مباحثات السلام مع طالبان.. تدخل معركة الانتخابات الأفغانية

المرشحون يختلفون حول الحوار مع المعتدلين في الحركة أم الدخول في مفاوضات شاملة مع القيادة

TT

أصبح موضوع إجراء أو عدم إجراء مباحثات سلام مع طالبان، أحد الموضوعات التي لا يستطيع مرشحو الرئاسة الأفغانية تجنب أخذ موقف حيالها. وهناك توافق عام على أنه يجب إنهاء حالة الحرب الدائرة في الوقت الحاضر، لكن الجدل القائم هو حول ما إذا كانت حكومة الرئيس حميد كرزاي تتحرك بفعالية تجاه إقناع طالبان بإنهاء حركتها المسلحة. وعلى الرغم من أن كرزاي كان يتحدث دائما عن المباحثات مع طالبان، إلا أنه لم يتم تحقيق إلا القليل بالفعل. فما زال أداء برنامج الحكومة للمصالحة مع مقاتلي طالبان ضعيفا. كما توقفت الوساطة السعودية كذلك بين الطرفين. وما زالت جهود اللحظة الأخيرة لإشراك طالبان لكي تسمح بإجراء الانتخابات، محل اختبار. وفي هذه الأثناء، أرسلت إدارة أوباما بضعة آلاف فقط من القوات الإضافية إلى هنا في محاولة للتقليل من مكاسب طالبان. ويعتبر كرزاي الذي يحتل صدارة التوقعات، أكثر المرشحين دعوة إلى إجراء المباحثات، وقد تعهد بأنه في حالة إعادة انتخابه فإنه سوف يعقد اجتماعات قبلية تقليدية ويدعو أعضاء في طالبان وقلب الدين حكمتيار، وهو قائد معارض آخر، إلى تحقيق السلام. وخلال الأسابيع القليلة الماضية، بدأت حكومته في طرح عدة مبادرات للوصول إلى قادة طالبان المحليين من خلال كبار السن في القبائل. كما بدأت الحكومة كذلك العمل على أخذ زمام المبادرة من القبائل، وذلك من خلال توظيف آلاف الشباب لكي يكونوا جزءا من قوات الحماية المحلية التي سيتم تشكيلها من أجل تأمين الانتخابات. لكن وجود كل من منافسي كرزاي الثلاثة في هذه الانتخابات مهم بالنسبة له لكي يفي بمثل هذه الوعود. ويعارض كل من المرشحين عبد الله عبد الله وأشرف غاني ورمضان بشاردوست حركة طالبان، لكنهم قطعوا عهودا كذلك بأنه في حالة إعادة انتخابهم، فسيجعلون من تحقيق السلام أولوية قصوى بالنسبة إليهم. ويختلف المرشحون حول كيفية تحقيق السلام، فهناك من يرى إمكانية تحقيق ذلك من خلال عقد مفاوضات سلام شامل مع قيادة طالبان، وهناك من يرى محاولة استقطاب المعتدلين من قادة حركة طالبان وكذلك جنودها، وهو توجه تم تجريبه دون تحقيق نجاح كبير خلال السنوات السبع الماضية. ويقول عبد الله مرشح أكبر تكتل للمعارضة وهو الجبهة القومية، وكذلك غاني وهو وزير المالية الأسبق، إن الخطوة الأولى يجب أن تتمثل في التوجه نحو المؤيدين من خلال المجالس الاجتماعية والقبلية لمعالجة الظلم الذي أدى إلى حمل الأفراد للسلاح في وجه الحكومة. ويقول عبد الله في إحدى المقابلات معه «إذا فقدت الشعب فإنك تفقد الحرب».

ويؤيد غاني وقف إطلاق النار كخطوة تالية، مع عقد مباحثات سياسية في وقت لاحق. وقد أفاد لبعض الصحافيين في بيان موجز له بقوله «لن يكون الأمر سهلا. ولكنه سوف يكون معقدا تماما وصعبا للغاية، لكننا في حاجة إلى تأسيس ظروف بناء الثقة». ومن بين أولئك الذين ينادون بحل سياسي شامل، رئيس مهمة الأمم المتحدة في أفغانستان، كاي إيد. ويجب أن تكون عملية السلام أو المصالحة كما يفضل أن يسميها، أولوية قصوى لأي حكومة جديدة، مثلما يمثل ذلك تطوير العلاقات مع باكستان التي ساندت طالبان طويلا، كما يقول. وأضاف يقول، إننا بحاجة إلى وضع أسس مثل هذه العملية في الشتاء، حتى نتجنب موسما آخر من القتال في الربيع المقبل. كما يقول إنه يجب أن تتجه الجهود إلى توسيع المصالحة والعمل على إعادة دمج القادة المحليين الذين يوافق عليهم الجيش الأميركي. وتابع: «لديك وجهات نظر مختلفة ـ فهناك من يرى أنك تستطيع القيام بتحقيق ذلك على الصعيد المحلي من مقاطعة إلى أخرى ومن إقليم إلى آخر. ولكنني لا أعتقد ذلك، بل أعتقد بأن علينا أن نقوم بإنجاز عملية سلام شاملة».

