أفغانستان: انتهاء الحملة الانتخابية.. وعودة دوستم لدعم كرزاي تثير قلق الأميركيين

شاه مسعود يسحب البساط من تحت أقدام المرشحين عشية يوم الحسم

طفل يقود حماراً يحمل معدات انتخابية في وادي بنشير بشمال أفغانستان أمس (أ.ف.ب)
TT

يذهب الناخبون الأفغان إلى صناديق الاقتراع بعد غد الخميس لاختيار رئيس لبلادهم بالانتخاب المباشر، للمرة الثانية في تاريخ البلاد عبر التصويت في سبعة آلاف مركز اقتراع في البلاد، تتضمن أقساما منفصلة للرجال والنساء.

ويمثل الأمن عنصر قلق رئيسيا لعملية التصويت في دولة تعصف بها الأزمات، حيث تعهد مسلحو طالبان، الذين أطاح بنظامهم الحاكم غزو قادته الولايات المتحدة عام 2001، بتعطيل العملية الانتخابية، كما دعوا أفراد الشعب الأفغاني إلى حمل السلاح ضد القوات الأجنبية في بلادهم، بدلا من التصويت. وسيختار الناخبون وعددهم نحو 17 مليون ناخب، أيضاً، ممثليهم في مجالس الولايات الـ 34 (ممثل لكل ولاية) في انتخابات تعتبرها الأسرة الدولية اختبارا حاسما، وتهددها أعمال العنف التي يشنها عناصر طالبان. وقد قدرت نفقات هذه الانتخابات بـ 223 مليون دولار تمولها بالكامل تقريبا الدول المشاركة في النزاع الأفغاني، حسبما ذكرت اللجنة الانتخابية المستقلة.

وداخل المحكمة العليا التي تعرف باسم «سترة محكمة» وهي أشبه بهيئة القضاء الأعلى في البلاد العربية، ذهبت للقاء نائب رئيس المحكمة مولوي قاسم حليمي، بعد وصولي بساعات إلى العاصمة كابل قادما من دبي على خطوط «اريانا» الأفغانية، والشيخ حليمي هو رئيس بروتوكول الملا محمد عمر قبل سقوط حركة طالبان الأصولية عام 2001، قبل سجنه وتصالحه مع الحكومة، وكان واضحا من شكل الإجراءات الأمنية الصارمة عند بوابة المحكمة الشرقية، التي وصلت إلى حد تفتيش كامل وتفتيش الكاميرا والتسجيل بحثا عن متفجرات، وهو أمر متبع عند لقاء الوزراء والمسؤولين؛ خوفا من تكرار مشهد اغتيال احمد شاه مسعود بطل التحالف الشمالي الذي اغتالته القاعدة قبل يومين من هجمات سبتمبر (أيلول) 2001، بكاميرا مفخخة حملها عربيان من رجال أسامة بن لادن. وأوضح أحد كبار القضاة داخل المحكمة، لـ«الشرق الأوسط»، أن هذه الإجراءات الأمنية المشددة اتخذت بعد إرسال طالبان ثلاثة من عناصرها فجروا أنفسهم داخل مدخل وزارة العدل قبل ثلاثة شهور؛ ردا على إعدام عدد من عناصرهم. وقال قاض آخر لـ«الشرق الأوسط»، بثقة وابتسامة عريضة: «الرئيس حميد كرزاي سيكسب لأنه غير محسوب على احد، وهو من أنصار الدين لله والوطن للجميع».

على الطريق السريع الذي يربط مطار كابل الدولي بالعاصمة الأفغانية الذي شهد نهضة معمارية تضاهي مطارات الدول المستقرة، كانت ملامح التطور واضحة من مبان فخمة بزجاج ملون عاكس وصالات أعراس وأفراح في الميادين الكبرى تعلن عن نفسها، ولم ألحظ وجودا كثيفا لقوات «ايساف» الدولية التابعة لحلف الناتو باستثناء القوات الأفغانية في الميادين والشوارع، وعند تقاطع الطرق بالقرب من ميدان مسعود على بعد أمتار من ترسانة السفارة الأميركية بوسط كابل.

وعلى امتداد البصر كانت صور المرشحين الـ41 لانتخابات الرئاسة، بينهم سيدتان، تتنافس على خطف الأنظار ولفت الانتباه، وداخل الغرفة التي استأجرتها بفندق صافي لاند مارك، وهو إحدى القلاع الفندقية الجديدة في كابل وموطن لعشرات الصحافيين الأجانب وممثلي البعثات الأجنبية، وتتبعه شركة طيران داخلي تحمل نفس الاسم تعمل من دبي أيضا، ويملكها احد المجاهدين السابقين، كانت صور كرزاي تتصدر أيضا مطبوعة «كابل هفته نامه» الأسبوعية. أما صور الدكتور عبد الله عبد الله وزير الخارجية الأسبق وابرز منافسي كرزاي، فكانت تتصدر الصفحات الداخلية، مع مانشيت رئيسي يتصدر صفحات «كابل ويكلي» يتحدث عن إعلان نتيجة الانتخابات يوم 7 سبتمبر المقبل.

