اندثار بساتين النخيل في العراق يهدد الصحة والبيئة.. والوضع الأمني

تراجع إنتاج التمور إلى النصف.. وأصحاب البساتين يلقون باللائمة على الحروب والعقوبات وشح المياه

فلاح يعاين أشجار النخيل في بستان بالنجف (نيويورك تايمز)
TT

يحل موسم حصاد التمر في العراق في نهاية يوليو (تموز) وبداية أغسطس (آب)، وخلال أسابيع قليلة تحول شمس الصحراء الأجزاء الخضراء إلى ثمار رطبة ذات لون بني ذهبي لها قيمة لحلاوتها. ولكن توجد في العراق، وهو أحد الأماكن التي نشأت فيها الزراعة قبل أكثر من 7000 عام، شكوك متزايدة بشأن الجدوى من زراعة التمر. وفي الثمانينات من القرن الماضي، كان العراق يتمتع باكتفاء ذاتي في زراعة القمح والأرز والفاكهة والخضراوات وتربية الماشية والدواجن. وكان القطاع الصناعي يقوم بتصدير المنسوجات والبضائع الجلدية، مثل حقائب السيدات والأحذية بالإضافة إلى الحديد والأسمنت. ولكن أتت الحروب والعقوبات والإدارة السيئة والمنافسة الدولية وغياب الاستثمارات على مختلف الصناعات. وبصورة تدريجية، أصبح الاقتصاد العراقي يعتمد بصورة كلية تقريبا على الواردات وعلى سلعة واحدة فقط. ويقول عالم الاقتصاد العراقي غازي الكنان «يأتي 95 في المائة من إيرادات الحكومة من البترول، وفي الوقت الذي تسعى فيه الحكومة إلى جذب الاستثمارات للقطاع الخاص يجد العراق نفسه في ظروف صعبة جدا فلا توجد معدات أو كهرباء كافية وهناك جفاف». وقد تعرض القطاع الزراعي إلى الدمار خلال الأعوام القليلة الماضية، وهو الوضع الذي ربما يتجلى بصورة كبيرة في بساتين التمر التي كانت يانعة في السابق. وتواجه أشجار التمر الفناء بسبب قلة المياه، ودمرت الفطريات والحشرات آلاف الأطنان من الفاكهة لأن العراق لا يمتلك سوى ثلاث طائرات لرش المحاصيل وثلاثة طيارين مؤهلين. ويجب الحصول على موافقة الجيش الأميركي للطيران. ويعاني حتى أغنى المزارعين وأكثر نفوذا في هذا المناخ. ويقول فرعون أحمد حسين، وهو سليل عائلة اشتهرت بزراعة النخيل ويبلغ من العمر 62 عاما ويرأس الهيئة الحكومية التي تشرف على إنتاج التمر في العراق، إن عائلته لديها 62 فدانا في جنوب بغداد وأن الإنتاج تراجع إلى أقل معدلاته.

