من ذاكرة المام ـ رئيس ـ طالباني: أسسنا الاتحاد الوطني في مقهى وسط دمشق.. وتلقينا دعما من سورية وليبيا والاتحاد السوفياتي

الرئيس العراقي يتحدث لـ«الشرق الأوسط» عن ذكرياته.. ويكشف: علاقتي بصدام كانت جيدة ولا أعرف لماذا حقد علي بعدها واستثناني من العفو (الحلقة الأخيرة)

مؤسسو الاتحاد الوطني الكردستاني، من اليسار عادل مراد، فؤاد معصوم، جلال طالباني، عمر شيخ موسى وكمال خوشناو، في نيوزه نك، كردستان عام 1978 («الشرق الأوسط»)
TT

في 25 مايو (أيار) 1975، يلتقي أربعة من قادة الحزب الديمقراطي الكردستاني في مقهى طليطلة وسط دمشق، هم جلال طالباني وفؤاد معصوم وعادل مراد وعبد الرزاق ميرزا ليتداولوا حول وضع الثورة الكردية التي توقفت بسبب الاتفاقية التي وقعت بين شاه إيران محمد رضا بهلوي وصدام حسين، نائب رئيس مجلس قيادة الثورة العراقية في الجزائر عام 1975 والتي أدت إلى أن يوقف شاه إيران دعمه للثورة الكردية في العراق.

بعد مداولات مطولة يقرر الرفاق الأربعة تأسيس تحالف سياسي جديد، وليس حزبا، باسم الاتحاد الوطني الكردستاني، مصممين على العودة إلى مواقع الثورة والكفاح المسلح في الجبال من أجل حقوق الشعب الكردي والقضية الكردية.

وفي الوقت الذي يسخر فيه صدام حسين من هذا التكوين السياسي الجديد الذي سيكون له أثره في تاريخ العراق والشعب الكردي، ويقول جملته الشهيرة «لو تطلع نخلة براس جلال طالباني ما راح يقدر يصعد ستة مقاتلين للجبل»، باعتباره ثاني كيان سياسي كردي عراقي من حيث تاريخ تأسيسه، فإن الرئيس العراقي الأسبق سيعترف فيما بعد بهذا التكوين ويجلس مع قادته متحاورا وإياهم لإيجاد حل للقضية الكردية.

ولكن من دعم هذا التنظيم السياسي الكردي الجديد في ظل وقوف شاه إيران والأتراك ضد الثورة الكردية آنذاك؟ يعترف طالباني بأن ثلاث دول دعمت الاتحاد الوطني الكردستاني، هي ليبيا وسورية والاتحاد السوفياتي.

يؤكد مام جلال بأنه ما اهتم يوما للمناصب أو التسميات، وحتى عندما كان عضوا في المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني فإنه كان راضيا بموقعه، وحسب اعترافه «كنت راضيا بموقعي بل إني كنت أشعر أن ما أنا فيه كبير وكثير جدا كعضو مكتب سياسي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، أنا لست ممن يبحثون عن المناصب ولا تهمني التسميات، حتى عندما أسسنا الاتحاد الوطني الكردستاني، وكهيئة مؤسسة اقترحت إلغاء العناوين، مثل سكرتير عام أو أمين عام الحزب وما غير ذلك، وكنا كلنا متساوين حتى عدنا إلى داخل العراق وإلى القتال في الجبل إذ كان لا بد من هذه التسميات وتوزيع المهام القيادية، وبعد بدء الثورة الكردية من جديد انتخبت الأمين العام للاتحاد الوطني وتم انتخاب علي العسكري القائد العام للقوات العسكرية (البيشمركة)».

ويقول طالباني «كان الاتحاد الوطني الكردستاني يتألف من ثلاثة تنظيمات، هي عصبة الكادحين، والتي مثلها نوشيروان مصطفى، والديمقراطي الاشتراكي الذي كان منه الخط العسكري، والوطني الذي أنا كنت منه، والدكتور فؤاد معصوم وبقية المجموعة، وانتخبت بالإجماع الأمين العام للحزب حيث تم استحداث هذا المنصب بعد عامين من تأسيس الاتحاد، وقبل ذلك لم تكن هناك مناصب أو تسميات».

