المقرحي نقل إلى ليبيا مرفوقا بنجل القذافي.. وأميركا «تأسف» لإطلاقه

وزير العدل الاسكوتلندي: إطلاقه كان قراري وقراري لوحدي * بعض عائلات ضحايا لوكربي تحتج

المقرحي يغادر سيارة الشرطة في مطار غلاسكو استعدادا لركوب الطائرة التي نقلته إلى ليبيا أمس (أ.ب)
TT

غادر المواطن الليبي عبد الباسط المقرحي، المدان في قضية لوكربي، اسكوتلندا باتجاه بلده، أمس، بعدما أفرجت عنه الحكومة الاسكوتلندية لأسباب إنسانية، وذلك رغم المعارضة الأميركية لهذه الخطوة. ومباشرة بعد إعلان وزير العدل الاسكوتلندي كيني ماك اسكيل قرار الإفراج عن المقرحي، تم نقل سجين لوكربي، إلى مطار غلاسكو حيث كانت طائرة ليبية تنتظره ونقلته مباشرة إلى وطنه ليبيا عشية حلول شهر رمضان.

واتخذ وزير العدل الاسكوتلندي قراره بشأن المقرحي بعد دراسته لطلبين؛ أولهما يتعلق بالإفراج عن سجين لوكربي تطبيقا لاتفاقية تبادل السجناء الموقعة بين لندن وطرابلس، والثاني يتعلق بتطبيق قانون الرأفة الذي يسمح بإطلاق أي سجين يتضح أنه معرض للوفاة في غضون ثلاثة أشهر. واختار الوزير الاسكوتلندي الطريقة الثانية بسبب تعقيدات قانونية في الطريقة الأولى.

ويعاني المقرحي، 57 سنة، المدان الوحيد بقتل 270 شخصا في انفجار طائرة «بانام أميركان» فوق بلدة لوكربي في 21 ديسمبر (كانون الأول) 1988، من مراحل متقدمة من سرطان البروستاتا. وأكد الأطباء أنه لن يعيش أكثر من ثلاثة أشهر. وأعلن وزير العدل الاسكوتلندي كيني ماك اسكيل، أمس، أن بإمكان المقرحي العودة إلى ليبيا ليقضي فيها آخر أيامه لأن القانون الاسكوتلندي ينص على «تطبيق العدالة ولكن كذلك إظهار الرأفة». وأضاف في مؤتمر صحافي أن «الإنسانية والرحمة تأتيان في إطار معتقداتنا التي نسعى لأن نعيش بموجبها، والالتزام بقيمنا كبشر مهما كانت شدة الاستفزازات أو الفظاعة المرتكبة». وقال «إنه قراري، وقراري لوحدي. لقد قمنا بذلك طبقا للإجراءات المطلوبة. أعلم أن البعض لن يوافق» على القرار، مضيفا أنه اتخذ القرار «من دون أي اعتبارات سياسية أو اقتصادية». وأوضح الوزير أن الأطباء أكدوا أن المقرحي لن يعيش أكثر من ثلاثة أشهر، مضيفا أنه أصبح الآن «يواجه عدالة من قوة عليا. إنه يحتضر».

وأثارت هذه الخطوة استنكار الولايات المتحدة، إذ أعلن البيت الأبيض في بيان أمس أن «الولايات المتحدة تأسف بشدة لقرار الحكومة الاسكوتلندية الإفراج عن عبد الباسط محمد المقرحي»، و«في هذا اليوم نود أن نعرب عن تعاطفنا الشديد مع العائلات التي تعيش يوميا معاناة فقدان أحبائها. ونحن ندرك التأثير الدائم لمثل هذه الخسارة على أي أسرة».

كذلك، أكدت مسؤولة في الخارجية الأميركية لـ «الشرق الأوسط»، أمس أن الولايات المتحدة متمسكة بـ«موقفنا الطويل الأمد الذي يفترض أن يكمل (المقرحي) عقوبته الكاملة في اسكوتلندا لدوره في تفجير رحلة «بان ام 103». واعتبرت أن «إطلاق مقراحي وعودته إلى ليبيا لا يخدم العدالة، ومن الضروري أن تنفذ العدالة من أجل ذكرى ضحايا لوكربي».

وبدا من غير المرجح أن تتخذ الولايات المتحدة إجراءات جديدة في الملف. وقالت المسؤولة الأميركية: «لقد عبرنا عن موقفنا للحكومات المعنية مرارا، لكن قرار إطلاقه يدخل ضمن سلطات الجهاز التنفيذي الاسكوتلندي». وشددت على أن «المملكة المتحدة تبقى شريكا مهما للولايات المتحدة في قضايا عدة مثل جهودنا في أفغانستان وجهودنا لإعادة النمو للاقتصاد العالمي وسنستمر بتواصلنا الفعال معها».

