجميلي، بأن علاقات بلاده مع السعودية مرت بسنين «عجاف»، وأنه يحاول أن يعيد تحريكها، وإعادتها إلى مكانتها السابقة. ويرى الجميلي أن عودة علاقات الرياض ببغداد أمر «حتمي»، وليست قضية اختيار، غير أنه يجد أن الظروف الحالية من الممكن أن تجعل مهمته في هذا الاتجاه تبدو «أصعب».

ودائما تحضر الفيزياء، في أي حديث يدلي به الجميلي، أول سفير عراقي يعين لدى السعودية منذ 18 عاما، كونه متخصصا بهذا العلم الحيوي. وحينما أراد أن يصف في حوار لـ«الشرق الأوسط»، حجم التبادل التجاري المتوقع بين بغداد والرياض، في حال استجابة الحكومة السعودية لطلب بلاده فتح منفذ «جديدة عرعر» الحدودي وصفه بقوله بأنه سيكون «انفجاريا».

وحسب الجميلي، فإن السفارة العراقية في الرياض، طبقا لسفيرها، تقدمت للحكومة السعودية، بطلب رسمي، لإتمام ترتيبات زيارة وفد عراقي رفيع المستوى إلى الرياض، يترأسه الدكتور إياد السامرائي، رئيس مجلس النواب العراقي، وعضوية ممثلي الكتل النيابية. وهدف هذه الزيارة، كما يقول الجميلي، وضع المسؤولين السعوديين في صورة المصالحة الوطنية في العراق، ومدى تقدمها من عدمه، كون أن الرياض تعتقد بأن جهود المصالحة دون المطلوب. وفي ما يلي نص الحوار:

* بداية إلى أين تتجه العلاقات السعودية ـ العراقية، في ظل حالة الجمود التي تتسم بها منذ وقت ليس بالقصير؟

ـ العلاقات بين العراق والمملكة أصابها ما أصابها من سنين عجاف، ونحن الآن بحاجة إلى تحريكها، والتحريك قد يأخذ وقتا. الظروف التي نحن فيها قد تجعل العملية أصعب، ولكن هناك ظروفا في الاتجاه المعاكس التي يفترض أن تدفع بتقوية العلاقات، فهناك الظروف الدولية، والظروف الإقليمية، والعلاقات التاريخية والجغرافية بين البلدين، تدفع بهذه العلاقات، وتجعلها حتمية، وليست قضية اختيار، لذلك يشعر الشخص بالاطمئنان إلى أنه سيعمل شيئا متماشيا مع حركة التاريخ وحركة الجغرافيا. فالمسألة مسألة وقت، والعلاقات السعودية العراقية ستنطلق انطلاقة كبيرة.

* أي علاقات بين البلدين، لها الكثير من الجوانب، ولكن دعنا نبدأ بالجانب الاقتصادي في ظل تصريحات مسؤولين عراقيين تحدثوا عن وجود مباحثات بين الرياض وبغداد حول مسألة تحريك هذا الملف..

ـ كما هو معلوم أن الثقل الاقتصادي العالمي بدأ يميل باتجاه آسيا، وبالتحديد في الصين واليابان والهند، فالفعاليات الاقتصادية ستكون بهذا الاتجاه، مقابل ضمور متوقع للنشاط الاقتصادي في أوروبا، فيما سينتعش في آسيا. لذلك فمنطقة الخليج والعراق، وخصوصا ما إذا أخذنا بالاعتبار انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، ستكون هي الجسر الذي سيربط بين منطقتين من أهم مناطق النشاط الاقتصادي في العالم (آسيا وأوروبا).

نحن في حديثنا مع الإخوة السعوديين حول هذه القضية، نؤكد لهم بأننا، كعراق ودول الخليج، لا نريد أن نكون مجرد جسر اقتصادي، بمعنى أننا نريد أن نكون جزءا من هذه الفعاليات الاقتصادية، نحن نريد أن تنمو وتنشأ هذه الفعاليات، ونكون جزءا فعالا في التخطيط له، بحيث ينفعنا وينفع أجيالنا القادمة، نحن لا نريد لأحد أن يفصل لنا ثوبا، ويجبرنا على لبسه، نريد أن نكون جزءا من عملية التفصيل والخياطة. إذن، هذه المنطقة، مرشحة لأن تزداد أهمية بشكل كبير جدا، لذلك كما قلت إننا بحاجة إلى أن نفكر في كيفية أن نكون جزءا من عملية التفكير والتخطيط والتنفيذ لسبيل أن تكون منطقتنا قلب الفعاليات القادمة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا.