يتحدث طالباني عن ظروف تأسيس الاتحاد الوطني الكردستاني والأسباب الموجبة لهذا التأسيس، قائلا إن «تأسيس الاتحاد جاء إثر إلغاء ملا مصطفى بارزاني الحزب الديمقراطي الكردستاني وإيقاف الثورة إثر اتفاقية الجزائر التي عقدت بين شاه إيران وصدام حسين عام 1975 والتي كانت تهدف إلى تدمير الثورة الكردية، ونحن كنا أعضاء في الحزب الديمقراطي الكردستاني، تساءلنا: هل نواصل النضال السياسي والكفاح المسلح من أجل القضية الكردية ام نسكت؟ نحن كنا خارج العراق أشخاصا معدودين، أنا والدكتور فؤاد معصوم وعادل مراد الذي كان رئيسا لاتحاد طلبة كردستان وعبد الرزاق ميرزا حيث اتفقنا على مواصلة النضال وقلنا: يجب أن نعمل بشكل جديد ومستفيدين من أخطاء الماضي، بحيث يكون الاتحاد الوطني تنظيما جبهويا وليس حزبا ويضم تيارات مختلفة ويعتمد على الشعب وليس على العلاقات الإقليمية وذا فكر يساري ويتخذ الكفاح الجماهيري المسلح كطريق لتحقيق أهداف قضيتنا وأن نتعاون مع القوى التقدمية العراقية (العربية) والكردستانية في آن واحد، هذا ما تضمنه البيان الأول للاتحاد وكتبناه في 22 مايو (أيار) 1975 في مقهى طليطلة في دمشق».

ويمضي طالباني مستذكرا تلك الولادة السياسية، فيقول «كنا أربعة فقط من أسس الاتحاد ثم اتصلنا برفاقنا في أوروبا حيث انضم إلينا الدكتور كمال فؤاد ونوشيروان مصطفى وعمر الشيخ موسى وهكذا أصبحنا سبعة أعضاء كهيئة مؤسسة، وعدنا للوطن وتوسع الاتحاد إذ انضمت إلينا بقية التيارات والشخصيات»، وأضاف «كنا نعتقد بأن مستلزمات النضال السياسي والكفاح الجماهيري المسلح موجودة في كردستان وأننا سننجح ونحقق أهدافنا وأن القيادة كانت قد ارتكبت اجتهادا خاطئا عندما أوقفت القتال بينما نحن نؤمن بأن الكفاح المسلح كان يجب أن يستمر ويحقق انتصاراته، لهذا انضم إلينا الكثير من قيادات وقواعد الحزب الديمقراطي الكردستاني».

وفي رده على الاتهام الذي يقول بأن تأسيس الاتحاد الوطني يعد انشقاقا تاما عن جسد الحزب الديمقراطي الكردستاني، يقول طالباني «نحن ـ الأشخاص الأربعة المؤسسين للاتحاد ـ كنا قياديين في الديمقراطي الكردستاني، وقاعدة البارتي، سواء من البيشمركة أو الجماهير التي كانت تؤمن بضرورة مواصلة الكفاح انضمت إلينا، نحن لا نعتبره انشقاقا بل مواصلة لطريق الثورة الكردية، وانظر إلى الاتحاد الوطني الكردستاني باعتباره انبثق من الحزب الديمقراطي ومن الثورة الكردية، فأنا شخصيا كنت عضو مكتب سياسي في البارتي (الحزب الديمقراطي الكردستاني)، وعضوا في الحزب منذ 1947 وحتى 1975، أي ما يقارب الثلاثين عاما، ومن يقول إن الاتحاد الوطني كان حركة انفصالية فيجب أن يوضح كيف ولماذا؟ إذ كان الديمقراطي قد تم حله من قبل الزعيم بارزاني والقتال توقف تماما وكان لا بد من حركة سياسية تقود الكفاح الجماهيري المسلح».