ويضيف «يمكن أن أضع المزيد من الأموال فيها ولكن الظروف غير مشجعة على ذلك، ففي الظروف الطبيعية كان سيصبح صاحب أرض كهذه رجلا ثريا». ويعد العراق، الذي كان ينتج في الماضي ثلاثة أرباع التمر في العالم وكان ينتج 629 صنفا مختلفا، بلدا متعثرا في هذا المجال ويأتي بعد مصر وإيران والسعودية. وتقول وزارة الزراعة العراقية إنه في العام الماضي كان معدل الإنتاج يبلغ 281,000 طن وهو ما يبلغ نصف مستوى الإنتاج خلال منتصف الثمانينات من القرن الماضي. وقد تراجع عدد أشجار النخيل في العراق إلى أقل من 9 ملايين شجرة مقارنة بـ33 مليونا في الخمسينات، حسب ما أفادت به الحكومة. وبالصورة نفسها انخفض عدد المصانع التي تعالج التمر إلى ستة مصانع مقارنة بـ150 مصنعا قبل الغزو الأميركي للعراق في عام 2003. ويجرى حاليا تعبئة التمر العراقي في دولة الإمارات، التي تقع على بعد 865 ميلا. ويقول مسؤولون عراقيون وأميركيون إن تراجع الأموال التي تستخدم في إنتاج التمر وتراجع النشاط الزراعي الموسمي الآخر ساعد أعمال التمرد بسبب توافر الشباب العاطلين اليائسين. ويقول مسؤولون حكوميون عراقيون إن التراجع أدى إلى تردي الصحة العامة والبيئة. وفي الوقت الذي ترك فيه الفلاحون المزارع التي كانوا يعملون فيها، نجد أن البساتين التي كانت تشكل في السابق حلقة خضراء مزدهرة حول بغداد قد تقلصت، مما أدى إلى عواصف رملية متكررة في العاصمة خلال الصيف الحالي ومعدلات أعلى من مرضى الربو وغيرها من أمراض الجهاز التنفسي. ولكن، لا يزال التمر سلعة أساسية في العراق وذلك لقدرته على المحافظة على نضارته دون الحاجة إلى عملية تبريد، ويستخدم كمصدر للغذاء وفي استخدامات أخرى تتنوع بين صناعة الكحول والحلويات وتوفير الطعام للحيوانات في المزارع، كما يعد التمر بديلا للسكر غير مرتفع الثمن. ويعد الدكتور حسين، القائم على شؤون بستان نخيل عائلته، التي كانت مزدهرة في الماضي والمهملة حاليا حيث إنه كبير عائلة تضم 12 من الإخوة و6 من الأخوات، وتقع البساتين، التي تمتلكها العائلة منذ 1910 على ضفاف نهر دجلة في منطقة الدورة. وفي صبيحة أحد أيام الصيف الحارة، قام الدكتور حسين بجولة في المنطقة. ويقول حسين إنه لم يعد يستثمر أموالا كثيرة في المزرعة لأن كمية المال التي يحصل عليها مقابل محصوله من وزارة التجارة، وهي الجهة التي تشتري معظم منتجات المزارع في العراق، تكون في بعض الأحيان أقل من تكلفة الإنتاج. وتقدم حتى أكثر الأشجار إنتاجا ثمارا أقل سنويا. وفي الأوقات العادية، كانت كل شجرة تطرح ما يتراوح بين 130 و175 رطلا من الثمار بصورة سنوية. وفي العام الماضي كانت الشجرة تنتج نحو 30 رطلا. ويأمل الدكتور حسين أن تنتج كل شجرة 90 رطلا خلال الموسم الحالي. ومن الواضح أن الكثير من أشجار النخيل داخل الحديقة، التي يبلغ عدد 4000 شجرة، ليس على ما يرام، ويوجد في عدد من هذه الأشجار أوراق سعف بنية اللون أو فطريات بيضاء تشبه خيوط العنكبوت. ويذكر أن أشجار النخيل يمكن أن تبقى لمدة 120 عاما. ويروى نصف الحديقة بصورة جيدة، ولكن يروى النصف الآخر من نهر دجلة. ولكن بسبب الجفاف، الذي يمتد للعام الثاني، صدرت تعليمات إلى المزارعين كي يقوموا بالحد من الري إلى مرتين شهريا بدلا من مرة أو مرتين أسبوعيا. ويبدو أن أشجار الفاكهة، مثل البرتقال والعنب والرمان، التي تزرع تحت النخيل، تموت تقريبا بسبب قلة المياه. وبالصورة نفسها بعض أشجار النخيل على الرغم من أنها لا تحتاج سوى مقدار قليل جدا من المياه. وقد أصبحت ملوحة المياه مشكلة تبعث على القلق.

وقال الدكتور حسين، مشيرا إلى بعض من أفضل أشجار النخيل «يبلغ عمر هذه الأشجار 40 عاما، ولدي بعض المشاعر، مشاعر الحب تجاهها لأنني من زرعتها وشاهدتها وهي تكبر». وتظهر داخل الحديقة أمارات الحرب داخل العراق، حيث يصطحب الدكتور حسين خمسة حراس شخصيين واحد على الأقل منهم مسلح. وتتمركز على طرف حديقة الدكتور حسين وحدة عسكرية تابعة للبيشمركة الكردية يبلغ عدد أعضائها 50 عنصرا. ويقوم هؤلاء بتوفير الحماية لمنزل الرئيس العراقي جلال طالباني، وهو كردي ويعيش على الجانب الآخر من النهر. ويقول الدكتور حسين إنه على الرغم من عدم الاستقرار الذي تسببت فيه الحرب، فإنه يمكن لتجارة التمر أن تنشط إذا ما رفعت وزارة التجارة المدفوعات التي تقدم للمزارعين. ويضيف أنه إذا تمكنت حدائق التمر في العراق من العودة إلى سابق مجدها، فإن باقي القطاع الزراعي في العراق سوف يستعيد عافيته من جديد. ولكن، تقول وزارة التجارة إنه على ضوء تراجع أسعار البترول دوليا فإنها لا يمكنها زيادة المدفوعات التي تقدم إلى المزارعين.

ولا يريد أي من أطفال الدكتور حسين أن تكون له علاقة مع حديقة التمر التي تمتلكها العائلة، فابنه صيدلاني وابنته الكبرى مهندسة. وتدرس الابنة الصغرى العلوم ولكنها غير مهتمة بالزراعة. ويقول الدكتور حسين إن مزرعة التمر سوف تموت بالتأكيد معه. وأضاف: «سوف يتم بيعها، وسيكون من المؤلم بالنسبة لي أن أقوم بذلك، ولكني قمت بواجبي إزاء عائلتي وتقاليدي. ولا يمكن القيام بشيء سوى ذلك».

* خدمة «نيويورك تايمز»