لذلك، فالدور السعودي والعراقي، هو دور مرشح لأن يزداد أهمية، بحجم أكبر بكثير من الأهمية التي كان النفط فيها. نحن يجب أن نكون واعين لهذه القضية، ونستفيد منها ونستغلها لتحقيق خير كبير لأهلنا ومنطقتنا، ونحن قادرون على ذلك.

* ولكن ما هو التحرك المقبل، لتنفيذ هذه الرؤية الاقتصادية على أرض الواقع؟

ـ التحرك سيكون على عدة محاور. المحور الأول سيكون اقتصاديا. العلاقات الاقتصادية بين الرياض وبغداد مرشحة لأن تنمو بشكل انفجاري، ليس تطورا طبيعيا، بل تطورا كبيرا جدا، خلال السنوات الـ3 الماضية، كان حجم التبادل التجاري بين العراق والسعودية يتضاعف سنويا. فالعام الماضي كان مليارا و400 مليون ريال، وما قبله كان 800 مليون ريال، وما قبله 400 مليون ريال. ونتوقع أن يزيد حجم التبادل التجاري بين البلدين هذا العام عن حاجز 2 مليار ريال. هذا في ظل أن الحدود مقطوعة ومسدودة، فكيف لو فتحت أمام التجار.

لذلك فإن جهدنا الأول هو فتح المعبر الحدودي، وقدمنا طلبا للخارجية السعودية، لفتح المعبر، وخلال لقائي الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية، وعد خيرا في هذا الاتجاه. التجار السعوديون في الشرقية والرياض والشمال، مندفعون جدا لهذه القضية، لأن المستهلك العراقي يكلف التاجر السعودي الكثير، فالطريق الطويل يؤدي إلى رفع الكلفة. الآن بالنسبة للمواد الغذائية وفقا للتحليل الذي خلصت له غرفة تجارة صناعة الشرقية، أن كلفة الشحن هي العنصر رقم واحد في كلفة البضائع السعودية في العراق، ولذلك إذا أردت أن تعطي التاجر السعودي قدرة على المنافسة يجب أن تزيل عنه قضية كلفة الشحن أو تقلل منها. نحن نأمل أن يكون المعبر آمنا، والطريقة التي يفتح فيها المعبر، هو أن تقوم الشاحنات السعودية بالذهاب إلى المنطقة الحدودية، وتتم هناك عملية التبادل، بحيث أن الشاحنات السعودية لا تدخل للعراق، ولا السيارات العراقية تدخل إلى المملكة.

منطقة التبادل التجاري بين البلدين، موجودة بكل تفاصيلها، فلذلك فتح المعبر بالنسبة لنا أولوية، لأنه كما أضر هذا الأمر بمنطقة عرعر، فهو أضر بالجهة الأخرى، بمنطقة النخيب وما حولها، لأن العشائر هناك كلها تعيش على التجارة، فلذلك نريد إحياء هذه المناطق، ونضمن إقامة التبادل الاقتصادي بين البلدين.

ونحن نعتقد بأن منفذ «جديدة عرعر» لن يكون كافيا للتجارة، وإنما نسعى في القريب العاجل إلى فتح منفذ آخر في الجميمة، وسيكون أقرب إلى منطقة الجنوب نحو السماوة والبصرة، بحيث يكون المعبر الحدودي الثاني. نحن أولويتنا الآن فتح منفذ «جديدة عرعر»، على اعتبار أن تفاصيله كلها جاهزة، ومتى فتح هذا المنفذ بقرار سياسي، سيكون فتح المنفذ الآخر خاضعا لموضوع الجدوى الاقتصادية، وليست قضية سياسية. وخلال مخاطبة المسؤولين السعوديين أوضحنا لهم هذه الأولوية، بأن يكون عرعر أولا ثم الجميمة.

وجزء من الفعالية الأخرى التي نسعى لها إن شاء الله، هو إقامة منتدى اقتصادي عراقي سعودي، يأتي برجال أعمال عراقيين ويلتقون بنظرائهم السعوديين، ويكون هناك حديث مفصل عن فرص الاستثمار الموجود في العراق، وفرص التعاون بين البلدين، ويصار بعد ذلك إلى إنشاء المجلس المشترك العراقي السعودي، لتقديم النصائح والتوصيات للمسؤولين في البلدين حول تطوير العلاقات الاقتصادية.

