الانتخابات الأفغانية: إقبال ضعيف على صناديق الاقتراع.. وسلسلة هجمات تهز البلاد

كرزاي يهنئ الشعب على تحديه الصواريخ والتصويت.. وأمين عام الناتو يعتبر اليوم مشجعا

أحد موظفي الانتخابات في أفغانستان يعد الأصوات في هيرات (أ.ف.ب)
TT

أدل الناخبون الأفغان أمس بأصواتهم في ثاني انتخابات رئاسية تشهدها البلاد منذ سقوط نظام طالبان، وبدأ عد الأصوات فور إقفال الصناديق في الساعة الرابعة بالتوقيت المحلي. إلا أنه رغم ذلك فإن نتائج الفرز لن تبدأ بالظهور قبل يومين في الأقل. وفي وقت شهدت فيه صناديق الاقتراع إقبالا خفيفا من قبل المواطنين خوفا من الاعتداءات الإرهابية التي كانت طالبان قد هددت بتنفيذها ضدهم، هزت البلاد سلسلة من الهجمات أدت إلى مقتل 9 مدنيين وتسعة من رجال الشرطة وخمسة جنود في الأقل، بحسب مسؤولين في الحكومة. وخلال جولة قامت بها «الشرق الأوسط» في أنحاء العاصمة كابل مع فتح صناديق الاقتراع في السابعة صباحا، كان الإقبال ضعيفا على معظم مراكز الاقتراع، وحركة المرور خفيفة، في حين شهدت العاصمة إجراءات أمنية مكثفة، وتفتيش للمواطنين وتوقيف عشوائي للسيارات. وخارج مركزي مكاريون وأفغانن (يعني القرية الأفغانية)، بالقرب من مقر وزارة المعارف، كان الوجود الأمني غير مسبوق. وراح رجال الأمن يمارسون تضييقا على ممثلي الإعلام ولم يسمح لبعضهم بالتقاط صور. ووجهت انتقادات إلى الحكومة الأفغانية بسبب فرضها تعتيما على تناول وسائل الإعلام لأحداث العنف يوم الانتخابات بهدف عدم صرف الناخبين عن المشاركة في الانتخابات. وقال بعض الصحافيين إنهم تعرضوا لمضايقات وضرب من طرف قوات الأمن. ومنعت «الشرق الأوسط» من التصوير خارج مركز مكاريون بوسط العاصمة. ودعت الأمم المتحدة إلى رفع الحظر على وسائل الإعلام، قائلة إن الدستور الأفغاني يضمن حرية الصحافة. وكانت الحكومة الأفغانية أعلنت أنها ستغلق أي وسيلة إعلام تنشر تقارير عن هجمات في البلاد خلال الانتخابات، مرجعة القرار إلى «الرغبة في حصول مشاركة واسعة» من قبل كافة أبناء الشعب الأفغاني. وقال بيان لوزارة الخارجية الأفغانية: «إذا قامت أي وسيلة إعلامية محلية بنقل أو تغطية أخبار حول تحركات أو نشاطات للإرهابيين، فإنها ستعاقب بالإغلاق، في حين سيصار إلى طرد الإعلاميين الأجانب الذين يقومون بهذه التغطية خارج البلاد». وشارك في حماية مراكز الاقتراع وتأمين الناخبين البالغ عددهم 17 مليون ناخب مسجل نحو 300 ألف من أفراد قوات الأمن الأفغانية والأجنبية التابعة لقوة المساعدة في إرساء الأمن بأفغانستان (إيساف). وقال رجل الأعمال نقيب الله خارج مركز مكاريون الانتخابي لـ«الشرق الأوسط»: «هذه ثاني مرة أصوت فيها، إنها الطريقة الوحيدة لإحداث تغيير في البلد». وقلل من تأثير تهديدات طالبان على إقبال المواطنين داخل العاصمة كابل. وقال الكوماندر مسلم حياة لـ«الشرق الأوسط»، انه صوت لوزير الخارجية الأسبق عبد الله في مركز مكاريون وجرت عملية التصويت بهدوء وسلاسة، وهناك إقبال على عملية الانتخابات في الصباح الباكر. واختار الناخبون الأفغان في اقتراع الأمس رئيسا للبلاد من بين أكثر من ثلاثين مرشحا، إضافة إلى اختيارهم 420 عضوا بالمجالس المحلية في أقاليم أفغانستان البالغ عددها 34. وكان الرئيس الأفغاني حميد كرزاي ومنافسه الأبرز زعيم المعارضة الدكتور عبد الله عبد الله من بين أول من أدلوا بأصواتهم في هذه الانتخابات التي يُفترض أن يشارك فيها نحو17 مليون ناخب أفغاني في ستة آلاف مركز اقتراع. وشكر كرزاي الشعب الأفغاني على تحديه تهديدات المتمردين والمشاركة في الانتخابات، واصفا اليوم بأنه «يوم جيد» للبلاد. وردا على سؤال حول ما إذا كان انخفاض نسبة المشاركة في انتخابات الرئاسة والمجالس المحلية سيقوض شرعية الانتخابات، أجاب كرزاي «لا». وقال في مؤتمر صحافي عند انتهاء عملية الاقتراع «لقد تحدى الشعب الأفغاني الصواريخ والقنابل والتهديدات، وخرج للتصويت. سنرى كيف كانت المشاركة. ولكنهم خرجوا للتصويت وهذا عظيم».

