تحديات تواجه «حماس» في غزة بعد معركة «جند أنصار الله»

الفقر والحصار ونقص الخدمات في القطاع جعلها أرضا خصبة للمسلحين

TT

ربما يُظهر القتال الدامي الذي نشب داخل أحد مساجد قطاع غزة الجمعة الماضي بين عناصر تابعة لحركة حماس الإسلامية، التي تسيطر على القطاع، ومجموعة مسلحة منشقة «جند أنصار الله» تحديات أكبر تقف أمام سلطة حماس في غزة في الوقت الذي تحاول فيه الحركة التوفيق بين متطلبات وجود حكومة قادرة على العمل وسياستها التي تدعو للصراع المسلح مع إسرائيل، حسب ما يرى محللون فلسطينيون وإسرائيليون. وبعد مرور عامين على سيطرتها على زمام الأمور وحدها داخل قطاع غزة، يبدو أن حركة حماس لا تعمل بالصورة المطلوبة على أي من الجبهات، ويأتي ذلك مع تراجع مستويات المعيشة تحت الحصار الذي تفرضه إسرائيل على القطاع والوتيرة المنخفضة للصراع مع إسرائيل منذ حرب استمرت على مدار 3 أسابيع وانتهت في يناير (كانون الثاني). وقد نشب هذا القتال بين حماس وتنظيم يطلق عليه جند أنصار الله، وهو التنظيم الذي نفذ هجمات ضد إسرائيل ورفع خلال الأشهر الأخيرة من مستوى انتقاداته الموجهة لحركة حماس، حيث يرى أنها لا تتحلى بالدقة الكافية في فهمها للدين الإسلامي ولا تناضل بالصورة المطلوبة ضد إسرائيل. وقيل إن التنظيم المتأثر بالقاعدة هو المسؤول عن هجمات وقعت أخيرا على مقاهي إنترنت وصالونات تجميل وأهداف أخرى داخل غزة حيث تعتبرها منافية لتعاليم الإسلام. وتحظى حركة حماس السنية، التي بدأت كفرع لحركة الإخوان المسلمين بمصر، بدعم من سورية والحكومة الشيعية في إيران، ولكن يقول قياديوها إن هدفهم هو الوقوف أمام إسرائيل وليس الدخول في حرب أوسع مع الغرب مثلما يدعو تنظيم القاعدة. ويقول زياد أبو عمر، وهو عضو في المجلس التشريعي الفلسطيني انتخب كمرشح مستقل داخل غزة: «من شأن الظروف الصعبة داخل غزة مثل الفقر والحصار والقيود على الحركة ونقص الخدمات، أن توفر عوامل أكبر لعدم الاستقرار. وهذه أرض خصبة» للمسلحين. وأضاف أنه على الرغم من أنه لا يحتمل ظهور تحد كبير لحركة حماس في وقت قريب، «فإن حركة حماس لا يمكنها الاعتماد على ذلك للأبد، فدائما ما تكون هناك تحديات، وقد رأينا مثالا على ذلك» يوم الجمعة. ويقول مسؤولون طبيون تابعون لحركة حماس إن 22 شخصا قتلوا خلال القتال الذي استمر عدة ساعات بين القوات الأمنية التابعة لحماس ورجال مسلحين تابعين لعبد اللطيف موسى، وهو طبيب ورجل دين. وبعد أسابيع من التوتر مع الحكومة في قطاع غزة أعلن موسى يوم الجمعة أن منطقته في رفح إمارة إسلامية. وقامت القوات الأمنية التابعة لحماس بمحاصرة المسجد بعد وصول موسى إلى هناك معه مناصرون مسلحون. وقال مسؤولون إنه لم يكن لديهم خيار سوى مواجهة هذا التحدي المباشر. وأشار أحمد يوسف، وهو عضو بارز في حماس، إلى اجتماعات عقدت مع موسى خلال الأسابيع الأخيرة و«كنا نأمل أن يأتي إلى خطبة الجمعة هذه كي يهدئ من حدة التوتر، ولكننا فوجئنا عندما أحضر هؤلاء المسلحين كي يقفوا إلى جواره. ويعد ذلك انتهاكا جسيما للقانون وانقلابا على الحكومة».