* أي تقدم من الناحية الاقتصادية، لا بد أن يسبق بإرادة سياسية، وكيف من الممكن تشكيل هذه الإرادة في ظل انقطاع التواصل والزيارات العليا بين مسؤولي البلدين؟

ـ نحن نسعى لإقامة تعاون بين البلدين، بداية باتصالات بين مسؤولين على مستويات عليا، نعتقد الآن أن لدينا فرصة في العراق بعد انتخاب رئيس برلمان جديد، وقيام رئيس البرلمان بزيارة لدول الجوار ومصر، نعتقد أنه من المناسب والضروري، أن يأتي لزيارة المملكة، وأن يأتي معه وفد يمثل الكتل النيابية الأخرى، لكي يسمع المسؤولون السعوديون عن جهود المصالحة الوطنية القائمة من عدمها. ورسالتنا للإخوة في المملكة هي أننا لا ندعي أنه ليست هنالك قضايا عالقة، نحن نسعى لوضع هذه القضايا على طاولة الحديث، نريد أن يلتقي المسؤولون في البلدين، ونعرض هذه الأمور، لحل هذه الإشكالات العالقة.

* أفهم من حديثك أن هناك تحفظا سعوديا على الجهود القائمة لناحية تحقيق المصالحة الوطنية في العراق؟

ـ نعم، الإخوة المسؤولون السعوديون، وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين، يعتقدون بأن جهود المصالحة في العراق دون المطلوب، وهم يدعون إلى أن تكون هذه الجهود أسرع وأكبر، وشمول الجميع بالعملية السياسية، وأنها يجب أن تسير بسرعة أكبر.

* وماذا عن الملف الأمني الذي يعتبر أحد الملفات التي لا تزال تسهم في تأخير مسألة عودة العلاقات إلى طبيعتها؟

ـ صرح الأمير نايف بن عبد العزيز، قبل شهرين، بأن أمن العراق والخليج هو أمن مرتبط لا يمكن فيه الفصل، ونحن نؤيد وجهة النظر هذه، وأصدرنا بيانا رسميا أيد فيه ما جاء في خطاب الأمير نايف، ونعتقد بأن هذا هو الرأي الصحيح. هناك هموم وقواسم أمنية مشتركة، حدودنا كبيرة، ونحن نعيش في عالم غير مستقر، وبالذات في منطقتنا، ولذلك لا بد أن يكون هنالك تعاون في سبيل تحقيق الأمن، والأمن إما أن يكون للجميع، أو لا يكون لأحد، فنحن نسعى لتطوير التعاون الأمني. وكان هناك جهد جيد من قبل، فكان هناك تشاور بين المسؤولين السعوديين، ومسؤولي الأمن الوطني العراقي بقيادة موفق الربيعي.

* ولكن الاتصالات الأمنية بين الجانبين السعودي والعراقي توقفت؟

ـ توقفت لأن وضع مستشارية الأمن الوطني في العراق تحت النظر، لأن مستشار الأمن الوطني عين بقانون طوارئ من قبل (الحاكم الأميركي بول) بريمر لمدة 4 سنوات، وهذه السنوات الأربع انتهت. الآن في البرلمان مشروع قانون لوضع استراتيجية وتصور لمستشارية الأمن الوطني، ولحد الآن لم يقر.

* وهل تتوقع أن تستأنف الاتصالات الأمنية بين الجانبين بعد إقرار البرلمان لهذه الاستراتيجية؟

ـ القضية غير مرتبطة بإقرار البرلمان لهذا القانون من عدمه. ونأمل أن تستمر الاتصالات الأمنية بين العراق والسعودية.

بصراحة، العراق أمام استحقاق مهم جدا، في شهر يناير (كانون الثاني) المقبل، وهو الانتخابات. بالنسبة للسياسيين ربما يكون شغلهم الشاغل هو قضية الانتخابات، هي ليست فقط حملات انتخابية، بل هي أكبر من ذلك بكثير، قد تكون وضع مشروع لمستقبل العراق، والآن يصاغ هذا المشروع، هل سنرجع للملفات والخنادق الطائفية، أم سنخرج منها إلى ساحة العمل الوطني التي تشمل الجميع ويعمل فيها الجميع؟ لذلك أقول نحن أمام منعطف مهم جدا لمستقبل وواقع العراق. لذلك نأمل أن تسير الانتخابات في الاتجاه الصحيح، ونأمل بعون الله، ثم بعون أصدقائنا وإخواننا، أن يوضع العراق على سكة التنمية والبناء، لا سكة العنف والانقسامات.

* لماذا قدمت الأصدقاء على الإخوة في إجابتك السابقة؟

ـ لأن الأخوة هم أصدقاء، أولا. وثانيا، مع الأسف، دور الأخوة هو دور ضعيف في العراق، لأن الإخوة قرروا في وقت من الأوقات أن يتركوا العراق وشأنه، فكانوا يمارسون دور المتفرج أكثر من دور الشريك والأخ. صحيح أن أخوك ليس دائما معك، ولكنه يبقى أخوك، فهي مسألة دم. جلدك لا تستطيع أن تغيره، ولكن من الممكن أن تغير صداقاتك. وبقدر ما يحز في النفس ضعف دور الإخوة في العراق، إلا أنه يعطينا دافعا لنعمل مع أهلنا وإخواننا.

