أفغانستان: سباق بين رجال الأمن وطالبان.. والسلطات تطلب من الإعلام التعتيم على الهجمات

عبد الله الطاجيكي أبرز منافسي كرزاي يحظى بشعبية بين الناخبين البشتون

TT

يتوجه الأفغان اليوم إلى صناديق الاقتراع في انتخابات رئاسية، هي الثانية في تاريخ البلاد، وسط أجواء من الخوف بسبب مخاطر شن هجمات انتحارية لمتمردي طالبان، مما قد يردع عددا من الناخبين عن التصويت. وقد خلت شوارع كابل أمس من السيارات والمارة، لأنه يوم عطلة يسبق الانتخابات الرئاسية، رغم الوجود الأمني المكثف في الميادين، وأمام بوابة الفنادق وفي تقاطع الطرق من عربات مسلحة وجنود للجيش والشرطة؛ تحسبا لهجمات من طالبان في قلب العاصمة. ويذهب الناخبون الأفغان وعددهم نحو 17 مليون ناخب إلى صناديق الاقتراع اليوم؛ لاختيار رئيس جديد بالانتخاب المباشر، في سبعة آلاف مركز اقتراع في البلاد، تتضمن أقساما منفصلة للرجال والنساء. وبلغت أعمال العنف خلال الأشهر الأخيرة مستويات غير مسبوقة في أفغانستان منذ الإطاحة بنظام طالبان نهاية 2001، وقد يدفع ذلك بالعديد من الأفغان اليوم إلى الامتناع عن التصويت في الانتخابات الرئاسية ومجالس الولايات. وتضاربت الأنباء صباح أمس حول سماع إطلاق للنار وانفجارات في العاصمة الأفغانية، حيث ذكرت مصادر حركة طالبان أن عناصرها هاجموا مقرا حكوميا، فيما قالت الشرطة، إن الحادث مجرد عملية سطو على مصرف لم تنته كما كان مخططا لها. وسمع إطلاق كثيف للنار مصحوبا بعدة انفجارات سمع دويها أمس في محيط أحد المصارف القريبة من القصر الرئاسي في وسط العاصمة كابل، من دون الإبلاغ عن سقوط ضحايا. وقالت مصادر حركة طالبان إن 20 مسلحا ومهاجما انتحاريا من عناصر الحركة يرتدون أحزمة ناسفة تسللوا إلى كابل في وقت مبكر أمس، وإن خمسة منهم على الأقل اشتبكوا مع عناصر الشرطة. فيما قالت قوات الأمن الأفغانية، إنها اقتحمت مصرفا في كابل وقتلت ثلاثة مسلحين كانوا قد استولوا عليه في وقت سابق أمس. وقالت الشرطة إنها تمشط المبنى بحثا عن مسلحين آخرين. غير أن المتحدث باسم وزارة الداخلية الأفغانية زيميري بشاري، ذكر أن ثلاثة أو أربعة مسلحين وصفهم باللصوص، احتلوا فرعا تابعا لمصرف باشتاني الكائن في منطقة جادي ميواند بقلب العاصمة، وأن الشرطة طوقت المكان واشتبكت مع المسلحين وقتلت العناصر الثلاثة.

