الاستخبارات الأميركية استعانت برجال أمن خاصين من شركة «بلاك ووتر» لتعقب قادة «القاعدة»

مديرها الجديد يطلع الكونغرس على البرنامج الذي أخفته إدارة بوش طوال 7 سنوات

TT

كشف مسؤولون سابقون وحاليون في الحكومة الأميركية، أن وكالة الاستخبارات الأميركية استأجرت في عام 2004 رجال أمن من شركة الأمن الخاصة «بلاك ووتر» الأميركية في إطار برنامج سري لرصد مواقع واغتيال كبار عملاء «القاعدة». وقد ساعد تنفيذيون من شركة بلاك ووتر - التي أثارت جدلا موسعا حولها نظرا لممارساتها التي كانت تتسم بالعنف في العراق - وكالة الاستخبارات على التخطيط والتدريب والإشراف على البرنامج الذي أنفقت الاستخبارات عدة ملايين من الدولارات عليه، والذي لم ينجح في اعتقال أو اغتيال أي من الإرهابيين المشتبه بهم.

ويقول مسؤولون إن تعاقد الاستخبارات الأميركية مع شركة خارجية لتنفيذ هذا البرنامج كان السبب الرئيسي الذي أزعج ليون بانيتا مدير الاستخبارات، ودفعه للدعوة لعقد اجتماع طارئ في يونيو (حزيران)؛ ويخبر فيه الكونغرس بأن الوكالة قد حجبت تفاصيل البرنامج لمدة سبع سنوات.

ومن غير الواضح ما إذا كانت الاستخبارات الأميركية قد خططت لاستخدام هؤلاء العملاء لكي تعتقل فعليا أو تغتال عملاء «القاعدة» أو للمساعدة فقط على التدريب والإشراف على البرنامج. وقد أوكلت وكالة الاستخبارات الأميركية في السنوات الأخيرة العديد من المهام المهمة، والمثيرة للجدل إلى عملاء من الخارج بما فيها استجواب السجناء. ولكن المسؤولين الحكوميين قالوا إن الاستعانة بعملاء من خارج الوكالة في برامج لها «سلطات مميتة» يثير قلقا حول المساءلات المتعلقة بالعمليات السرية.

ويقول المسؤولون إن الاستخبارات الأميركية لم تبرم عقودا مع شركة «بلاكووتر» للعمل في هذا البرنامج ولكنها حصلت فقط على موافقات فردية من كبار المسؤولين بالشركة بما فيها مؤسس الشركة إريك برينس الضابط السابق بالقوات البحرية الأميركية الخاصة والوريث الوحيد لثروة عائلته. وقد انتهى عمل شركة «بلاكووتر» بالبرنامج قبل عدة سنوات من تولي بانيتا لمنصب مدير الوكالة؛ وقبل ذلك أيضا كان المسؤولون الكبار بالوكالة يتساءلون حول حكمة الاستعانة بعملاء من الخارج في برنامج الاغتيالات المستهدفة.

ويذكر أن شركة «بلاكووتر» التي غيرت اسمها حاليا إلى «إكسي» والتي يقع مقرها في شمال كارولينا قد تلقت الملايين من الدولارات من خلال التعاقدات الحكومية، وتنامى حجمها إلى الدرجة التي قالت فيها إدارة بوش إنها كانت جزءا ضروريا في عملياتها الحربية في العراق.

كما أثارت تلك الشركة جدلا موسعا كذلك عند استخدام موظفيها لحماية الدبلوماسيين الأميركيين في العراق، والذين اتهموا بالاستخدام المفرط للقوة في العديد من الوقائع؛ بما فيها حادثة إطلاق الرصاص في بغداد في 2007 والتي قتل فيها 17 مدنيا. ومنذ ذلك الوقت رفض المسؤولون العراقيون إعطاء الشركة ترخيصا بالعمل داخل العراق. وقد تحدث عدد من المسؤولين الحكوميين الحاليين والسابقين في هذا المقال من دون الإفصاح عن هويتهم نظرا لأنهم يناقشون تفاصيل برنامج ما زال سريا.

وقد رفض بول غيمجليانو، المتحدث الرسمي باسم وكالة الاستخبارات الأميركية، أن يدلي بأي تفاصيل حول ذلك البرنامج الملغى، ولكنه قال إن قرار بانيتا فيما يتعلق ببرنامج الاغتيالات كان «واضحا ومباشرا». ويقول غيمجليانو: «لقد قرر بانيتا أنه يجب إخبار الكونغرس بشأن هذه الجهود وقد فعل ذلك. كما أنه يعرف أن ذلك البرنامج لم يكن ناجحا وبالتالي قد أنهاه».

ولم ترد المتحدثة الرسمية باسم شركة «إكسي» على الاتصالات التي أجريناها للحصول على تعليقها بهذا الصدد. كما رفضت السيناتور ديان فينستاين الديمقراطي من كاليفورنيا والتي تترأس لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ، أن تدلي بأي تفاصيل حول البرنامج، ولكنها أثنت على قرار بانيتا بإخبار الكونغرس قائلة: «من السهل أن تتعاقد مع آخرين لكي يقوموا بالمهام التي لا ترغب في ألا تتحمل مسؤوليتها».

وقد بدأت الاستخبارات الأميركية خلال الصيف الجاري تقييما داخليا لبرنامج الاغتيالات الذي عرضته أخيرا على البيت الأبيض ولجنة الاستخبارات بالكونغرس. ويقول المسؤولون إن التقييم الذي أجروه قد أظهر أن المديرين الذين سبقوا بانيتا لم تكن لديهم قناعة بضرورة إخبار الكونغرس لأن البرنامج لم يكن قد وصل إلى حيز التنفيذ.

