حماس تشدد الإجراءات الأمنية في غزة وتجري تحقيقا مع 40 معتقلا وتلاحق فارين

مجموعة «جند أنصار الله» في بيان: المعركة بدأت من أجل إقامة الشريعة ولن تنتهي * حركة الجهاد تنتقد الحكومة المقالة وتصف تصرفها العنيف «بمصيبة حقيقية»

فلسطيني على دراجة نارية يمر أمام المسجد الذي تعرض للضرب بعد مواجهات بين حماس و«جند أنصار الله» في رفح أمس (رويترز)
TT

شددت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إجراءاتها الأمنية في أنحاء قطاع غزة، بعد أن سحقت (جند أنصار الله) التي شكلت تحديا لسيطرتها على القطاع الساحلي.

وقتل 28 شخصا على الأقل منذ اندلاع العنف الجمعة الماضي بين حماس وجماعة «جند أنصار الله» غير المعروفة التي أعلن زعميها عن إقامة إمارة على نهج «القاعدة» في قطاع غزة. وساد الهدوء قطاع غزة بشكل كبير أمس، لكن التوترات لا تزال شديدة، حيث انتشرت قوات أمن تابعة لحركة حماس في الشوارع.

وقال إيهاب الغصن المتحدث باسم وزارة الداخلية التابعة لحكومة حماس المقالة في غزة لـ«رويترز»: «الوضع في قطاع غزة تحت السيطرة. التحقيق جار الآن مع المعتقلين.. حوالي 40 معتقلا في السجون». وأضاف «سنواصل في المرحلة المقبلة ملاحقة هؤلاء الأشخاص الذين ما زالوا خارج السجن للتحدث معهم ولإبلاغهم ما هو الإسلام بالضبط وترك هذه المعتقدات المتطرفة».

ومن جهتها أصدرت مجموعة « جند أنصار الله» أمس بيانا قالت فيه إن «المعركة بدأت من أجل إقامة الشريعة، ولن تنتهي حتى إقامتها كاملة كما أنزلها الله، أو أن نهلك دونها ونلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسربلين بالدماء من أجلها». وتابع البيان أن «هذه دعوة لكل الذين ينادون بحقن دماء قادة حماس أن يقفوا موقف الحياد إن لم يريدوا أن يكونوا في خندق أهل التوحيد الخالص».

وفي نفس الوقت، انتقدت (حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين) أمس تعامل الحكومة الفلسطينية المقالة التي تديرها حركة حماس مع عناصر الجماعة السلفية المتشددة في مدينة رفح.

وأعرب القيادي في الحركة خالد البطش في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية «د.ب.أ» عن الأسف لاستخدام حركة حماس وحكومتها خيار القوة والتشدد ضد الجماعات الدينية السلفية، واصفا ما جرى في رفح من اشتباكات خلفت عشرات القتلى والجرحى بأنه «مصيبة حقيقية». وقال «إن اشتباكات رفح تسيء إلى المشروع الإسلامي برمته، ولا تخدم مشروع الجهاد في أرض فلسطين».

ومن جهته، قال إياد البرغوثي مدير مركز رام الله لدراسات حقوق الإنسان في الضفة الغربية، إن «المجموعات الإسلامية المتطرفة في قطاع غزة هي مجموعات غير متجانسة. منهم من قام بعمليات على الخيل ضد إسرائيل، ومنهم من ذهب ضد حركة حماس لأنها لا تطبق الشريعة ومنهم مجموعات تعتدي على الناس على البحر، أو في حفلات الأعراس».

وأكد البرغوثي «أن قطاع غزة عبارة عن دفيئة لنشوء المجموعات المتطرفة، وحماس فيه محاصرة باتجاهين، الحصار الاقتصادي والفقر الذي يخلق حالة توتر ويولد العنف، وحصار فرضته حركة حماس على نفسها لأنها تحمل الآيديولوجية الإسلامية، ومشكلتها أن جمهورها متشدد دينيا وبات بعضه يرى قيادته السياسية أقل تشددا منه، لذا باتوا يطالبونهم بتنفيذ الشريعة وتطبيقها».

وتساءل البرغوثي «لماذا سكتت حركة حماس عن ممارسة هذه المجموعات فترة طويلة حتى بدأت الشكوك تراود الناس بأنهم وراء أعمالها؟» وهناك عدد من المجموعات السلفية الجهادية التي أعلنت عن نفسها مثل «جيش الإسلام» بقيادة ممتاز دغمش الذي كان مقربا من حركة حماس ونفذ اختطاف الجندي الإسرائيلي «جلعاد شاليط» في 2006، ثم تحول فيما بعد إلى واحد من أعداء حماس التي قضت على عدد كبير من مجموعته في اشتباكات مسلحة قبل أشهر.

وهناك مجموعة «جيش الأمة» بزعامة إسماعيل حميد، «أبو حفص» المعتقل لدى حكومة حماس مع عدد من أفراد مجموعته التي كانت تطلق صواريخ على إسرائيل تسمى «القعقاع».

وهناك مجموعة «سيوف الحق» التي أعلنت في بيانات أنها فجرت مقاهي الإنترنت وحذرت نساء حي الرمال في مدينة غزة من التبرج، وألقت مواد حارقة على وجه فتاة كانت تسير بجانب نصب الجندي المجهول وسط مدينة غزة، واعتدت على محل اكسسوارات، وتعتبر أن «رسالتها داخلية من أجل تطهير الأرض من الفساد والرذيلة».

