كلينتون تجسد طريقتها الخاصة بالدبلوماسية.. في أفريقيا

تدون الملاحظات «مثل التلاميذ» وتتناقش مع المواطنين.. بخلاف كل من سبقوها في المنصب

TT

فكر فيها باعتبارها مقابلة معرفية قامت بها وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري رودهام كلينتون، في أفريقيا. أحد عشر يوما شملت محادثات ودّية مهذبة مع سبع دول، لكن من دون اهتمام أميركي. لم تكن هناك برامج نووية يجب وقفها، ولا اتفاق سلام يجب البدء فيه، ولا نساء أميركيات يجب إطلاق سراحهن (بدت ظلال الرئيس الأسبق بيل كلينتون تلوح في الأفق منذ اللحظة التي أقلعت فيها طائرة هيلاري كلينتون في جولتها الأفريقية).

كانت رحلة وزيرة الخارجية الأميركية داخل القارة الأفريقية، التي أنهتها الأسبوع الماضي مرتبطة بها وبطريقة عملها كوزيرة للخارجية أكثر من ارتباطها بأي شيء آخر. وقد ملئت أيامها بعشرات الفعاليات وعدد قليل من الاجتماعات عالية المستوى ونقاشات مائدة مستديرة ومقابلات مع المواطنين. وقد ظهرت كلينتون مشاركة في ذلك كله، وكانت تدون ملاحظات في دفترها، مثلها مثل أي تلميذ مطيع، خلال الاجتماعات في الوقت الذي حافظت فيه على وجه صريح جاد حتى عندما قال زعيم ديني نيجيري لها إن لديه أفكارا كثيرة لا يستطيع التعبير عنها. همس أحد مساعدي هيلاري كلينتون خلال اجتماع آخر داخل مبنى مجلس المدينة بإحدى المدن: «لم يكن من الممكن أن تقوم كونداليزا رايس بمثل هذا». وربما ما كان يستطيع ذلك كولن باول أو مادلين أولبرايت أو هنري كيسينغر، أو حتى أي شخص يشغل منصب وزير الخارجية، وهي وظيفة كان يعتقد في السابق أنها توكل إلى أشخاص لا يحبون الابتسام كثيراً، لكن للسيدة كلينتون طابعا مختلفا، فهي سياسية تستعيد نشاطها ولديها ميول السيدة الأولى. وهي أيضا شخصية بارزة لا تستطيع أن تقاوم الخط الذي يفصل بينها وبين الجمهور حتى داخل مشروع إسكاني في جنوب أفريقيا لتنضم إلى رجال لهم نظرات جامدة في الوقت الذي كان يصرخ فيه عملاء الخدمة السرية في أجهزتهم اللاسلكية. طريقتها هي أن تقحم نفسها بدرجة كبيرة في السياسة، وأن تلقي بثقلها في السياسات وأن تحافظ في الوقت نفسه على الاندماج مع المواطنين العاديين. وقالت هيلاري في كلمتها الختامية في الرأس الأخضر: «لا يؤدي العمل الدبلوماسي الدبلوماسيون وحدهم».

ومن المثير للسخرية، أن تزل قدم هيلاري من موقف بسيط، حيث قالت بعد أن سألها أحد الطلاب المجتمعين في جمهورية الكونغو الديمقراطية داخل مبنى مجلس المدينة عن رأي زوجها في قضية ما: «إن زوجي ليس وزيراً للخارجية، بل أنا». وقد جذب هذا التعليق المقتضب الذي لا صلة له بالسياق، الانتباه أكثر من أي شيء آخر قالته أو قامت به في أفريقيا. ربما تكون الشمس حارقة في الكونغو، وربما تكون هناك مشاكل كثيرة في كينيا وربما تكون ليبيريا في طريقها للخروج حلقة مفزعة لتصبح نموذجا للديمقراطية، لكن في النهاية، لا تعد أفريقيا شيئا مهما بالدرجة الكبيرة بالنسبة لمعظم الأميركيين، لكن لهيلاري كلينتون أهمية كبيرة عندهم.