ولدى توليه منصبه قبل خمسة أعوام، أعلن الرئيس كرزاي، الذي تلقى دعما قويا من الولايات المتحدة، عزمه وقف زراعة الأفيون ونزع سلاح الميليشيات خلال فترة ولايته. وتعهد كرازاي أيضا بمواجهة الفقر والفساد وإصلاح الحكومة وإعادة بناء البنية التحتية التي دمرت في البلاد، إلى جانب الاستمرار في مكافحة الإرهاب.

غير أنه من المهم إلقاء الضوء على الإنجازات التي حققها الرئيس كرزاي خلال رئاسته التي استمرت ثمانية أعوام، بما فيها الفترة التي قضاها في رئاسة حكومة مؤقتة. ففي ظل فترته الرئاسية، صارت أفغانستان مجددا أكبر منتج للأفيون الخام في العالم، ولم يختف الفقر منها. وبينما شهدت أفغانستان معدلات مرتفعة للنمو الاقتصادي لأعوام، فإن ملايين الأفغان لا يزالون يكافحون من أجل الحصول على فرص عمل.

وعلى الطريق من مطار كابل إلى شارع شهرانو بوسط كابل كان سائق التاكسي العجوز بشير، وهو من اثنية الطاجيك وقاتل ضد الروس، لا يتوقف عن الحديث بالعربية والانجليزية عن المنقذ والملهم الذي سيعيد الأمن والأمان إلى ربوع بلاد الأفغان لو ترشح للرئاسة. لم يكن بالطبع يتحدث عن احد المرشحين الـ41، بل كان يتحدث عن الرجل الأسطوري الذي كانت تخشاه طالبان. وقال سائق التاكسي: «لو أن أسد بانشير أو احمد شاه مسعود، ما زال حياً اليوم، لكان قد قبض على زعيم تنظيم «القاعدة» والملا عمر زعيم الحركة المخلوعة، ورسخ الأمن في نفوسنا». وتابع: «لا ينقصنا سوى الإحساس بالأمن والأمان». ويضيف انه في أيام كثيرة سابقة كان يخرج إلى عمله ويردد الشهادة ولا يعرف إن كان سيعود إلى أحفاده أم لا.

ويعتبر شاه مسعود حالياً بطلاً قومياً في أفغانستان، بل وأصبح الشخصية النموذجية للزعيم الأفغاني المتنور، الذي تحتاج البلاد إلى مثله بشدة، وصوره وتماثيله تنتشر في كل مكان، وعبد الله عبد الله كان ذراعه اليمنى، وشخصية مسعود ركن مهم من حملته الانتخابية. لقد اغتيل مسعود قبل يومين من أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، التي ارتبط منفذوها بتنظيم القاعدة، على أنه رغم مضي ثماني سنوات على اغتياله، إلا أن هالته تهيمن على أي زعيم محتمل لأفغانستان والأفغان والباحثين.

ويقول مقربون من الحملة المروجة لمسعود، إن الحكومة الأفغانية كانت متهمة بأنها فاسدة وضعيفة، في حين أن مسعود كان يتسم بالنزاهة والقوة. وكان مسعود يتمتع بسمعة المواطن الأفغاني القومي، الذي ما كان ليسمح لأي جماعة خارجية، كالروس والباكستانيين وطالبان، بل وحتى الولايات المتحدة، بالسيطرة على أفغانستان. ومن المقرر أن توفر القوات الدولية في أفغانستان 100 ألف من العسكريين، بالإضافة إلى 200 ألف من قوات الأمن الأفغانية، الحماية اللازمة لـ 42 ألف لجنة انتخابية، في ظل تنافس 41 مرشحا، بينهم امرأتان، على الرئاسة. وينظر إلى كرزاي، ووزير الخارجية السابق عبد الله عبد الله، ووزير المالية السابق أشرف غاني، على أنهم المرشحون الأوفر حظا للفوز بسباق الرئاسة. وأظهرت نتائج استطلاعات للرأي تقدم كرزاي بحصوله على نحو 45 في المائة من الأصوات، مقابل 25 في المائة لمنافسه عبد الله عبد الله. وهذه الأرقام تشير إلى إمكانية إجراء جولة ثانية في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.