ولكن، كيف استقبلت الحكومة العراقية خبر تأسيس الاتحاد الوطني الكردستاني؟ فهي ما صدقت أن تنهي الثورة الكردية فمن أين لها أن تستوعب مثل هذا الكيان السياسي الكردي الجديد. يجيب طالباني باختصار قائلا «لقد استهزأت الحكومة العراقية من الاتحاد ومواصلة الكفاح المسلح»، ويمضي مستذكرا ردة فعل صدام حسين، فيقول «وقتذاك كنت على علاقة وثيقة مع الدكتور جورج حبش الذي تربطني به علاقة صداقة وتقارب فكري خاصة وأني عملت مع المقاومة الفلسطينية عبر الجبهة الشعبية لعامين 1970 و1971، وقد بارك حبش لنا خطوتنا هذه وأثنى على مواصلتنا للنضال والكفاح المسلح، وهو من اقترح أن نفتح حوارا مع الحكومة العراقية وأن نلتقي معهم، لهذا نقل لي حبش بأنه فاتح صدام حسين بموضوع لقائنا وأن نجري حوارا معهم، لكن صدام قال له: لو تطلع نخلة براس جلال طالباني ما راح يقدر يصعد ستة مقاتلين إلى الجبل، لكننا بعد أقل من عام على تأسيس الاتحاد وفي عام 1976 بدأنا القتال ثانية وبوحدات صغيرة، وتدريجيا توسعنا وتوسعت عملياتنا القتالية».

ويكشف الأمين العام للاتحاد الوطني الكردستاني عن أن ثلاث دول كانت تدعم الاتحاد ماديا وعسكريا وسياسيا، فيقول «عندما تأسس الاتحاد الوطني كان لنا هناك دعم ليبي وسوري، وكذلك دعم سياسي من الاتحاد السوفياتي. الدعم الليبي كان ماديا (أموالا) والسوري عسكريا، كان بالتدريب والتسليح، حيث كان لنا معسكران للتدريب في سورية، واحد قرب دمشق والثاني في القامشلي، وفي بعض الأحيان دعمتنا سورية ببعض الأموال إلى جانب السلاح المجاني».

ويتحدث طالباني عن قصة الدعم الليبي والسوري وأسبابه، فيقول «كنت أعرف الرئيسين حافظ الأسد ومعمر القذافي قبل تأسيس الاتحاد، وزرت القذافي بناء على دعوة منه وعرضوا هناك عليّ الأموال لدعم القضية الكردية، فقلت لهم أنا ما عندي الآن حزب ولا مقاتلون ولا أحتاج الأموال حاليا والذي أملكه يكفيني، لكننا إذا احتجنا الأموال لغرض الكفاح فسوف أطلب منكم الدعم، وبالفعل بعد تأسيس الاتحاد ذهبت إلى ليبيا وقلت لهم الآن نحن بحاجة إلى دعمكم فقالوا أهلا وسهلا، وسألوني عما نحتاجه فقلت نحن نحتاج إلى 50 ألف دينار ليبي شهريا، وقرروا منحنا هذا المبلغ كل شهر حتى انكشف هذا الأمر عندما سافر عبد السلام جلود إلى بغداد عرضوا أمامه وثيقة تؤكد تقديم ليبيا مساعدات مالية لنا، فتوقفوا لفترة ومن ثم عاودوا دعمنا».

وحول الدعم الروسي، قال طالباني «أما الاتحاد السوفياتي فقد تم عبر بريماكوف الذي أصبح فيما بعد رئيس الحكومة هناك، وكان خبيرا بالقضية الكردية وكنت أعرفه شخصيا، ففي نهاية الثورة الكردية الأولى، وعندما جرت المفاوضات بين العراق وإيران في اسطنبول، وبدت بوادر الاتفاق كنت أنا أعيش في القاهرة، وفي أحد الأيام اتصل بي صديقي مصطفى الجاف من بيروت وقال إن لك صديقا أجنبيا ويريد أن يراك ومهم جدا أن تأتي إلى بيروت في أسرع وقت للقائه، وبالفعل سافرت في اليوم الثاني إلى بيروت وتوجهت مباشرة إلى بيت مصطفى الجاف، فوجدت بريماكوف جالسا هناك، ومباشرة انتحى بي خارج البيت وقال لي: إننا نعرف أن الاتفاق سيتم بين العراق وإيران، وأن الشاه سيقف ضدكم وسيوقف الدعم لكم وأنتم تعرفون ذلك، ثم استطرد قائلا: هذا يكشف أن الإمبريالية والرجعية الأميركية هي ليست صديقة لكم وإنما عندكم صديق واحد وهو الاتحاد السوفياتي، وعرض عليّ بأن لا ننهي القتال، وقال: نحن على استعداد لمساعدتكم ودعمكم تماما مثلما كنا في السابق وقبل أن تنقطع العلاقات بيننا، الآن نحن نعيد علاقاتنا بكم ولكن بشرط أن تواصلوا القتال، حيث كان الاتحاد السوفياتي قد قطع علاقته بالثورة الكردية في أواخر أيامها عندما كان هناك الحزب الديمقراطي الكردستاني فقط، واقترح عليّ أن أكتب رسالة إلى الأخوين إدريس ومسعود بارزاني بهذا المعنى، أي إن الاتحاد السوفياتي سيعاود دعمنا مثلما الأول بشرط أن نواصل القتال».