وعارض عدد من أقارب الضحايا، خصوصا الأميركيين منهم، الإفراج عن المقرحي. وقال فرانك دوغان رئيس مجموعة ضحايا طائرة «البان ام» التي تمثل عائلات الضحايا لإذاعة «بي.بي.سي» إنه «حتى لو كان (المقرحي) يحتضر، كان من المقرر أن يمضي بقية حياته في سجن في اسكوتلندا، ولكنه عائد إلى ليبيا». كذلك، قالت باميلا ديكس التي قتل شقيقها بيتر في الحادث «هذا وقت عصيب للغاية بالنسبة لنا. قد يكون السيد المقرحي مذنبا وقد لا يكون. فكرة الإفراج عنه لأسباب إنسانية يصعب تصورها إذا كان رجلا مذنبا فعلا. وإذا كان بريئا ما كان يتعين أن يكون في السجن من البداية». وتابعت باميلا ديكس في مقابلة أجرتها معها «رويترز» في منزلها في ووكنغ بإنجلترا: «أنا متفائلة أننا في نهاية المطاف سنتوصل إلى الحقيقة كاملة فيما حدث. مضى نحو 21 عاما على التفجير ولكننا ما زلنا نصر بقوة على السعي من أجل الحقيقة وتحقيق العدالة لأولئك الذي قتلوا وتحقيق العدالة لنا أيضا».

وفي الولايات المتحدة قال بيرت أمرمان، الذي فقد شقيقه توم أمرمان في التفجير، إن هؤلاء الضحايا وأحباءهم حرموا من العدالة. وأضاف أمرمان: «من السخف أن تستطيع الإفراج عن قاتل مدان بقتل 270 شخصا لدوافع إنسانية. لقد حصل على حقه الإنساني عندما أبقوا على حياته (واكتفوا بسجنه مدى الحياة). يتعين أن يمضي 20 عاما في السجن. ولكن هذا لن يتم». وعبر أمرمان عن خيبة أمله في أسلوب تعامل الإدارة الأميركية مع القضية، وقال إنه كان يتعين على وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون فعل المزيد. لكن أسر الكثير من البريطانيين الذين قتلوا في التفجير أيدوا الإفراج عن المقرحي والسماح له بالعودة لوطنه ليموت هناك. ويقول البعض أيضا إن الأدلة التي قدمت في محاكمته ضعيفة بدرجة لا تسمح بإدانته.

وتردد أن أحد أنجال الزعيم الليبي معمر القذافي رافق المقرحي في رحلته الجوية من اسكوتلندا إلى ليبيا أمس. وكانت صحيفة «التايمز» البريطانية قالت مسبقا إن القذافي سيرسل طائرته الخاصة إلى اسكوتلندا لتقل المقرحي. وجاء قرار الإفراج عن المقرحي وسط تحسن العلاقات بين ليبيا وبريطانيا. وتملك ليبيا أكبر مخزون من النفط في أفريقيا. إلا أن معظم كميات النفط لا تزال غير مستغلة ووقعت كبرى شركات النفط البريطانية ومن بينها «بي.بي» و«شل» عددا من اتفاقات التنقيب الكبرى في البلاد خلال السنوات الأخيرة. وصرح سعد جابر، المحامي الذي عمل مع الحكومة الليبية على قضية المقرحي، أن قرار الإفراج سيعزز بشكل كبير العلاقات بين بريطانيا والعالم العربي بكامله. وأضاف «اطمئنوا إلى أن الحكومة (الاسكوتلندية) قدمت للحكومة البريطانية خدمة عظيمة. بريطانيا واسكوتلندا ستكبران في عيون الدول العربية».

وكان حكم على المقرحي بالسجن المؤبد بعد أن أدين بتفجير طائرة «البان إم». وكانت ليبيا قد سلمته مع مواطنه الآخر، أمين خليفة فحيمة لمحاكمتهما بعد سنوات من الخلاف الدبلوماسي. وأدين الاثنان في البداية العام 1991 بعد تحقيق أجرته الشرطة البريطانية والأميركية، لكن فحيمة برئ لاحقا. وكان المقرحي يعمل رئيسا لأمن الطيران في الخطوط الجوية الليبية في مالطا وقت الهجوم. إلا أن محققين أميركيين قالوا إن عمله هذا هو غطاء لعمله في جهاز سري ليبي.