وأضاف أن الشرطة والقوى الأمنية الأخرى هرعت إلى مكان الحادث خلال ثوان بفضل الانتشار الأمني للسلطات المختصة، تمهيدا لإجراء الانتخابات الرئاسية التي تنطلق اليوم، مؤكدا أن الوضع بأكمله بات تحت سيطرة القوى الأمنية. ورأى مراقبون في العاصمة أن الحادث يدل على عزم طالبان على تنفيذ تهديدها بتعطيل الانتخابات الرئاسية، لا سيما أن العملية تأتي في ظل إجراءات أمنية مشددة قبيل الاقتراع. وكانت الحكومة الأفغانية قد طلبت من وسائل الإعلام الأجنبية عدم تغطية أحداث العنف، التي تقع في يوم الانتخابات الرئاسية؛ حتى لا تتسبب في إحجام الناخبين عن الإدلاء بأصواتهم. وحثت الحكومة وسائل الإعلام على فرض التعتيم على أي هجمات في الفترة ما بين السادسة صباحا حتى الثامنة مساء اليوم خلال عملية التصويت، كما طلبت من المراسلين تجنب نقل مثل هذه الأحداث. وجاءت هذه الخطوة بعد مقتل 20 شخصا في هجمات وقعت في البلاد، منها الانفجار الانتحاري الذي وقع في العاصمة كابل. وكان 10 أشخاص قد قتلوا، وأصيب أكثر من 50 آخرون في هجوم انتحاري على قافلة عسكرية للقوات الأجنبية كانت تمر على احد الطرق الرئيسية الواقعة شرق العاصمة الأفغانية كابل. وكان مسلحو طالبان قد هددوا بإفساد الانتخابات التي تشير التكهنات إلى فوز الرئيس كرزاي بها، واستهدفوا العاصمة فعلا مرتين في الشهر الجاري. وزاد الاعتداء الانتحاري الذي أدى أول من أمس إلى مقتل نحو سبعة أشخاص في شارع جلال آباد السريع خارج العاصمة كابل، واستهدف الهجوم الانتحاري احد الطرق الرئيسية الواقعة شرق العاصمة الأفغانية. وقد أودى الهجوم بحياة سبعة أشخاص، كما أدى إلى إصابة 52 بجراح. وهدد مسلحو طالبان في جنوب أفغانستان بقطع أصابع من يذهب إلى اللجان الانتخابية ويغمس إصبعه بالحبر الانتخابي. ولا حديث في كابل بين النخب السياسية سوى عن تصعيد طالبان من عملياتهم داخل العاصمة نفسها وعلى مشارفها، وبحسب المراقبين فإن هذه الهجمات تبرهن على أن المسلحين يستطيعون اختراق الإجراءات الأمنية المشددة التي فرضت في العاصمة الأفغانية قبيل إجراء الانتخابات. وقال خبير عسكري أفغاني لـ«الشرق الأوسط»، إن المفارز الأمنية خارج العاصمة لا تستطيع أن تميز عناصر طالبان، لأنهم يدخلون ويخرجون بسهولة، ومن شأن هذه الهجمات الأخيرة ثني الناخبين عن التوجه إلى صناديق الاقتراع اليوم. ومن المرجح فوز الرئيس حميد كرزاي بولاية جديدة، وقد استعد كرزاي جيدا لهذا اليوم، فقد لف البلاد بطولها وعرضها وجند لها أتباعه من أمراء الحرب مقابل صفقات سياسية ومناصب ووعود. وقد شاهدت «الشرق الأوسط» وزير الحج والأوقاف، الشيخ محمد صديق تشكري، وهو من كبار قادة المجاهدين الأفغان، أول من أمس في مسجد هراتي بشارع شهرانو في حفل علماء أفغانستان، بمناسبة قدوم شهر رمضان المبارك، وهو يدعو لكرزاي بالنصر المبين. وكانت «الشرق الأوسط» قد دعيت إلى الحفل الذي حضره عموم علماء الأفغان من شير محمد إبراهيمي، الرئيس العام للشؤون والمساجد والدعوة والإرشاد، وكل من الشيخين تشكري وإبراهيمي من خريجي كلية أصول الدين بالمدينة المنورة، ويجيدان التحدث بالعربية بطلاقة. وكان تشكري يردد بالعربية إن «الخير قادم إن شاء الله على يدي كرزاي وكثير من العلماء كانوا يهزون رؤوسهم بالموافقة».