وقتل خلال المصادمات موسى ومساعده البارز عبد الله مهاجر السوري، ويقول مسؤولو حماس إن الاثنين قتلا بعد أن فجر أحدهما حزاما ناسفا، كما أدى الانفجار إلى مقتل وسيط تابع للحركة. وقتل 5 من عناصر الأمن التابعة لحماس، بالإضافة إلى طفل صغير. وأصيب 120 شخصا خلال القتال الذي بدأ مع الساعات الأولى من مساء يوم الجمعة واستمر خلال الليل داخل المسجد وفي أماكن أخرى هرب إليها موسى ومقاتلوه. ويقول يوسي كوبرواسر، العميد بالاحتياطي الإسرائيلي والقائد السابق لفرقة البحث داخل الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، إن القتال الذي وقع يوم الجمعة كان دليلا على أزمة تواجهها حماس: إما أن تحافظ على الصراع المسلح مع إسرائيل وهو جوهر أيديولوجية الحركة أو تتخذ الخطوات المطلوبة من أجل إنهاء أعوام من العزلة السياسية والاقتصادية دوليا.

وجدير بالذكر أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وجهات أخرى طلبت من حماس إنهاء أعمال العنف والاعتراف بإسرائيل كشرط للدخول في جهود السلام الدولية. ويقول العميد الإسرائيلي: «كانت حماس مترددة في اتخاذ إجراءات ضد هؤلاء الفتية حتى هذه اللحظة، وقد قاموا بإطلاق النار ضدنا مرات عدة من داخل غزة وكانت حماس تغض الطرف عن ذلك. وكانوا يعتقدون أنه يمكنهم التعامل مع ذلك أو حتى الاستفادة منه. وكان ذلك خطأ».

ويقول أنات كورز، المتخصص في الشؤون السياسية الفلسطينية بمعهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، إن الانتفاضة ضد حماس يمكن أن تعمق من الخلاف بين غزة والضفة الغربية، حيث توجد للسلطة الفلسطينية الأكثر اعتدالا سيطرة أكبر على الأمن المحلي وتشهد بدايات تحسن اقتصادي. وينظر إلى الانقسام داخل المجتمع الفلسطيني على أنه عائق يقف أمام أي اتفاق سلام مع إسرائيل، ومن غير الواضح في الوقت الحالي متى وكيف يمكن أن تكون هناك حكومة واحدة في قطاع غزة والضفة الغربية بعد أن سيطرت حماس على القطاع في عام 2007. ويقول كورز إن المواطنين داخل قطاع غزة يرون «عودة لحياة طبيعية داخل رام الله وجنين، ويطرحون تساؤلات».. «البعض يتجه إلى التطرف وآخرون يضغطون على حماس كي تقوم بشيء يبرر هذه المعاناة».

وبدأت إسرائيل في فرض قيود على غزة بعد أن فازت حركة حماس بالانتخابات البرلمانية عام 2006، ورفعت القيود عندما سيطرت الحركة الإسلامية على زمام الأمور داخل القطاع. ويقول يوسف إن القتال الذي نشب داخل المسجد أظهر أن حركة حماس لا تزال قوية وأن هنا معارضة أكبر يمكن أن تظهر من مجموعة قليلة من التنظيمات الأصولية داخل غزة، التي قال إنها تحظى بدعم ضعيف. وأشار إلى أن استعداد حماس للدخول في مواجهات مع تنظيمات متأثرة بالقاعدة يجب أن يجعل الولايات المتحدة ودولا غربية أخرى أكثر انفتاحا على التواصل. وتعتبر الولايات المتحدة حركة حماس تنظيما إرهابيا، وقامت إسرائيل بعدوان عسكري ضد الحركة في ديسمبر (كانون الأول) ردا على الآلاف من قنابل الهاون والصواريخ التي انطلقت خلال الأعوام الأخيرة من غزة صوب الأراضي الإسرائيلية. ويقول يوسف: «نحن حركة تحرر لها طابع إسلامي ولسنا طالبان أو القاعدة. ونحب تطبيق القانون وسيادة النظام».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ ساهم في التقرير إسلام عبد الكريم من مدينة غزة