ووقعت هجمات متفرقة على البلدات الأفغانية صباح أمس في الوقت الذي بدأ فيه ملايين الناخبين الأفغان منذ الساعة السابعة صباحا الإدلاء بأصواتهم. وشن مسلحي طالبان مجموعة من الهجمات بهدف تعطيل مجرى الانتخابات التي ترشح لها الرئيس الحالي المنتهية ولايته، حميد كرزاي، على أمل الفوز بولاية رئاسية ثانية. وانسحب خمسة من المرشحين البالغ عددهم 41 بينهم امرأتان عشية الانتخابات لصالح كرزاي. وقد حذرت طالبان المواطنين من التوجه إلى صناديق الاقتراع، وقال المتحدث باسم الحركة ذبيح الله مجاهد إنها أغلقت الطرق في وجه حركة المرور من صباح الأربعاء وحتى نهاية أمس. وتوعد من يتوجه للتصويت بأن «يتحمل مسؤوليته في حال تعرضه لأي أذى» مهددا بشن هجمات على مراكز الاقتراع. غير أن المتحدث باسم وزارة الدفاع الأفغانية الجنرال ظاهر عظيمي قلل من شأن تهديدات طالبان، وقال إن هناك نحو ثلاثمائة ألف عنصر من القوات الأفغانية والدولية على أهبة الاستعداد لتأمين الانتخابات. وأكد أن قواته تسيطر على كل الشوارع والطرق السريعة، وتوفر لها الحماية بواسطة القوات البرية والجوية. وأغلقت المحال التجارية والمكاتب أبوابها ونظمت دوريات إضافية للشرطة لتفتيش السيارات في شوارع كابل, والمدينة بالليل أشبه بمدينة أشباح . وأغلقت مراكز الاقتراع التي يبلغ عددها نحو 7 آلاف، في الساعة الرابعة بعد الظهر. لكن ليس من الواضح كم من هذه المراكز باشر عمله، في ظل المخاوف الأمنية المتزايدة. وعلى الرغم من ذلك، فقد وصف الأمين العام لحلف شمال الأطلسي اندرس فوغ راسموسن سير الانتخابات في أفغانستان بأنه «مشجع» وذلك خلال مؤتمر صحافي في أيسلندا. وقال راسموسن في ريكيافيك إن «التقارير الأولية مشجعة. كان عدد مكاتب الاقتراع التي فنحت أبوابها اكبر مما كنا نتوقع. وهذا دليل واضح على أن الشعب الأفغاني يريد الديمقراطية والحرية ويرفض الإرهاب».