وأضاف طالباني «بالفعل كتبت الرسالة وبعثتها إلى الأخوين إدريس ومسعود بارزاني حيث كنت وقتذاك لا أزال قياديا في الحزب الديمقراطي الكردستاني وأقيم ما بين لبنان ومصر وعضوا في العلاقات الخارجية العربية للحزب، وكان معي أيضا الدكتور فؤاد معصوم لكن القيادة الكردية لم تشجع مثل هذه الخطوة. وعندما تم تأسس الاتحاد الوطني الكردستاني اتصلت مع بريماكوف ودبر لي لقاءات مع قيادة الاتحاد السوفياتي وذهبت إلى هناك بصورة سرية وقلت لهم إننا سنعاود القتال من خلال الاتحاد الوطني، كانوا يشددون على ضرورة مواصلة القتال وحددوا لنا شخصا نتصل من خلاله في لبنان، وهم لم يقدموا لنا مساعدات مادية هذه المرة بل بقي دعمهم لنا سياسيا فقط».

وقال طالباني «كنا في الحقيقة محاصرين من قبل إيران وتركيا والعراق ولا ملجأ لنا سوى الجبل. وفي العام ذاته الذي بدأنا فيه القتال عاد الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى القتال أيضا لكننا لم نكن على علاقة طيبة بهم وعلاقاتنا كانت سيئة للأسف، على الرغم من أننا اتفقنا مع الأخ مسعود بارزاني وقتذاك على التعاون وذلك خلال لقاء في سورية لكن هذا التعاون لم يتم مع الأسف».

وعاود الاتحاد الوطني القتال ضد القوات الحكومية، لكن، وحسب طالباني «قبل أن نبدأ القتال كانت هناك مجاميع تذهب إلى القرى والمناطق الجبلية لأغراض التوعية والتثقيف بوجود الاتحاد ومعاودة القتال والكفاح المسلح، وبعد سنة من تأسيس الاتحاد بدأنا القتال بمجموعات صغيرة في مناطق حلبجة وبهدنان وأربيل، ثم توسعت هذه المجاميع لتضم أعدادا كبيرة من المقاتلين إذ بدأنا نتحرش بالقوات الحكومية وبصورة أساسية بالجحوش (أرتال كردية تعاونت مع الحكومة العراقية مقابل الأموال)، وأنا عدت إلى الوطن بعد عام من ذلك وكنت في الجبل إذ لم يكن لنا ملجأ، فإيران وتركيا والحكومة العراقية كانوا ضدنا».

وينفي طالباني أن يكون هو أو أي من أعضاء المكتب السياسي للاتحاد الوطني التقوا أو تباحثوا مع صدام حسين، ويقول «كان بارزاني قد تفاوض معهم في السبعينات وأدى ذلك إلى توقيع اتفاقية مارس (آذار)، نحن لم نشارك بهذه المفاوضات لكننا أيدناها، ومن ثم أجهضت».

في 11 مارس (آذار) 1970 تم التوقيع على اتفاقية الحكم الذاتي للأكراد بين الحكومة العراقية والزعيم الكردي الملا مصطفى بارزاني وفيها اعترفت الحكومة العراقية بالحقوق القومية للأكراد مع تقديم ضمانات لهم بالمشاركة في الحكومة العراقية واستعمال اللغة الكردية في المؤسسات التعليمية ولكن لم يتم التوصل إلى حل حاسم بشأن قضية كركوك التي بقيت عالقة بانتظار نتائج إحصاءات لمعرفة نسبة القوميات المختلفة في مدينة كركوك. وكان من المفترض أن يجري الإحصاء في كركوك عام 1977، لكن الاتفاقية أجهضت من قبل الحكومة قبل هذا التاريخ بكثير، ولم تف بغداد بالتزاماتها للأكراد الذين اعتبروا الاتفاقية ميتة، مما حدا بالحكومة العراقية في مارس (آذار) 1974 إلى إعلان الحكم الذاتي للأكراد من جانب واحد فقط دون موافقة الأكراد الذين اعتبروا الاتفاقية الجديدة بعيدة كل البعد عن اتفاقيات سنة 1970.