وتحقق لجنة الاستخبارات بالكونغرس في الأسباب التي أدت إلى عدم إخبار مشرعي الكونغرس بالبرنامج. ووفقا لمسؤولين حكوميين حاليين وسابقين فإن نائب الرئيس السابق ديك تشيني قد أخبر مسؤولي الاستخبارات الأميركية في عام 2002 بأن الاستخبارات الأميركية ليست ملزمة بإخبار الكونغرس لأن للوكالة سلطة قانونية لاغتيال قيادات تنظيم القاعدة.

ومن جهة أخرى، قال أحد المسؤولين المطلعين على القضية إن بانيتا لم يخبر المشرعين بأنه يعتقد أن الاستخبارات قد خرقت القانون لحجبها تفاصيل البرنامج عن الكونغرس، ولكنه قال إنه يعتقد أن البرنامج قد تجاوز مرحلة التخطيط وأصبح يحتاج إلى تدقيق الكونغرس. وأضاف المسؤول: «من الخطأ أن نعتقد أن برنامجا لمكافحة الإرهاب كان مقتصرا على بعض الخطط البسيطة أو الرسومات على مناديل المائدة بأحد المقاهي. فقد تجاوز الأمر ذلك».

ومن جهة أخرى، قال مسؤولون حكوميون حاليون وسابقون إن جهود الاستخبارات الأميركية لاستخدام الفرق شبه العسكرية لاغتيال عملاء «القاعدة» لم يتمكن من تجاوز الصعوبات اللوجستية، والقانونية، والدبلوماسية منذ البداية. فهذه الجهود كان يديرها «مركز مكافحة الإرهاب» التابع للاستخبارات لأميركية والذي كان يدير عمليات ضد تنظيم القاعدة وغيرها من الشبكات الإرهابية الأخرى.

وفي عام 2002، فازت شركة «بلاكووتر» بعقد سري لتوفير الأمن لمقر الاستخبارات بكابل بأفغانستان، كما حصلت كذلك على العديد من العقود السرية مع الاستخبارات الأميركية، وفقا لما صرح به مسؤولون حاليون وسابقون. وعلى مدار السنين، استعانت شركة «بلاكووتر» بالعديد من كبار المسؤولين السابقين بالاستخبارات الأميركية بما فيها كوفير بلاك الذي كان يدير مركز مكافحة الإرهاب بالاستخبارات الأميركية مباشرة في أعقاب هجمات 11 سبتمبر (أيلول). كما دأب عملاء الاستخبارات الأميركية على استخدام مجمع تدريب الشركة في شمال كارولينا، وهو المجمع الذي يشمل رواقا للتدريب على إطلاق الرصاص مخصصا لتدريب القناصة.

وكان قد صدر أمر تنفيذي من الرئيس غيرالد فورد في عام 1976 يمنع الاستخبارات الأميركية من القيام بعمليات اغتيالات، كرد فعل مباشر للمعلومات التي تشير إلى أن الاستخبارات الأميركية قد حاكت عدة مؤامرات لاغتيال «فيدل كاسترو» رئيس كوبا وغيره من السياسيين الأجانب.

ولكن إدارة الرئيس جورج بوش قد تبنت وجهة النظر التي تفيد بأن اغتيال أعضاء تنظيم القاعدة والتي هي مجموعة إرهابية، شنت هجمات على الولايات المتحدة وتعهدت بشن المزيد، هو أمر مختلف عن قتل جنود الأعداء في المعركة وبالتالي فإن الوكالة غير ملتزمة بقرار منع عمليات الاغتيال. ولكن مسؤولين سابقين بالاستخبارات يقولون إن الاستعانة بعملاء خاصين للمساعدة في تنفيذ عمليات اغتيال أعضاء تنظيم القاعدة، يمثل مخاطرة قانونية ودبلوماسية، كما أن هؤلاء العملاء لن يلقوا نفس الحماية التي يتلقاها الموظفون الحكوميون.

وقد ألمح بعض الديمقراطيين بالكونغرس إلى أن هذا البرنامج لم يكن إلا واحدا من البرامج التي حجبتها إدارة الرئيس بوش عن تدقيق الكونغرس، واستخدموا تلك الواقعة كمبرر للمطالبة بالتدقيق في برامج مكافحة الإرهاب التي أنشئت في عهد الرئيس بوش. ولكن الجمهوريين انتقدوا قرار بانيتا بإلغاء البرنامج قائلين إنه قد أثار زوبعة في فنجان. ويقول النائب بيتر هوكسترا من ولاية ميتشغان، وهو أكبر مسؤول جمهوري في لجنة الاستخبارات بالكونغرس: «أعتقد أن الأمر أصبح أكثر درامية مما ينبغي وتآمريا أكثر من الضروري».

ويقول المسؤولون إن برنامج الاستخبارات نشأ كبديل عن الهجمات الصاروخية باستخدام طيارات درون بدون طيار والتي كانت تتسبب في مقتل العديد من المدنيين، كما أنه من غير الممكن استخدامها في المناطق المدنية التي يختبئ بها الإرهابيون. وحتى الآن، فإنه يعتقد أن كبار قيادات تنظيم القاعدة يتخذون من الجبال المنعزلة في باكستان مخبأ لهم، وبالتالي فإن طائرات الدرون ما زالت هي السلاح الأمثل للاستخبارات الأميركية. ومثل إدارة بوش، رحبت إدارة الرئيس أوباما بالحملة التي شنتها طائرات الدرون لأنها تمثل خيارا ينضوي على قدر أقل من المخاطرة من إرسال الفرق شبه العسكرية إلى باكستان.

* خدمة «نيويورك تايمز»