وأضاف معلقا على أعمال العنف «سجلت حوادث كما كان متوقعا». وأضاف «لكن الشعب الأفغاني يشارك في الاقتراع وهذا أمر مشجع» في وقت كانت اللجنة الانتخابية الأفغانية تعلن إغلاق مكاتب الاقتراع. وتظهر المؤشرات الأولية أن كرزاي هو المرشح الأوفر حظا بالفوز، في انتخابات جاءت في وقت منعت فيه الحكومة تغطية حوادث العنف التي تحدث في البلاد مخافة أن تثني الناس عن التصويت. وصوت الوزراء وكبار رجال الدولة في مدرسة أماني بوسط العاصمة، وهي مدرسة محاطة بإجراءات أمنية غير مسبوقة، بحسب احد كبار رجال حكومة كرزاي في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط».

ومن أبرز المرشحين أيضاً أشرف غاني أحمدزي، مسؤول البنك الدولي السابق الذي شغل منصب وزير الخارجية من 2002 إلى 2004. إضافة إلى رمضان بشردوست وزير التخطيط السابق، والملا عبد السلام روكتي القائد السابق في حركة طالبان وعضو في البرلمان الحالي، بالإضافة إلى الاقتصادي والسياسي البارز هدايت أمين أرسالا الذي كان وزيرا للخارجية بداية تسعينيات القرن الماضي (انسحب لصالح كرزاي أول من أمس) ، فضلاً عن امرأتين: إحداهما هي الجراحة فوروزان فانا التي كان زوجها وزيرا في حكومة كرزاي واغتيل عام 2002.

وقد تسارعت حدة الهجمات في العاصمة كابل خلال الأيام التي سبقت الانتخابات، منهية شهورا من الهدوء النسبي في بلد يلفه العنف منذ سقوط الحركة الأصولية نهاية عام 2001. ويصعب التنبؤ بنتيجة هذه الانتخابات، لكن خبراء في الشأن الأفغاني قالوا إن وجود أعداد كبيرة من المقترعين في مراكز الاقتراع سيساعد في تهميش حركة طالبان، التي حكمت البلاد من عام 1996 إلى عام 2001، وتعهدت بتعطيل عملية الانتخاب هذه المرة.

وقالت مصادر الشرطة إن القوات الأفغانية تبادلت إطلاق النار مع ثلاثة أشخاص يشتبه في أنهم «مهاجمون انتحاريون» من حركة طالبان احتلوا مبنى شرق العاصمة كابل. وكان مسلحو طالبان قد أصدروا تهديدات متكررة حثت الناخبين على عدم التصويت، علما بأن أكثر من 25 أفغانيا قتلوا جراء تفجيرات وهجمات خلال اليومين الأخيرين. وفي وقت مبكر، قال مسؤول من الداخلية الأفغانية إن بضعة صواريخ صغيرة سقطت في مدينة قندهار بجنوب أفغانستان، قبيل فتح مراكز الاقتراع، مضيفا إن أربعة أشخاص أصيبوا بجروح. وازدادت وتيرة العنف خلال الأيام الأخيرة إذ قتل، الأربعاء، خمسة موظفين على الأقل يشرفون على تنظيم الانتخابات. وهناك مخاوف من أن بعض الناخبين الأفغان قد يحجمون عن الإدلاء بأصواتهم خشية التعرض لأذى. وكانت طالبان قالت في بيان لها إن 20 مسلحا انتحاريا اتجهوا إلى العاصمة كابل حيث يستعدون لشن هجمات. وتقول استطلاعات الرأي إن الرئيس المنتهية ولايته، كرزاي، الذي ينافس 41 مرشحا سيفوز بنسبة 45 في المائة من الأصوات في حين سيحل منافسه المباشر ووزير خارجيته السابق، عبد الله عبد الله، في المرتبة الثانية بحصوله على نسبة 25 في المائة من أصوات الناخبين. وعبرت الولايات المتحدة عن قلقها من محاولات المسلحين تخويف الناخبين وبث الرعب في نفوسهم. ويشرف على الانتخابات أكثر من 270 ألف مراقب بينهم ألفا مراقب أجنبي، في حين قالت لجنة الانتخابات إنها لا تستطيع فتح مراكز الاقتراع في تسع مناطق لا تخضع لسيطرة الحكومة. وهناك مخاوف بشأن استشراء الفساد، إذ تداولت الأنباء أخبارا عن بيع بطاقات الانتخاب بشكل علني وتقديم مرشحين لرشاوى من أجل كسب أصوات الناخبين.