الإرهاب.. يبدل دور عملاء في مكتب التحقيقات الفيدرالي

عميل: نطارد أشباحا.. لكن ذلك أفضل من أن تفاجأ لاحقا أنك تركت أمرا مهما يمر

TT

جاءت الأنباء الشهر الماضي مثيرة للفزع: حيث اختفت اسطوانة بها 55 غالونا من المواد الإشعاعية أثناء شحنها من كارولينا الشمالية إلى كاليفورنيا. الأسوأ من ذلك، أن الشخص الذي وقع أوراق الشحنة لم يكن موظفا لدى الشركة التي طلبت الحصول على الحمولة. وعليه، عزز مكتب التحقيقات الفيدرالي جهوده، حيث عمد إلى استشارة مسؤولي هيئة الصحة واستجواب المتخصصين بمجال الإشعاع واقتفاء أثر سائق الشاحنة الذي أسقط المواد، التي يمكن استغلالها في صنع قنبلة إشعاعية تستخدم فيما بعد في شن هجوم. بعد 3 ساعات، عثر المسؤول عن نقل الشحنة على الاسطوانة ـ كانت ما تزال موجودة على رصيف ميناء مخصص لتحميل البضائع على بعد 20 ميلا من الوجهة التي كانت تقصدها في لوس أنجليس ـ حيث جرى الخلط بينها وبين شحنة مشابهة كانت مرسلة إلى شركة مغايرة في اليوم ذاته. بالنسبة للفريق التابع لمكتب التحقيقات الفيدرالي الموجود هنا والمسؤول عن تفحص المعلومات والتهديدات المرتبطة بنشاطات إرهابية محتملة، لم يعد الأمر مجرد إنذار كاذب في إطار عمل يتسم في جزء كبير منه بمعلومات خادعة وزائفة. في هذا السياق، قال لي آن بيرناردينو، عميل خاص لدى مكتب التحقيقات الفيدرالي منذ 20 عاما وتولى مسؤولية التعامل مع هذه القضية: «في الكثير من الوقت، نطارد مجرد أشباح، لكن ذلك أفضل من أن تفاجأ لاحقا أنك تركت أمرا مهما يمر دون ملاحظة». وقد تمكنا من قضاء يومين مع فرقة مكافحة التهديدات التي ينتمي إليها بيرناردينو والمؤلفة من 21 عضوا، والمعروفة باسم «فرقة مكافحة الإرهاب 6»، مما وفر لنا فرصة نادرة للتعرف على النشاطات اليومية لمكتب التحقيقات الفيدرالي الذي شهد تحولا في أعقاب هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001. حاليا، يعد المكتب محاربة الإرهاب الأولوية الأولى أمامه. وقد ضاعف المكتب عدد عملاءه الموكل إليهم مهام على صلة بمكافحة الإرهاب، حيث وصلوا إلى قرابة 5.000 شخص. علاوة على ذلك، استحدث مكتب التحقيقات الفيدرالي فرقا جديدة عبر مختلف أرجاء البلاد تولي مزيدا من الاهتمام إلى ردع وإعاقة الإرهاب عن حل الألغاز المحيطة بالجرائم. بيد أن التكاليف البشرية المترتبة على هذا التركيز باهظة، وليست الفوائد واضحة دوما. من بين الـ5.500 معلومة التي تتبعت الفرقة خيوطها منذ إنشائها منذ 5 أعوام ماضية، اتضح أن 5% فقط منها تحمل أهمية كافية لإرسالها إلى الفرق الدائمة التابعة لمكتب التحقيقات الفيدرالي بهدف إجراء تحقيقات أطول أمدا بشأنها، حسبما أوضح العميل الخاص الإشرافي، كريستين فون كلينسميد، رئيس الفرقة. ولم تتمخض سوى حفنة من تلك القضايا عن محاكمات جنائية أو إجراءات أخرى على صلة بفرض القانون، ولم ينجح أي منها في إحباط مخطط إرهابي محدد، حسبما اعترفت السلطات. في إطار الجدال الأوسع حيال التحول الذي طرأ على مكتب التحقيقات الفيدرالي، يثير بعض الخبراء بمجال مكافحة الإرهاب التساؤلات حول قيمة فرق التصدي للتهديدات ـ التي توجد كذلك في واشنطن ونيويورك وبضعة مدن أخرى. في هذا الصدد، قالت آمي زيغارت، الأستاذة بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس، ولها الكثير من الكتابات حول القضايا الاستخباراتية: «مجرد اقتفاء خيوط المعلومات يستهلك الموارد بشدة. إلا أننا سنحصل على قيمة حقيقية مقابل المال الذي نقدمه