أبناء طائفة الشبك في شمال العراق: حائرون بين 3 حكومات.. ويدفعون الثمن

بعد محو إحدى قراهم في تفجيرين الأسبوع الماضي

حراس من الشبك يتناولون طعام الغداء، خلال استراحتهم عند مدخل قرية خزنة بالقرب من مدينة الموصل («نيويورك تايمز»)
TT

استيقظ كمال أحمد قبل أذان الفجر مباشرة، وذهب إلى مسجد القرية لكي يرفع الأذان. وبعد أن أذن في الناس بالصلاة، عاد للنوم على سريره المعدني. وبعد عدة دقائق، هدم انفجار هائل المنزل المكون من دورين دون أن يسقط الجزء الذي ينام فيه المؤذن ـ فيما يشبه المعجزة ـ ولكن ثلاثة من أفراد أسرته الذين كانوا ينامون بداخل المنزل لقوا حتفهم.

وقد أدى انفجاران وقعا الاثنين الماضي إلى محو جزء كبير من القرية، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 10 آلاف نسمة في شمال مدينة الموصل، وإلى مقتل 34 شخصا وجرح حوالي 200. ومعظم هذه القرية من الشبك، وهي أقلية شيعية تتحدث الكردية.

وتحذر تلك الهجمات وغيرها ـ مثل العملية الانتحارية التي وقعت يوم الخميس وأسفرت عن مقتل 21 يزيديا في مدينة سنجار غرب الموصل، وانفجار الشاحنة الذي وقع في شيراخان التي تقع في شمال الموصل في 7 أغسطس (آب) الذي أسفر عن مقتل 37 شيعيا من التركمان ـ من احتمالات نشوب معركة كبرى في شمال العراق نظرا لقضية الأقليات؛ وذلك حيث إن الصراع على الأرض، والموارد، والسلطة يهدد الآمال بالوحدة بين الفصائل الدينية والإثنية اليائسة. ويقول جندي عراقي من قرية خزنة الذي تحدث شريطة عدم الإفصاح عن هويته، خوفا من العقاب: «لدينا ثلاث حكومات هنا: الحكومة المركزية، والحكومة الكردية، وحكومة دولة العراق الإسلامية، ونحن عالقون بينهم». ويذكر أن الحكومة المركزية تحاول أن تقلص الحكومة الكردية الإقليمية التوسعية، بينما لدى قيادات العرب السنة حسابات قديمة وجديدة يرغبون في تسويتها مع قيادات الأكراد، وفي الوقت نفسه يسعى بعض المتمردين من أتباع الرئيس السابق صدام حسين وتنظيم «القاعدة» لإثارة الاضطرابات.

ويبدو أن جميع الأطراف تسعى للتهدئة، متجنبين التوصل لتسوية ومحاولين اكتساب الوقت حتى تنسحب القوات الأميركية، ولكن سكان خزنة والأقليات التي تعيش في تلك المنطقة المضطربة هم من يدفعون الثمن.

وقد أخبر الميغور جنرال روبرت كاسلين قائد القوات الأميركية في شمال العراق الصحافيين يوم الثلاثاء، بأن جماعة «القاعدة» قد اتحدت مع جماعة مسلحة أخرى هي «دولة العراق الإسلامية». وأضاف أن الجماعتين اللتين تتمركز إدارتاهما في شمال العراق ـ والموصل بصفة خاصة ـ كانتا وراء الهجمات الأخيرة في خزنة وشيراخان. وأضاف أنه بالرغم من أن القوات الأميركية تلاحق تلك الجماعتين بشكل مكثف، فإنهما ما زالتا «قوة مرنة لديها القدرة على تجديد قوتها القتالية وفقا لاحتياجاتها».

وبينما كان سكان قرية خزنة يدفنون جثث موتاهم، ويقيمون مراسم العزاء، فإنهم كانوا يتبادلون الأفكار حول أفضل طريقة لتأمين قريتهم؛ فقال البعض إن ذلك الدور يجب أن تقوم به الحكومة المركزية والإقليمية، بينما أراد البعض الآخر الحصول على حماية حكومة إقليم كردستان. وقال البعض الآخر إن عليهم تأسيس ميليشيا خاصة بالقرية تشبه «مجالس الصحوة» التي تدعمها الولايات المتحدة.