وقبيل انتهاء الحملة الانتخابية أمس، عاد زعيم الميليشيا الاوزبكي السابق الجنرال عبد الرشيد دوستم، من منفاه بتركيا، إلى أفغانستان، الليلة قبل الماضية، ربما لتوفير دعم كاف بين أنصاره لصالح حليفه كرزاي.

لكن الولايات المتحدة أعربت أمس للحكومة الأفغانية عن قلقها البالغ من عودة دوستم قبل أيام قليلة من الانتخابات الرئيسية التي تسبقها اتفاقات تعقد في الكواليس. وأوضحت الولايات المتحدة للحكومة الأفغانية أنها «قلقة بشكل كبير من الدور الذي يمكن أن يلعبه دوستم في أفغانستان اليوم، خصوصا خلال هذه الانتخابات التاريخية»، حسب السفارة الأميركية في كابل. واستقر دوستم في تركيا لنحو عام. وفي 2008 اتهم بمهاجمة احد منافسيه وهو ثمل. وعلى اثر ذلك قامت الشرطة بمحاصرة منزله مما أدى إلى احتجاجات للاوزبك في شمال البلاد. واتهم الفصيل الذي كان يتزعمه دوستم بارتكاب جرائم حرب من بينها جرائم خلال الحرب الأهلية في مطلع التسعينات ويشتبه في ضلوعه في تجارة المخدرات. وقالت السفارة، إن «المسائل التي تحيط به (دوستم) أصبحت أكثر حساسية مع عودته إلى أفغانستان خلال هذه الفترة». وأضافت السفارة «من المخاوف الأخرى أن أعماله الماضية الشهيرة تثير أسئلة حول مسؤوليته عن حدوث انتهاكات هائلة لحقوق الإنسان». وقبيل عودة دوستم في وقت متأخر من الأحد، اصدر مكتب كرزاي بيانا قال فيه، انه «لا توجد عوائق قانونية» أمام عودة دوستم.

ولن يكون أمام الفائز بانتخابات الرئاسة، فقط مواجهة طالبان، وإنما أمامه معضلة أخرى هي الاقتصاد.ولا توجد إحصاءات رسمية، إلا أن بعض البيانات تشير إلى أن أكثر من خمسين في المائة من الشباب في البلاد عاطلون عن العمل. ورغم التحديات الاقتصادية واستمرار انعدام الأمن في البلاد، إلا أنه ينظر إلى تلك الانتخابات، في حال اكتمالها، على أنها إشارة لنجاح القوات الدولية، بالإضافة إلى الدول المانحة التي ساهمت في إعادة إعمار أفغانستان. ويراقب العملية الانتخابية المستقلة حوالي 116 ألف مراقب. يمثل هؤلاء المراقبون مرشحين، وبينهم مراقبون أفغان وأجانب.

إلى ذلك، قال وزير الدفاع الأفغاني، عبد الرحيم وردك، أمس إنه على الرغم من التهديدات التي أطلقتها حركة طالبان بتعطيل الانتخابات، إلا أن قوات الحكومة الأفغانية ستلتزم بوقف إطلاق النار يوم 20 أغسطس (آب) الحالي، عندما يذهب الناخبون إلى مراكز الاقتراع.

ويواجه كرزاي انتقادا واسع النطاق بشأن تحالفاته المثيرة للجدل مع أمراء الحرب، ومنها انتقادات أثناء أول مناظرة تلفزيونية مباشرة له أول من أمس مع منافسيه الرئيسيين في الانتخابات. واتهم المرشح، رمضان بشاردوست، خصمه بإقامة تحالفات مع أمراء الحرب في أفغانستان. وقال بشاردوست خلال مناظرة تلفزيونية، إنه من غير المقبول أن يضطلع أمراء الحرب بدور رئيسي في الحملات الانتخابية. وبرر كرزاي سياسة التحالف مع زعماء الحرب المثيرة للجدل بأنها من أجل الدفاع عن المصلحة الوطنية والسلام.

وقال كرزاي في المناظرة التي استمرت ساعة ونصف الساعة وواجه خلالها اثنين من خصومه الرئيسيين، هما الوزيران السابقان في حكومته أشرف غاني ورمضان بشاردوست: «دافعت عن المصلحة الوطنية، عن الوحدة. فعلت ذلك من اجل حماية أفغانستان وإنهاء الحرب. وسأفعل ذلك حتى إعادة السلام التام إلى البلاد». وتثير الصفقات الانتخابية المزعومة الشكوك لدى الناخبين الأفغان والداعمين الغربيين بشأن تحرك البلاد تجاه الديمقراطية.