وتضاف إليها مجموعة «جلجلت» التي أعلنت تفجير مقاهي إنترنت، كما قال أحد قادتها إنها حاولت تفخيخ طريق صلاح الدين أمام الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر في يونيو (حزيران) 2009، وإن كانت حماس نفت ذلك.

ونقلت صحيفة «الأيام» الفلسطينية الصادرة قبل عدة أسابيع في رام الله عن محمود محمد طالب «أبو المعتصم» أحد قادة حركة «جلجلت»، «أن أفكار وقيادة جلجلت قريبة بشكل كبير من أفكار القاعدة في الخارج، ولكننا حتى الآن لسنا جزءا منها». وتابع محمود طالب «نحن بانتظار عملية كبيرة لمبايعة الشيخ أسامة بن لادن والمشايخ في الخارج ليتعرف بنا كفرع رسمي لهم».

وأضاف محمود طالب «إن انتشار الفكر السلفي الجهادي دفع حركة حماس إلى محاولة جمع الشباب السلفي وتوجيه تفكيره نحو محاربة الاحتلال وقتما تريد وكيفما تريد وبشكل غير علني، إلا أن أبو عبد الله السوري نائب رئيس جند أنصار الله (الذي قتل في اشتباك مع حماس الجمعة) عرف بذلك ولم يقبل وخرج بخطاب صوتي وأوضح منهجه للعلن». وأكد محمود طالب أن مجموعته «تضم أعضاء من صفوة القسام، ويعملون على توحيد المجموعات الجهادية السلفية معا».

وينتشر في قطاع غزة عدد من الجمعيات التي تحمل الدعوة الدينية والنهج السلفي منها «جمعية دار الكتاب والسنة» التي انطلقت في الثمانينات، إذ حولت سينما الحرية في خان يونس إلى مكتبة علمية، وتقوم «بالدعوة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر».

وأكد شراب أن هذه «الجماعات السلفية تحصل على تمويلها من دول عربية اعتقادا منها بأنها تدعم جمعيات سلفية معتدلة، لكنها لا تعرف متى يتحول أفرادها من دعاة إلى جهاديين، أو إلى متشددين يمارسون العنف».

وكشفت أحداث العنف عن التوترات المريرة التي يشهدها قطاع غزة المحاصر، حيث تفرض حماس رؤيتها الإسلامية بينما تسعى أيضا للتواصل مع الغرب لإنهاء عزلتها الدولية.

وقال محللون فلسطينيون إن حماس أرادت من خلال الاقتتال مع جماعة (جند أنصار الله) أن تظهر لأهالي غزة أنها المسؤول الوحيد وأن توضح للغرب أن بإمكانها قمع المزيد من الجماعات المتشددة.

وقال مواطن من غزة يدعى خالد الأخرس لـ«رويترز» إنه لا يعتقد أن جند أنصار الله يسيرون وفقا للإسلام. وشيعت عائلات فلسطينية الليلة الماضية جنازات 12 مسلحا على الأقل من جماعة جند أنصار الله الذين قتلوا خلال اشتباكات مع حماس. ولتأكيد سيطرتها على بلدة رفح الجنوبية بالقرب من الحدود المصرية، أبقت قوات الأمن التابعة لحماس المواطنين بعيدين عن عملية الدفن.

وغطت آثار الأعيرة النارية والشظايا جدران المسجد الذي تواجد به أفراد جماعة جند أنصار الله. وأسفرت الاشتباكات عن تدمير مجموعة من المنازل في رفح. وقالت حماس إن زعيم جماعة جند أنصار الله عبد اللطيف موسى مع حليف سوري قد قتلا. وذكرت حماس أيضا أن 6 من مقاتليها و6 مدنيين كانوا ضمن القتلى.

ومن بين القتلى أعضاء سابقون بحركة حماس رغبوا في حكم إسلامي أكثر تشددا لقطاع غزة. وقال المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، إن عدد القتلى يبلغ 28 قتيلا وأن هناك نحو 100 جريح. وقال مسؤولون بحماس إن أحد أبناء موسى قتل أيضا، إضافة إلى أحد مساعديه المعروف بأبي عبد الله المهاجر وهو سوري قالوا إنه من أصل فلسطيني. ويتناقض مقتل مسلح سوري في الاشتباكات مع نفي قادة حماس وجود أي مسلحين أجانب ينتمون للقاعدة في غزة.

ومن جهته، قال ناجي شراب أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر في القطاع لوكالة الصحافة الفرنسية «أنا لم أفاجأ باندلاع الاشتباكات بين حماس والجماعة السلفية المتطرفة، وهي ليست وليدة اللحظة بعد أن تحول القطاع إلى تربة خصبة ودفيئة لتنامي اتجاهات متطرفة لها ارتباطات خارجية بصورة أو بأخرى». وأوضح ناجي شراب أن «تنامي التطرف نتيجة كذلك لانتشار الفقر والبطالة والحصار». ويشرح أن تصادمها مع حماس هو نتيجة «لرفضها للواقع السياسي القائم، وهي نظرا لتشددها تعتقد أنه إذا كانت حركة حماس إسلامية فعليها تطبيق الشريعة الإسلامية، ولكنها لم تكتف بالدعوة، بل بادرت إلى تفجير بعض المقاهي ومؤسسات مسيحية وأرادت فرض سلوكيات أكثر تشددا على المجتمع وصولا إلى النموذج الطالباني».