السنيورة: العولمة طريقٌ لا عودة عنها.. ودولنا في حاجة إلى مؤسسات قوية ونظام سياسي مستقر

قال في فعاليات موسم أصيلة التي لم يحضرها إن الأزمة الاقتصادية كشفت الجانب السلبي لها

TT

لم يتمكن فؤاد السنيورة، رئيس الحكومة اللبنانية، من الحضور إلى مدينة أصيلة المغربية، للمشاركة في ندوة «العولمة والتنمية: تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية على المساعدات للدول الأفريقية»، المنظمة ضمن فعاليات موسم أصيلة الثقافي الواحد والثلاثين، التي انطلقت أشغالها الليلة قبل الماضية.

وقال السنيورة، في رسالة وجهها إلى المشاركين في الندوة، إن الظروف الصعبة التي يمر منها لبنان حالت دون قدومه إلى أصيلة. وفي سياق موضوع الندوة، قال السنيورة إن الأزمة المالية والاقتصادية الأخيرة كشفت الخلل القائم في النظام الاقتصادي العالمي، الذي أتاح المجال لشريحة من المصرفيين والمضاربين والمستثمرين العالميين في ظل سياسات نقدية ومالية غير منضبطة ورقابة غير فاعلة وغير منسقة، أن تتسبب بأزمة مالية عالمية نتج عنها ركود اقتصادي عالمي هو الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية.

وأضاف السنيورة، في مداخلة له تليت صباح أمس نيابة عنه، أن انهيار السوق العقاري في الولايات المتحدة أدى إلى كشف تراكم وكذلك حدة هذه الاختلالات، حيث أظهرت الأزمة كيف تمادى عدد كبير من المصارف في منح القروض العقارية غاضين النظر عن الجدوى وكذلك عن معايير الجودة الائتمانية، فكانت لتلك الممارسات عواقب وخيمة على القطاع المصرفي ونوعية موجوداته، إذ انتقلت الأزمة المالية العالمية من القطاع المصرفي والمالي في الدول المتقدمة لتنال من اقتصاداتها، وبالتالي من اقتصادات الدول النامية.

وأشار السنيورة إلى أن الضعف الذي أصاب اقتصادات الدول النامية، أدى إلى تزايد الضعف في اقتصادات الدول المتقدمة عبر حلقة مترابطة تبدأ من ضعف الطلب في الدول النامية، وتأثير ذلك على تدفق الاستثمارات العالمية. وذكر السنيورة أن هذه الأزمة كشفت الجانب السلبي لظاهرة العولمة، إذ بينت صغر القرية الكونية، وعمق وتداعيات التأثيرات المتبادلة. كما كشفت أهمية إدراك الدول المتقدمة والنامية حقيقة ثابتة مفادها أن الجميع يستقل مركبا واحدا. كما بينت أيضا حدة الانقسام ما بين دول تتولى قيادة مركب الاقتصاد العالمي، وتعمل على تسييره في الوجهة وبالسرعة التي تراها مناسبة لها، ودول أخرى مستبعدة عن المشاركة، تجلس في المقاعد الخلفية لا حول لها ولا قوة، تتحمل أعباء وتكاليف ومخاطر الأحداث التي تتسبب بها الدول التي تتولى القيادة، من دون أن يكون لدول الجنوب دور أو رأي في السرعة أو الوجهة التي تأخذها أو التي تقودها إليها تلك الدول.

وقال إنه لن يدخل في لعبة إلقاء اللوم على العولمة وآثارها السلبية على ازدياد الفقر والبطالة في بعض البلدان، والتشدد والتطرف في البعض الآخر، وذلك لاعتقاده الراسخ بأن العولمة هي طريق لا عودة عنها، ذلك أنها طوت نهائيا صفحة من التاريخ الاقتصادي والاجتماعي والتكنولوجي العالمي تماما،كما طوت الثورة الصناعية صفحة من هذا التاريخ في أواخر القرن التاسع عشر.

ويضيف السنيورة أنه لا يجب أن ننسى حتى في حال الإقرار ببعض المشكلات التي أثارتها أو فاقمتها العولمة «أن العولمة أسهمت من جهة أخرى في تعزيز الروابط الثقافية والاجتماعية والفكرية بين الأمم وكسرت الحواجز التي أقامتها الحدود السياسية، وزادت من قيمة وأهمية الفرص المتاحة وإمكانية الاستفادة منها. كما أسهمت في زيادة نسبة الوعي لدى المواطن في بلده وإدراكه لواجباته وحقوقه، وبالتالي زادت من قدرته على المساءلة، وهي مسألة أساس في النظام الديمقراطي». وفي سياق ذلك، قال السنيورة إن الجدل الذي يحب البعض أن يخوضه عن جدوى العولمة هو جدل غير مجدٍ، مشيرا إلى أن السؤال الحقيقي يبقى هو كيف يمكن أن يتم تفعيلها لمصلحة شعوب الجنوب الاقتصادية، وما هي السبل لكي تتأقلم بلداننا مع تحديات عصر العولمة،وكيف لها أن تواكب حركته واتجاهه، فتحولها لفرص نمو وازدهار ورفاه. وتناول السنيورة في مداخلته موضوع العولمة والتنمية من زاويتين مختلفتين، ولكن مترابطتين: الأولى، وهي المسؤولية التي تقع على عاتق بلدان الشمال لناحية كمية ونوعية المساعدات الخارجية التي تقدمها للدول النامية بما يسهم في تقدمها وتنميتها ونموها. والثانية تتعلق بالمسؤولية التي تقع على عاتق بلدان الجنوب لناحية تخصيب بيئتها الاستثمارية وتعزيز قدراتها وطاقاتها وتفعيل اقتصاداتها ومستويات عمل مؤسساتها ومجتمعاتها حتى تكون أكثر تلاؤما وتكيفا مع متغيرات العصر ومتطلباته، وتكون بالتالي قادرة على تحسين فرص الاستفادة من المساعدات التي تحصل عليها من دول الشمال والفرص الكبيرة التي تتيحها لها تلك المساعدات.

وعن العلاقة مع بلدان الشمال، قال السنيورة إن على هذه الأخيرة أن تعي، أن الفقر والجوع والجهل والبطالة والحرمان التي تعاني منها بلدان الجنوب، لا تبقى في مكانها ولا تستوطن وتبقى محصورة في بيئاتها الضيقة ولكنها تصدّر إلى الخارج لتشكل مصدر قلق أو خطر على حالة الأمن والاستقرار في العالم، وبالتالي فإن المقاربة المتفحصة للمساعدات الخارجية التي تقدمها دول الشمال يجب أن تنطلق أساسا من حق الشعوب في الحياة وفي الكرامة الإنسانية وفي الحرية وكذلك في الاستثمار في التنمية العالمية، وبالتالي في الاستقرار والأمن العالمي وأنها في محصلة الأمر إسهام غير مباشر في حماية وتعزيز الاستقرار في دول الشمال.

وشدد السنيورة على القول «إن ما تحتاجه دولنا أشد الحاجة هو المؤسسات القوية، والدولة القادرة والمنفتحة والمحفزة، والنظام السياسي المستقر، فبدونها جميعا لا تنمية ولا إنماء ولا رفاه ولا ازدهار لا بل حتى ولا فعالية ذات كفاءة للمساعدات ولا قضاء على الفقر والجهل والجوع والمرض والحرمان وعلى أسباب التحول نحو العنف والتمرد واللجوء إلى الإرهاب».