إذا ما اقتفينا أثر المعلومات بناء على تقييم أعمق لحقيقة مصادر التهديد بالنسبة لنا وقدراتها والمؤشرات التي تنذر بهجوم وشيك. الآن، تبذل جهود أكبر بمجال المطاردة عنها بمجال التقييم». من جهته، اعترف مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، روبرت إس. مولر، بالثمن الكبير الذي يتكبده مكتب التحقيقات الفيدرالي جراء تحول أدوار العملاء باتجاه مهام مكافحة الإرهاب والمهام الاستخباراتية، حيث أشار إلى أنها تأتي على حساب الموارد الموجهة إلى مكافحة جرائم الاحتيال المالية وعلى مستوى الشركات، والحرب ضد المخدرات في المكسيك. جدير بالذكر أن حوالي 40% من عملاء المكتب موجهون إلى محاربة الإرهاب. وتعتبر فرقة مكافحة التهديدات الموجودة هنا مجرد جزء من المكتب الميداني واسع النطاق في لوس أنجليس التابع لمكتب التحقيقات الفيدرالي. وتشير الأرقام المتوافرة إلى أن قرابة 30% من إجمالي العملاء التابعين للمكتب البالغ عددهم 750 عميلا يتناولون قضايا مرتبطة بالإرهاب، بينها قضايا على صلة بـ«القاعدة» و«حماس» والتمويل الإرهابي والمتطرفين المعنيين بحقوق الحيوان. من جانبهم، أشار عملاء فيدراليون إلى أن الدرس الأكبر المستفاد من هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 يتمثل في ضرورة تفحص جميع التقارير المتعلقة بنشاطات إرهابية محتملة. وأضافوا أن السبيل الأكثر كفاءة للقيام بذلك يكمن في اضطلاع فرقة واحدة بها محققون مدربون على نحو خاص بتقييم المعلومات الواردة، ما يسمح للعملاء الآخرين بالإبقاء على اهتمامهم منصبا على التحقيقات الإرهابية طويلة الأمد. من جهتهم، أكد المسؤولون أن جهود الفرقة أثمرت نتائج مهمة. في مارس (آذار) 2008، على سبيل المثال، صدر حكم بالسجن لمدة 41 شهرا ضد سيد مغلوبي، مواطن أميركي ولد بإيران، لتخطيطه لتصدير على نحو غير قانوني 100.000 مسدس رشاش طراز «أوزي» لإيران عبر دبي. وجاء إلقاء القبض عليه بناء على معلومات أدلى بها مخبر يعمل لحساب الشرطة اتصل به مغلوبي بهدف شراء الأسلحة. من ناحيتها، التقطت الفرقة هذا الخيط وعملت على الحصول على المزيد من المعلومات التي أدت في النهاية إلى تنفيذ عملية فيدرالية معقدة ضد مغلوبي. يذكر أن فرقة التصدي للتهديدات أنشئت في مايو (أيار) 2004، بعدما تسببت تهديدات موجهة إلى مراكز التسوق التجاري بويست سايد في لوس أنجليس في تشتيت اهتمام حوالي 100 عميل بعيدا عن تحقيقات أخرى على صلة بمكافحة الإرهاب. وتضطلع الفرقة بمسؤولية الإشراف على سبعة مقاطعات و19 مليون نسمة في كاليفورنيا الجنوبية. يعمل أفراد الفرقة من داخل مبنى إداري كئيب هنا على بعد 15 ميلا من جنوب شرقي وسط مدينة لوس أنجليس. ويعمد المحققون إلى تمحيص المعلومات التي ترد إليهم من قبل العامة أو التي يمررها إليهم أحد المراكز الاستخباراتية الإقليمية. ويحرص العملاء على تفحص قواعد البيانات وإجراء مقابلات ميدانية قبل إصدار قرار بشأن ما إذا كان ينبغي اتخاذ إجراءات بشأن قضية ما على الفور، أو نقلها إلى فرقة أخرى تابعة لمكتب التحقيقات الفيدرالي أو تحويلها إلى وكالة أخرى تعنى بفرض القانون. في هذا السياق، قال فرانك ليال، 29 عاما، مخبرا لدى مكتب عمدة مقاطعة لوس أنجليس يتولى مهمة العمل مع فرقة مكافحة التهديدات، بجانب محققين من 10 وكالات محلية وفيدرالية أخرى: «لا بد وأن يخرج شخص ما ويقرع الأبواب، ذلك أن أحدا لا يرغب في تحول واحدة من تلك الخيوط إلى خطر حقيقي».

* خدمة «نيويورك تايمز»