* ولكن بعض الدول العربية، التي تعتبر شقيقة العراق، تأخذ على العراقيين ارتماءهم في أحضان دولة هي غير شقيقة بالنسبة لهم؟

ـ أحيانا تتكهن بشيء، ولكن بسلوكك تحقق هذا التكهن. فشكوى كثير من الدول العربية، هي أن إيران مسيطرة على العراق. إذا تركت فراغا سياسيا في العراق، فهل تعيب على الآخرين أن يملأوا هذا الفراغ، الإجابة هي: لا. فهذا قانون رباني وطبيعي. إذا كنت تعتقد بأن لك مصلحة ونفوذا وتتركه، تعيب على الآخرين أنهم يأتون ويأخذون مكانك.

الدول العربية لها حق طبيعي في العراق، ووجود طبيعي لا يمكن أن ينكره أحد، هذا هو حق الدم والتاريخ والجغرافيا. الأسبوع الماضي، حضر نائب رئيس الوزراء العراقي، رافع العيساوي، إلى مأتم في عرعر لأحد شيوخ قبيلة البو عيسى.

* بالعودة إلى مسألة فتح المنفذ الحدودي، هل لديكم دراسة معينة، عن حجم التبادل التجاري بين البلدين في حال فتح المعبر؟

ـ أنا أبحث في البداية عن رمزية فتح المعبر الحدودي. الأمر الثاني أنا أهتم بالتاجر العراقي في النخيب، والتاجر السعودي في عرعر، أكثر من اهتمامي بالتجار الكبار، فأنا حريص على هذه القضية، أكثر من مسألة التبادل التجاري، كما أننا نتطلع لأن يستفيد من العراق من معمل الأسمنت الموجود في عرعر. فتح المعبر، باعتقادي، سيتم عبر خطوتين، الخطوة الأولى القرار السياسي، وبمجرد صدوره سوف نجمع الطرفين لنبحث في الأمور اللوجستية، ووضع الأشياء النهائية، ومن ثم تحديد موعد للانتهاء من هذه القضية، بحيث يكون المعبر جاهزا.

* كيف تفسرون عودة العراق في هذه الأيام إلى دائرة العنف؟ ـ هناك عدة قضايا. هناك استحقاقات داخلية، واستحقاقات إقليمية، والاستحقاق الإقليمي ينعكس على الوضع في العراق، فنحن بحاجة إلى أن نراقب الأوضاع الإقليمية واتجاهها، والأوضاع الداخلية واتجاهاتها. فمسألة الانتخابات قضية مهمة جدا، كذلك داخليا هناك تحول من انسحاب القوات الأميركية من المدن إلى القواعد، وجاهزية القوات العراقية لاستلام الملف الأمني، هذه الآن كلها أمور تفحص في كل المدن، هذه الأمور جميعها لا بد من أخذها في الاعتبار لتفسير ما يجري في العراق.

* وكأنك تلمح، أو أنا أفهم كذلك، إلى أن ما يجري في العراق من عنف، هو رد فعل إيراني طبيعي، على دعم الغرب للمسيرات الاحتجاجية داخلها؟

ـ خذها قاعدة عامة، أن عدم الاستقرار في أي بلد من البلاد سيكون له انعكاسات سلبية على البلدان الأخرى، ولذلك ما نسعى إليه هو أن يعم الاستقرار في كل المنطقة، لأن عدم الاستقرار في إيران أو أي بلد آخر هو مدعاة لعدم الاستقرار في البلدان الأخرى، وخصوصا المجاورة. فالاستقرار مصلحة عامة للجميع، ودعونا نجد طرقا أخرى لحل الخلافات والنزاعات.

* أخيرا، هل هناك زيارات مجدولة لمسؤولين عراقيين إلى السعودية تم إدراجها قبل الانتخابات العراقية المقبلة، خلافا لزيارة نائب رئيس مجلس النواب العراقي؟

ـ هذه الزيارة ستكون البداية، التي نأمل أن تكون فرصة لمنح المسؤولين السعوديين تصورا حول الجهود القائمة حاليا لناحية إتمام المصالحة الوطنية أو عدمها، نحن قمنا بكل الأمور الترتيبية للزيارة، وننتظر فقط الموافقة الرسمية وتحديد الموعد.