واتخذ صدام حسين من هذه الاتفاقية خطوة تكتيكية لاستغلال الوقت ومن ثم توقيع اتفاقية الجزائر عام 1975 لإنهاء الثورة الكردية. خطط صدام حسين كانت كلها عبارة عن تكتيكات مؤقتة لكسب الوقت ومن ثم الاستعداد للقتال. كان كلما أصدر صدام حسين، باعتباره رئيسا للجمهورية، قرارا بالإعفاء عن مجموعة من السياسيين أو السجناء همش قراره بعبارة «يستثنى من هذا القرار العميل جلال طالباني»، ويعلق طالباني على ذلك قائلا «يمكن كان صدام حسين يعتبرني رجلا خطيرا جدا، مع أنه كانت توجد علاقات تاريخية بين عائلة طالباني والبيجات (البيكات) التي ينحدر منها صدام حسين».

ويستطرد قائلا «ربما لهذا السبب، أي إن صدام حسين كان يعتبرني رجلا خطيرا جدا، فقد جرت من قبل أجهزته الأمنية محاولات كثيرة لاغتيالي، وفي إحدى المرات ألقي القبض على شخص في دمشق عرفت أنه كان يخطط لاغتيالي مقابل مليوني دولار من الحكومة العراقية، مليون تسلمها مقدما والمليون الثانية كان سيتسلمها بعد تنفيذ الاغتيال، حتى إن نوشيروان مصطفى علق مازحا وقال: ليعطونا المليوني دولار نواصل فيها نضالنا ونحن نسلمك لهم، لأنه لم يكن عندنا أموال وقتذاك».

وأضاف طالباني «مرة ثانية قبض على أحد الأكراد، وهو الآن موجود عند الحكومة العراقية أو مع الأميركان، قبض مبلغا من المال لاغتيالي فنفذ عملية كاذبة، إذ فجر سيارة تشبه سيارتي وبالفعل أعلنت الصحف العراقية عن مقتل جلال طالباني وأنا لا أدري، فرن الهاتف في بيتي في دمشق وتحدثت أنا عبر الهاتف فقال المتحدث بأنه من وكالة «رويترز» للأنباء ويريد أن يعرف تفاصيل مقتل طالباني، فقلت له أنا طالباني وأنا ما زلت حيا، فاستغرب ورد قائلا: لكن الصحافة العراقية أعلنت اليوم عن مقتلك، قلت له تفضل إذا تريد عندي في البيت وأنا ما زلت حيا أرزق».

نعود إلى موضوع استثناء جلال طالباني من قرارات العفو التي كان يصدرها الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، يقول طالباني «صدام حسين كان كلما يصدر عفوا عن المطلوبين أو السجناء فإنه كان يستثنيني من هذا العفو ويرفق بياناته بجملة: إلا العميل الخائن جلال طالباني، وذات مرة كان يخطب في أربيل وأصدر عفوا جديدا شملني فيه وقال حتى جلال طالباني، ثم سأل هو الناس وقال: أتعرفون لماذا عفونا عنه؟ ولم يجبه أحد، فقال أنا أقول لكم: في العهد العثماني حاصر والي بغداد عشيرتنا وقاتلها فهربت من تكريت إلى كردستان واستقبلوا من قبل الطالبانيين فأكرموهم لمدة عامين ومن ثم تدخل الطالبانيون لدى الباب العالي في اسطنبول ليعفو عن أجدادنا وبالفعل هذا ما حدث وأنا تكريما لاستضافة أجداده لأجدادي فإني أعفو عنه».

