المقرحي يلقى استقبال الأبطال في ليبيا وسط استياء بريطاني.. وواشنطن تطالب بالإقامة الجبرية له

سيف الإسلام يصف موقف حكومتي بريطانيا واسكتلندا بالشجاع.. والمقرحي يؤكد براءته

المقرحي يرتدي بزة سوداء لدى وصوله إلى ليبيا مع سيف الإسلام القذافي نجل الزعيم الليبي أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

لقي عبد الباسط المقرحي الذي كان يمضي عقوبة بالسجن في اسكتلندا إثر إدانته بالتورط في اعتداء لوكيربي وأفرج عنه الخميس، استقبال الأبطال في بلده ليبيا التي دعتها واشنطن إلى فرض الإقامة الجبرية عليه.

وحطت الطائرة التي استأجرتها ليبيا لنقل المقرحي عند الساعة 18:30 تغ في مطار طرابلس أول من أمس. وخرج المقرحي الذي كان يرتدي بزة سوداء من الطائرة مع سيف الإسلام القذافي نجل الزعيم الليبي الذي كان يمسك بيده. وقد استقبلهما مئات الأشخاص الذين كانوا يرفعون أعلاما ليبية واسكتلندية، بينما بثت مكبرات الصوت النشيد الوطني.

وقبيل وصول المقرحي، دعت الولايات المتحدة التي كانت قد رأت أن إطلاق سراح المقرحي خطأ، ليبيا إلى عدم استقباله استقبال الأبطال.

وعبر المقرحي في بيان تلاه محاميه عن «ارتياحه» لمغادرته السجن وواصل تأكيد براءته معتبرا أن إدانته أمر «معيب». وقال المقرحي إن «هذه المحنة المرعبة لن تنتهي بعودتي إلى ليبيا. وقد لا تنتهي قبل موتي. ربما الموت هو السبيل الوحيد لحريتي».

ومن جهته، أكد سيف الإسلام القذافي أن «الشعب الليبي لن ينسى الموقف الشجاع لحكومتي بريطانيا واسكتلندا». وقال في بيان إن «الصداقة بيننا ستتعزز إلى الأبد وصفحة الماضي السيئة قد صارت خلفنا وطويت». وأضاف «أتوجه إلى أسر الضحايا بالقول إنه على الرغم من تنازل المقرحي عن الاستئناف إلا أن ذلك لا يخفي أن هناك الكثير من الأدلة والمعطيات والحقائق الجديدة التي تؤكد براءته والتي يمكن أن يتم التوصل إليها يوما ما».

وعبر الرئيس الأميركي باراك أوباما عن رغبته في أن تضع ليبيا المقرحي في الإقامة الجبرية. وقال أوباما «نحن على اتصال بالحكومة الليبية ونريد التأكد من أن المقرحي لن يلقى استقبالا حارا بل سيوضع في الإقامة الجبرية». وأضاف «كنا على اتصال مع الحكومة الاسكتلندية لنبلغها معارضتنا ونعتقد أنه (قرار الإفراج عن المقرحي) خطأ».

وكان المتحدث باسم الخارجية الأميركية فيليب كراولي أعلن «قلنا بشكل واضح جدا للمسؤولين الليبيين إنه لا يستحق أن يلقى استقبال الأبطال». وأضاف كرولي «سنراقب الوضع عن كثب لمعرفة كيف ستتصرف ليبيا» موضحا أن هذا الأمر «يمكن أن يؤثر على علاقاتنا في المستقبل». وتابع المتحدث الأميركي أن الزعيم الليبي «يسعى كما يبدو إلى بناء علاقات أفضل مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، وإذا كان يريد أن ينظر إليه على أنه زعيم مسؤول في المنطقة وأبعد من المنطقة، فالفرصة الآن متاحة له ليثبت ذلك».

ولم تخف عائلات الضحايا الأميركيين غضبتها. وقالت سوزان كوهين التي قتلت ابنتها البالغة من العمر 20 عاما في التفجير «إنها فضيحة وكان على الولايات المتحدة ممارسة مزيد من الضغوط».