وفي المدخل الشمالي لخزنة، وقف ذو الفقار محمد جعفر، 20 عاما، للحراسة وهو يحمل بندقية كلاشينكوف وذخيرتها. ويقول ذو الفقار إنه فقد في الهجوم عشرة أفراد من أقاربه، وإنه انضم إلى عدد من الرجال بينهم شباب في الخامسة عشرة من عمرهم لكي يحرسوا القرية إلى جانب رجال الشرطة. وفي أحد المنازل، لم يكن هناك سوى جدار واحد لم يتهدم، معلق عليه تعويذة يعتقد الشبك أنها تحمي المواليد من الأرواح الشريرة. وقد تحولت ستة منازل متجاورة لركام لم يبق منه سوى راية الشيعة الخضراء، وبقايا خزانة للملابس، وبطاطين ممزقة. ويقول سكان القرية إن حوالي 56 منزلا قد تهدم أو أصابه الخراب في انفجارين لشاحنتين. وقد تمتم أحد الفلاحين قائلا: «إنه قتل جماعي».

ويزعم العديد من السكان الغاضبين بامتلاكهم الدليل على أن قيادات الأكراد هم الذين أمروا بقمع الشبك في سهل نينوى ـ وهي المنطقة الواقعة بين الموصل وكردستان العراق ـ لكي يتم ضمها إلى المنطقة الكردية. وبالرغم من أن تلك المنطقة تقع تحت سيطرة القوات الكردية، فإن مصير هذه الأراضي الغنية بالموارد ـ والتي تدعي كل من السلطات الإقليمية الكردية والحكومة المركزية بأحقيتها المطلقة بها ـ يظل مجهولا. ويذكر الشيخ ذنون ولي أنه قبل عامين رفض مسؤول كردي طلبا رسميا كان رئيس الوزراء نوري المالكي قد وقعه الذي كان يقضي بتأسيس قوة قبلية تتكون من 500 فرد لحماية قرى الشبك في منطقة السهل. ويقول الشيخ ولي: «لقد وضع الملف في درجه، وأخبرني (فليأتِ رئيس الوزراء ويأخذ ذلك الملف وينفذ تلك الأوامر بنفسه). نحن يائسون». ومن جهة أخرى، كان عبد الواحد عبد الله أحد كوادر الحزب الديمقراطي الكردستاني وهو الحزب الذي يهيمن على المنطقة يوزع أكياس الطحين، والأرز، والسكر على مواطني خزنة يوم الثلاثاء. ويقول عبد الواحد إن تأسيس تلك الميليشيا القبلية سوف يؤدي إلى اندلاع حرب أهلية مؤكدا أنه سيمنع تكوينها بالقوة. وأضاف عبد الواحد أنه طلب بالفعل من قيادات الحزب أن يرسلوا قوات كردية إضافية إلى المنطقة للمساعدة في حماية مناطق مثل خزنة، مضيفا أن الشبك من الأكراد وليسوا جماعة عرقية مختلفة كما يدعون. وقد اتهم عبد الواحد تحالف الحدباء الذي يقوده العرب السنة والذي وصل إلى السلطة في الموصل بعد انتخابات يناير (كانون الثاني) الإقليمية بالتخطيط لهجمات خزنة. مضيفا: «إنهم يرغبون في ضرب عصفورين بحجر واحد: قتل الشيعة والإلقاء باللوم على عاتق الأكراد».

ويقاطع الأكراد الحكومة التي يقودها تحالف الحدباء، لأنها استثنت الحزب الديمقراطي الكردستاني من كل المواقع الريادية في الإدارة المحلية الجديدة، بالرغم من فوز الحزب بثلثي مقاعد المجلس المحلي.

وقد تحول الأمر إلى مسألة شخصية؛ ففي عدة مناسبات، منع مسلحون أكراد المحافظ العربي أثيل النجيفي من دخول مناطق في المحافظة تقع في نطاق سلطاته. وقال النجيفي الأسبوع الماضي إنه لا يستطيع حماية مناطق مثل خزنة ما لم يتم إجلاء القوات الكردية من نينوى وإحلال القوات الحكومية مكانها. وفي حوار معه في الموصل يوم الأربعاء، نعت مسؤول كردي النجيفي بـ«الهستيري»، ولكنه أكد أن هناك دبلوماسيين أميركيين يحاولون التوصل إلى حل لأزمة الحكومة المحلية في الموصل. وكان الضغط الأميركي وراء الاجتماع الذي عقد خلال الشهر الحالي بين المالكي ومسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان لحل المشكلة الأكبر والأكثر خطرا. وربما تكون جميع الأطراف مستعدة للالتقاء والتحاور، ولكن لا يبدو أنه هناك أي طرف مهتم بالتوصل إلى تسوية على الأقل في الوقت الراهن.

ويقول دلدار زيباري نائب رئيس المجلس المحلي بنينوى، إن الدمار الذي ينزل بالأقليات مثل الشبك يستخدم كعامل ضغط، مضيفا: «الجميع يستخدم دماء المواطنين كعامل للضغط السياسي».

*خدمة «نيويورك تايمز»