وأضاف طالباني أن «أحمد حسن البكر، هو الآخر لم يوافق على إعدام أو اغتيال قريبنا مكرم طالباني، وهو قيادي في الحزب الشيوعي بسبب دفاع البكر عنه وقال: إن لنا علاقات قديمة مع الطالبانيين ونحن لا نقتل الطالبانيين». وأضاف مسترسلا أن «هناك أحد الطالبانيين ارتكب جريمة قتل وذهب أهله إلى صدام حسين وقالوا له إن هذا ابن الشيخ فيض الله طالباني، فعفا عنه، لهذا كان على صدام حسين أن يعفو عني منذ البداية لكنه كان يستثنيني من كل عفو يصدره. علما بأن علاقتي الشخصية مع صدام حسين كانت جيدة قبل تجدد القتال في كردستان فعندما تزوجت أقام حفلة كبيرة في نادي الصيد وكذلك في جزيرة الأعراس دعا إليها عددا كبيرا من الشخصيات العراقية وأهدى لزوجتي هيرو خان سيارة، ولا أدري لماذا حقد عليّ فيما بعد كل هذا الحقد الشديد».

يتوقف عن الحديث وكأنه يستذكر حادثة ما، ثم يستطرد قائلا «لم أحقد على صدام حسين رغم كل شيء، فبعد تحرير العراق في 2003 جاءني عز الدين المجيد، ابن عم صدام، وقال لي إن عائلة صدام حسين تعيش بصورة مزرية ووضعهم سيئ للغاية، فقلت له اذهب وأخبر السيدة ساجدة بأن تأتي مع بناتها وكل أفراد عائلتها وسأخصص لهم قصرا في منتجع دوكان وأنا أتكفل استضافتهم وحمايتهم عملا بالآية الكريمة التي تقول (ولا تزر وازرة وزر أخرى)، فهم غير مسؤولين عما قام به صدام حسين، ولم أكن أخشى من أية ردود فعل من العراقيين لأني أعرف بأن شهامة ونخوة الشعب العراقي تحتم حماية عائلة لا حول لها ولا قوة، وذهب عز الدين ولم يعد، إذ وجدت عائلة صدام طريقها إلى خارج العراق».

تأتي آراء وأحكام طالباني منطقية وغير متطرفة، فهو مثلا عندما يتحدث عن صدام حسين يقول ما له وما عليه بضمير مرتاح، يستذكر المراحل التي التقى فيها الرئيس العراقي الأسبق قائلا «التقيت مع صدام حسين في مراحل مختلفة من عمره، فهو قبل أن يأتي إلى الحكم كان يبدو شابا ذكيا ومتفهما للوضع العراقي، وكان يتحدث عن الجرائم التي حدثت عام 1963 ويدينها وينتقد المسؤولين عنها، بل كان يتحدث عن حكم ائتلاف وطني وبرلماني ومنح الأكراد حقوقهم بما فيها الحكم الذاتي، وعندما استولوا على الحكم بقي على نفس أفكاره وأبدى ميولا يسارية حيث دافع عن الشيوعيين وأطلق سراحهم وأعادهم إلى وظائفهم وكان يدعو إلى مصالحة بين الحزبين الشيوعي والبعث، وكان يرى أن القضية الكردية لا تحل بالسلاح وإنما بمنحهم حقوقهم، فكانت آراؤه تقدمية، ولهذا كان الكثير يعلق عليه الآمال باعتباره عنصرا يساريا وتقدميا داخل حزب البعث، ولأنه لم يكن عسكريا، فإنه كان يمكن أن يبعد العسكرتارية عن الحكم ويمنع الديكتاتورية، وعلى المستوى الخارجي كانت علاقاته جيدة مع الاتحاد السوفياتي ودعم الأحزاب اليسارية والاشتراكية في العالم، لهذا كان كشاب يبدو كنجم سياسي صاعد، تقدمي ومتمدن، يتحدث عن حقوق الأكراد، وكان قد عين في مكتبه شيوعيا سابقا وكرديا وشيعيا، واستمر هكذا حتى عام 1974 إذ بدأ يتغير باتجاه اليمين والتشدد ومقاتلة الشعب الكردي».

وأنهى طالباني حديثه قائلا «أعتقد لو أن البعثيين حافظوا على علاقاتهم مع الشيوعيين في الجبهة الوطنية وعدم تورطهم بمقاتلة الشعب الكردي، والإيفاء بالتزاماتهم في اتفاقية مارس (آذار) لكان وجه الحكم قد تغير تاريخيا».