ويشكل الإفراج عن المقرحي مرحلة جديدة في تحسن العلاقات بين ليبيا والغرب الذي تسارع منذ تخلي طرابلس عن أسلحة الدمار الشامل في 2003 ودفع تعويضات لعائلات ضحايا الاعتداء.ويذكر خبراء أيضا أن ليبيا تملك واحدا من أكبر الاحتياطات النفطية المثبتة في أفريقيا وبأن عقود تنقيب مهمة وقعت مع شركات بريطانية.

ورحبت جامعة الدول العربية بالإفراج عن المقرحي. وقال نائب الأمين العام للجامعة السفير أحمد حلي في تصريح للصحافيين «نرحب بقرار الإفراج عن المقرحي والذي راعى الحالة الإنسانية والصحية التي يمر بها».

ومن جهته، قال وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند أمس إن لندن «تشعر بالقلق والانزعاج» من استقبال الليبي عبد الباسط علي محمد المقرحي المدان بتنفيذ اعتداء لوكيربي، في ليبيا استقبال الأبطال. وقال ميليباند لمحطة «بي بي سي» التلفزيونية «بالتأكيد فإن استقبال شخص ارتكب قتلا جماعيا كبطل في طرابلس، يثير القلق والانزعاج» وخصوصا لعائلات ضحايا الاعتداء الذي أودى بحياة 270 شخصا.

وحذر ميليباند من أن المعاملة التي لقيها المقرحي، قد يكون لها نتائج خطيرة على العلاقات مع بريطانيا.

وقال «من المهم جدا أن تدرك ليبيا أن سلوك الحكومة الليبية في الأيام المقبلة.. سيكون أساسيا في نظرة العالم إلى عودة ليبيا إلى أسرة الأمم المتحضرة». إلا أن ميليباند رفض أن يعبر عن موقف لندن من قرار وزير العدل الاسكتلندي كيني ماك اسكيل الإفراج عن المقرحي. وقال «لم يكن من الوارد أن نتدخل في الملف من قبل ولن نتدخل الآن». والنظام القضائي الاسكتلندي منفصل عن النظام البريطاني، لذلك تركت لندن للحكومة الاسكتلندية مسؤولية إدارة هذا الملف.

وفي نفس الوقت اعتبرت الصحف البريطانية الإفراج عن المقرحي «خيانة للعدل». وكتبت صحيفة «التايمز» اللندنية في افتتاحيتها أن «قرار الإفراج عن الرجل الذي أدين في اعتداء لوكيربي، اتخذ بعد تفكير وبمبادرة عطف لكنه قرار خاطئ مع ذلك».

وأضافت أن «الإفراج عنه بهذا الشكل وارد لكل السجناء بالتأكيد. لكن ليس كل السجناء يستحقون طلبا في هذا الاتجاه، وجريمة المقرحي كبيرة إلى درجة أنه يجب أن يمضي الأيام الباقية من حياته في السجن». كما كتبت صحيفة «ديلي ميل» أن إطلاق سراح المقرحي لن يسمح بالرد على التساؤلات عن مسؤوليته أو مشاركة أشخاص آخرين في الاعتداء، موضحا أن عائلات الضحايا «لن تعرف الحقيقة أبدا». واتهمت الصحف رئيس الوزراء غوردن براون بأنه لم يفعل شيئا للاعتراض على قرار اسكتلندا في محاولة لتحسين العلاقات مع ليبيا الغنية بالنفط. أما صحيفة «ديلي تلغراف» فقد ذكرت بأهمية العلاقات بين الولايات المتحدة واسكتلندا، موضحة أن الأميركيين هم المستثمرون الأجانب الرئيسيون في المقاطعة، وأن 50 ألف شخص يعملون في 500 شركة أميركية. لكن صحيفة «هيرالد» الاسكتلندية دافعت عن قرار ماك اسكيل. وقالت «لا شك أن الرجل يموت من سرطان في البروستاتا وحسب تقديرات جديرة بالثقة لم يبق له سوى 3 أشهر على قيد الحياة».