ويشبه السفر مع وزيرة الخارجية تغطية حملة رئاسية، لكنه يفوقها في التعب بمقدار كبير للغاية، إذ يخصص مكان للطاقم الصحافي المرافق في مؤخرة الطائرة، ويكونون وحدهم في المقاعد الاقتصادية (ويكون الباقون في مقاعد رجال الأعمال وتكون السيدة كلينتون في غرفة نومها الخاصة على الطائرة). إنه أمر له دلالته أن تكون بعض المؤسسات الإعلامية لا تزال تتحمل تكلفة الرحلة، من بينهم «وول ستريت جورنال» و«بلومبرغ» و«فوكس نيوز» و«فوغ» (حصلت على صورة على الغلاف، لكن من غير المحتمل أن تبقى حتى نهاية الخريف). وفي الأغلب، يتم دفع الصحافيين مثل قطعان الماعز، حيث يصرخ القائمون: «تحركوا! تحركوا! تحركوا!». ويعد أفراد الخدمة السرية أقل من يبعث القلق لدى الصحافيين، حيث تكمن المشكلة في المساعدين الذين يبلغ عددهم 20 مساعدا والمسؤولين عن ترويض نحو 30 أو 40 صحافيا. وفي أحيان كثيرة يدفعون الصحافيين إلى عربة الصحافة، التي هي على غرار المترو الياباني. ويقولون إن هذه وظيفتهم. وقد كان المساعدون خبراء في التقاط الصور. وفي شرق الكونغو كان الصحافيون في حاجة إلى استخدام طائرتين للهبوط في مطار صغير فيما حلقت طائرة السيدة كلينتون في الهواء لمدة 15 دقيقة حتى يتمكن الصحافيون من الهبوط أولا وتجهيز كاميراتهم ليتقطوا صورها وهي تصل إلى المطار، فهي أول شخص في منصب وزير الخارجية يصل إلى منطقة النزاع في الكونغو على الرغم من أن هذه المنطقة تشهد عمليات قتل منذ منتصف التسعينات. ومع ذلك، ضيعت هيلاري فرصة كبرى في ليبيريا، حيث إن موكبها مر بجوار ملعب كرة قدم موحل كان جميع اللاعبين فيه معهم عكازات ولديهم قدم واحدة. وكانت هذه مباراة لرجال فقدوا أطرافهم خلال الحرب ورفضوا أن يقلعوا عن ممارسة كرة القدم. لو كان بيل كلينتون فإنه بكل تأكيد كان سينزل من السيارة ويدخل الملعب ليتحدث مع اللاعبين. ولو كانت هيلاري لقامت بذلك وربما كانت هذه هي الصورة الأكثر بقاء لها بعد رحلتها الأفريقية بدلا من إجابتها الغاضبة في الكونغو. ولكن مضى الموكب في طريقة عبر الأمطار التي تهطل على ليبيريا. وكان غريبا أن يكون المرء في أفريقيا داخل فقاعة. أعيش في كينيا وأعرف كيف يمكن أن أحتاج لساعتين للوصول إلى المطار من السفارة الأميركية في نيروبي، لكن عندما أغلقت الحكومة الكينية الطريق السريع أمام موكب السيدة هيلاري لم يستغرق الأمر سوى 16 دقيقة. وعندما كنا نتسابق خلال هذا اليوم إلى المطار داخل سياراتنا المكيفة، مررنا بجوار آلاف الكينيين المصطّفين على الطريق. لم يكن هؤلاء المواطنون ينتظرون ليلقوا نظرة وداع، لكنهم كانوا يعانون جراء الازدحام المروري. نظرنا إليهم ونظرنا إلى أنفسنا. يفصلنا الزجاج وتمنعنا السرعة من أن نبادلهم الكلمات. ومن ناحية، بدا وكأننا في أفريقيا، لكن دون أفريقيين. كانت هناك في معظم الفنادق الشهيرة التي أقمنا فيها نوافذ لا تفتح، مما منعنا من المتعة الأفريقية الرائعة التي ربما كانت قد أعادتنا إلى الواقع لنشم رائحة دخان الأخشاب.

* خدمة «نيويورك تايمز»