لكن الولايات المتحدة وقوات الناتو يرغبان في عقد مباحثات من موقع قوة، كما يقول المسؤولون العسكريون والدبلوماسيون. وقد أفاد أحد الدبلوماسيين الغربيين في كابول رافضا الإفصاح عن هويته بقوله «إن المصالحة مهمة ولكن ليس الآن. ولن تعقد المباحثات حتى يكون المسلحون أكثر ضعفا وتكون الحكومة أكثر قوة».

وعرض توماس روتينغ وهو مدير مشارك في شبكة محللي أفغانستان، وهي مجموعة بحث سياسي مستقلة، في تقرير أخير، إجراء اتصالات متعددة المستويات أو مباحثات مع عناصر مختلفة من الجماعات المسلحة. كما أيد أيضا عملية مصالحة طويلة الأجل في كافة أنحاء البلاد لمعالجة استبعاد الحكومة للعديد من الجماعات التي يمكن أن تتحالف مع طالبان، والعمل على اندمال جراح امتدت لأكثر من ثلاثين عاما من الحرب. وقامت إدارة أوباما بعمل القليل بصورة علنية لدفع العملية إلى الأمام، حيث عرضت إجراء مباحثات مع المعتدلين من طالبان، لكنها استبعدت من تربطهم صلات بـ«القاعدة». وقالت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في خطاب ألقته الشهر الماضي «إننا وحلفاؤنا الأفغان مستعدون للترحيب بأي شخص يؤيد طالبان ويخالف (القاعدة)، ويترك سلاحه ويرغب في المشاركة في المجتمع المنفتح والحر الذي يحميه الدستور الأفغاني».

لكن النقاد يقولون إن مطالبة طالبان بالاستسلام على وجه الخصوص لن تؤتي ثمارها. ويحذر الأعضاء القليلون من طالبان الذين التحقوا بالحكومة، من أن هناك انعدام ثقة كبير في الحكومة والقوات الأجنبية، إلى الدرجة التي تخيف الأعضاء ذوي الرتب المنخفضة في طالبان. وقد شاهدوا المعاملة السيئة التي يلقاها قادة القبائل وكبار السن من جانب الحكومة والقوات الأجنبية. وقد ناقش عبد الوحيد باغراني وهو قائد قبلي مهم من مقاطعة هلمند انضم إلى الحكومة عام 2005 بموجب برنامج المصالحة، استسلام طالبان عام 2001 مع كرزاي. وهو الآن يعيش في منزل في غرب كابول لكن الحكومة تتجاهله تماما على الرغم من التأثير الكبير الذي يمكن أن يمارسه. وقد قتل ابنه الأكبر ضياء الحق الذي يبلغ من العمر 32 عاما مع زوجته والسائق الخاص به، عندما انقضت المروحيات البريطانية على سيارتهم أثناء سفرهم إلى هلمند. وأكد مسؤولون غربيون إطلاق النار لكنهم قالوا إنه كان عن طريق الخطأ. وقالوا إن المروحيات البريطانية كانت تحاول القبض على مسؤول كبير في طالبان. وقال باغراني «إن ابني لم يكن طالب علم مسلحا، لكنه كان طالب علم فقط. وليس من المسموح به من أي وجهة نظر قانونية إطلاق النار على سيارة مدنية. وليس الأمر متعلقا بابني فقط، لكننا نفقد مئات الأرواح في كل يوم، وأنا أشعر بالقلق لمقتلهم مثلما أشعر به لمقتل ابني».

وعلى الرغم من حوادث القتل، فإنه قد بقي في كابول وما زال يدافع عن مباحثات السلام. وقال إنه كان من الخطأ الاعتقاد بعدم جدوى المصالحة مع قيادة طالبان أو قائدها الملا محمد عمر. وأضاف بقوله «ليس ذلك هو رأي الناس الذين يعرفونه أو يعملون معه. بالطبع يمكن تحقيق السلام مع طالبان ـ فهم أفغان. والسبب في أنهم يقاتلون هو أنهم لا يحصلون على فرصة صنع السلام».

* خدمة «نيويورك تايمز»