لكن الحملة النشيطة لوزير الخارجية السابق عبد الله عبد الله قد تؤدي إلى إجراء دورة ثانية برأي المحللين. وشغل عبد الله وهو طبيب عيون تخرج من كلية الطب بجامعة كابل منصب وزير الخارجية حتى عام 2006، بينما تولى غاني الذي عمل في البنك الدولي طوال 11 سنة، حقيبة المالية في الحكومة الانتقالية حتى عام 2004. أما اشرف غاني، المرشح الثالث، هو الآخر بشتوني وولد عام 1949 في إقليم لوغار جنوب كابل. وهو على خلاف عبد الله وكرازاي، لا يمكنه التباهي بسجل تاريخي في المقاومة. وكان غاني يدرس علم الانثروبولوجيا في نيويورك عندما اجتاح الجيش الأحمر أفغانستان عام 1979، ولبث في منفاه حتى أطيح بطالبان. وفضلا عن أعمال العنف، يخشى عدد من المراقبين حصول عمليات تزوير، خصوصا في المناطق النائية. وقد بدأ الحديث يتردد قبل 24 ساعة من انطلاق الانتخابات عن شراء الأصوات الانتخابية، وهي عادة غير معروفة من قبل في أفغانستان. وأفادت اللجنة الانتخابية أن أكثر من 10% من مراكز الاقتراع السبعة آلاف قد تبقى مغلقة بسبب انعدام الأمن. وتوقع العديد من الخبراء في الشأن الأفغاني ألا يشارك العديد من الناخبين المقدر في الاقتراع؛ خوفا من الاعتداءات الانتحارية. ويحظى كرزاي بشعبية لا بأس بها، رغم الوضع الأمني المتردي في البلاد، ويقول شمس متك، مدير حملة كرزاي: «كرزاي هو الرجل الوحيد الذي يؤمن الناس به، فقد خدم بلاده، وخدم الناس». وقال احد وزراء كرزاي المقربين منه لـ«الشرق الأوسط»، إن «كرزاي غير محسوب على احد من التيارات الجهادية السابقة، مثل الدكتور عبد الله عبد الله وزير خارجيته الأسبق ومنافسه الشرس المحسوب على «جبهة مللي متحد» التي يترأسها البروفيسور برهان الدين رباني أول رئيس لحكومة المجاهدين». إلا أن مرشح المعارضة عبد الله عبد الله بالمقابل سطع نجمه خلال هذه الانتخابات، حيث إنه داوم على الاجتماع بأنصاره ولقائهم في المنابر العامة. والتقت «الشرق الأوسط» احد كبار مؤيديه، وهو الكوماندر مسلم حياة، الذي خدم من قبل في سفارة الأفغان بالعاصمة كابل كمستشار عسكري، الذي أكد أن عبد الله الطاجيكي كان يلقى بالترحيب الشديد في المقاطعات البشتونية المفترض أنها ستصوت لكرزاي البشتوني. ويضيف: «كانوا يرحبون به ويؤكدون تأييدهم له؛ لأنهم يعرفون انه يسير على درب الشهيد احمد شاه مسعود زعيم التحالف الشمالي، الذي اغتالته القاعدة قبل يومين من هجمات سبتمبر». وستكلف ثاني انتخابات رئاسية مباشرة في تاريخ البلاد نحو 232 مليون دولار، تمولها الدول التي تنشر قوات في أفغانستان، وخصص قسم من الميزانية لتكاليف نقل مستلزمات الاقتراع إلى نحو سبعة آلاف مركز تصويت، يقع بعضها في وديان وعرة المسالك وفي جبال شاهقة ومناطق تعج بالمقاتلين. وأفادت السلطات الانتخابية أن ثلاث مروحيات ونحو ثلاثة آلاف سيارة وثلاثة آلاف حمار وحصان وبغال ستساهم في توزيع ملايين بطاقات الانتخابات. وأكد نور محمد نور، الناطق باسم اللجنة الانتخابية المستقلة «هناك أماكن لا يمكن الوصول إليها بالسيارة، فيتعين علينا إذن استخدام حمير أو أحصنة لتوزيع المستلزمات». وقالت السلطات إن أكثر من 10% من مراكز الاقتراع قد تبقى مغلقة بسبب انعدام الأمن. وقال ضابط رفيع في الجيش الأفغاني، طلب عدم ذكر اسمه، إن في المناطق التي يعج فيها المقاتلون «من المحتمل جدا ألا تجري الانتخابات». وتقع معظم تلك المناطق في الجنوب، حيث ينشط المتمردون وتشن القوات الأفغانية والأجنبية منذ أسابيع عمليات لإرساء الأمن على الأرض. وانتشر نحو 200 ألف مراقب بينهم عشرات الأجانب (لا سيما 67 من الاتحاد الأوروبي) في البلاد لمراقبة سير الاقتراع.

لكن هنا أيضا يعقد انعدام الأمن وتضاريس الأرض المهمة. وأوضح الكاتب الأفغاني ناصر خالد انه «قد يحدث شيئان عندما لا يمكنك الوصول إلى الأماكن المعزولة أو غير الآمنة. إما أن يحرم الناس من التصويت أو تقع عمليات تزوير. وعندما لا يكون هناك احد للتحقق من ذلك فان كل شيء قد يحدث».