عمال الإغاثة.. هدف يغري الإرهابيين

الأمم المتحدة تحتفل للمرة الأولى باليوم الإنساني العالمي في الذكرى السادسة لتفجير فندق القناة في بغداد

TT

كان فرناندو هيسي جالسا خلف مكتبه في فندق القناة في بغداد، يفلفش بين رسائله الالكترونية بهدوء، يرد على الطارئ منها لتنسيق المساعدات التي ترسلها الأمم المتحدة إلى العراقيين. كانت الساعة تقارب الرابعة والنصف من بعد ظهر ذلك اليوم الذي لن ينساه فرناندو طيلة حياته. يقول عندما يتذكر التفجير الذي وقع في مثل يوم أمس قبل 6 سنوات، في الفندق الذي تتخذه الأمم المتحدة مقرا لها في بغداد منذ عام 1991: «حدث الأمر بسرعة كبيرة.. لم نكن نعرف ما الذي حدث». اهتز المبنى فجأة وبدأ كل شيء ينهار.. زجاج الشبابيك خلفه والأسقف والحيطان كانت تنهار من كل مكان. «تكسرت النوافذ خلفي وأصابتني بجروح في رأسي لا زالت آثارها بادية حتى اليوم.. رميت بنفسي تحت المكتب وكنت اسمع كل شيء ينهار.. كان الأمر جنونيا، لا أتذكر تفاصيل ولكن الأمر أشبه بعتمة ثم موجة من الغبار تدخل الغرفة». فرناندو (42 عاما) وهو من البيرو، كان محظوظا في ذلك اليوم الذي قتل فيه 22 آخرون من زملائه، عمال الإغاثة في الأمم المتحدة. فمكتبه كان في الطابق الأرضي للمبنى، وفي الجهة الأخرى من تلك التي وقع فيها التفجير. قال لـ«الشرق الأوسط» إنه كان من أوائل الذين خرجوا من المبنى عبر النوافذ التي تكسر زجاجها.. وكان يساعد الجرحى الذين راحوا يخرجون من الفندق واحدا تلو الآخر. كان ذلك اليوم يوما مأساويا في تاريخ عمال الإغاثة. وبات حينها واضحا أن شعار الأمم المتحدة الأزرق والأبيض والذي يحمل السنبلة رمز السلام، صار يغري الإرهابيين. هذه السنة، احتفلت الأمم المتحدة للمرة الأولى، باليوم الإنساني العالمي لتتذكر المخاطر التي يواجهها عمال الإغاثة الإنسانية أثناء تنفيذ مهامهم في مناطق الصراع. وقد اختارت لذلك يوم 19 من الشهر الجاري، أي يوم أمس، وهو اليوم نفسه الذي حصل فيه الاعتداء على فندق القناة قبل 6 سنوات. ومن بين الأشخاص الذين قتلوا في الاعتداء، سيرجيو فيرا دي ميلو المبعوث الخاص للأمم المتحدة لدى العراق والمفوض السامي السابق لحقوق الإنسان. وفي هذه الذكرى، قال المفوض السامي الحالي في الأمم المتحدة نافي بيلاي «قتل هؤلاء الذين يحاولون مساعدة الآخرين هو بالأخص جريمة حقيرة يتعين أن توحد جميع الحكومات صفوفها لمنعها». ترك هذا الاعتداء أثرا كبيرا على عمال الإغاثة في العالم، وجعل كثيرين مثل فرناندو يتساءلون: «لماذا يتم الاعتداء علينا؟». يتذكر فرناندو حادث اعتداء تعرضت له إحدى العاملات في مجال الإغاثة في تشاد حيث عمل لفترة بعد مغادرته بغداد. تعرضت لطلق ناري عندما كانت في الحقول، وكانت على وشك أن تخسر حياتها. يقول إن الحوادث الأليمة التي تتكرر في عمله، تتركه يتساءل: «لماذا نستهدف؟ نحن لا نؤذي أحدا، ما نفعله هو مساعدة الآخرين». أصبح استهداف عمال الإغاثة في المناطق التي تعاني من نسبة مرتفعة من العنف، وخصوصا من قبل المتطرفين، يتكرر بشكل دائم. ولم يعد الجنود الدوليون التابعون للأمم المتحدة، هم فقط معرضون للتفجيرات الإرهابية. ففي العام الماضي قتل 122 عامل إغاثة حول العالم، وهو عدد أكبر من عدد القتلى في صفوف قوات حفظ السلام الدولية التابعة للأمم المتحدة. يقول سيد فواد حسين، وهو عامل إغاثة في باكستان يبلغ من العمر 32 عاما، لـ«الشرق الأوسط»، إن التحرك في المركبات التابعة للأمم المتحدة بات يشكل تحدياّ. حسين الذي بدأ عمله في مجال الإغاثة في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2005، بعد الزلزال المدمر الذي ضرب باكستان وأدى إلى مقتل أكثر من 20 ألف شخص، يقول إن الوضع الأمني هو الصعوبة الكبرى التي تواجه عمال الإغاثة في باكستان اليوم. يعمل حسين اليوم في بيشاور ضمن برنامج لمساعدة اللاجئين داخل باكستان الذين يبلغ عددهم أكثر من 2.3 ملايين نازح، بعد أن ضربت السيول والفيضانات المخيمات التي يعيشون فيها. لكن الخوف من التعرض لاعتداء انتحاري، يلاحقه. يروي حسين أنه قبل بضعة أشهر خسر 5 من زملائه في تفجير انتحاري في بيشاور، ومؤخرا أطلق النار على زميل له وهو ينتظر في المخيم. يقول إن هذه الاعتداءات تجعله يدرك المخاطر التي يواجهها في عمله. «أنا في خطر في أي وقت.. كلما تحركنا في موكب تابع لمؤسسة دولية في باكستان، نكون هدفا بغض النظر عما إذا كان الركاب داخل السيارة باكستانيين أم لا.. يعتبرون أن المؤسسات الدولية لديها أجندة»، يقول حسين وهو متزوج ولديه ابن يبلغ عامين من العمر، وطفلة تبلغ خمس سنوات. وهكذا تحول عمل حسين، وعمال الإغاثة الدوليين الآخرين في باكستان، خصوصا أولئك العاملين في الشريط القبلي الذي يسيطر عليه طالبان، إلى عمل إغاثة... يسبقها تسويقا للإغاثة. يقول: «علينا أن نذهب ونروج لما نريد أن نقوم به قبل أن نبدأ عملنا، ونفسر أن هذه المساعدات لا تأتي مع أجندة دولية، بل نحن فقط هنا للمساعدة». حسين وفرناندو كلاهما يقولان إن تلك التحديات الأمنية التي يواجهانها بشكل شبه يومي، تجعلهما أكثر وعيا للمخاطر المحيطة بهما، رغم أنهما لم يفكرا حين انضما إلى فرق الإغاثة أن الخطر الأمني سيكون واحدا من أهم التحديات التي سيواجهانها في عملهما. يقول فرناندو: «هناك أشخاص يحتاجون إلى مساعدة، وعلينا الوصول إليهم، رغم أن النقص في الموارد البشرية واللوجيستية أحيانا يحد من عملنا.. والأمر الوحيد الذي تغير بعد تفجير الفندق في بغداد أنني أصبحت أكثر وعيا للمخاطر التي نواجهها».