أشهر نائبة أفغانية لـ «الشرق الأوسط»: سطوة المجاهدين ستعيد المرأة 50 خطوة إلى الوراء

شكرية باركزاي سترشح نفسها للانتخابات الرئاسية المقبلة.. صوتت للديمقراطية ولم تعط صوتها لكرزاي ولا لعبد الله

شكرية باركزاي خلال حديثها لـ«الشرق الأوسط»
TT

قالت النائبة الأفغانية شكرية باركزاي، رئيسة تحرير أول صحيفة نسائية في أفغانستان، إنها صوتت للديمقراطية ولم تختر مرشحا رئاسيا معينا، بل كتبت في الورقة الانتخابية أنها جاءت لتعبر عن حقها الدستوري في تأييدها للانتخابات. ولم تعط باركزاي المعروفة بقوة حجتها في التصدي للمجاهدين وطالبان ومافيا المخدرات، صوتها لأحد. وتنتمي باركزاي إلى البشتون، وهو العرق نفسه الذي ينتمي إليه الرئيس المنتهية ولايته حميد كرزاي. وأوضحت أنها صوتت «للعملية الديمقراطية التي يجب أن تحترم من جميع أبناء الشعب»، وقالت «إن الحضور إلى اللجان الانتخابية من قبل السيدات والرجال كان أبلغ رد على تهديدات طالبان». وأدلت باركزاي بصوتها في مدرسة ملالي هاي سكول، أمام مقر وزارة الداخلية، وهي أول مدرسة للبنات في تاريخ أفغانستان. وأشارت إلى أنها قضت في هذه المدرسة 12 عاما من عمرها قبل التحاقها بالجامعة. وتخرج في هذه المدرسة مشاهير سيدات المجتمع الأفغاني. وقالت إنها أصيبت بخيبة أمل في الصباح لقلة عدد النساء اللواتي حضرن للتصويت بسبب بعد المدرسة عن الأحياء السكنية والأنباء المتواترة عن هجمات طالبان، لكن بعد الظهر شاهدت العشرات من السيدات الأفغان يقبلن في انتظام على التصويت وتنقلت إلى أكثر من مركز انتخابي لمعرفة ردود فعل بنات جنسها على الانتخابات.

وقد ضربت النائبة الأفغانية باركزاي مثالا رائعا في الالتزام غير المعتاد لدى المسؤولين الحكوميين الأفغان، وبعضهم وزراء. فعندما أرسلنا إليها رسالة نصية على هاتفها الجوال، لطلب لقاء صحافي، اتصلت هاتفيا بعد دقائق وحددت ميعادا للمقابلة بعد صلاة الجمعة. كان اللقاء في فندق سرينا الفخم القريب من القصر الجمهوري الذي تعرض لهجوم غادر من عناصر طالبان ارتدوا ملابس الشرطة قبل عامين. ويعتبر الفندق رغم الحراسة الأمنية المشددة على بواباته الخارجية، المكان المفضل لسكن مسؤولي البعثات الأجنبية وممثلي المنظمات غير الحكومية والإعلاميين. وقبل الموعد المحدد للقائنا، كانت تقف أمامي وهي تقول بابتسامة عريضة: أنا جاهزة لأسئلة جريدة العرب الدولية. نموذج شكرية باركزاي لا يتكرر كثيرا في العاصمة كابل، فهي رئيسة تحرير أول صحيفة نسائية في أفغانستان، وهي صحيفة «آيناي زان» أو «مرآة المرأة»، وهي برلمانية معروفة تدير صالونا ثقافيا يحضره أبناء النخب السياسية والمتعلمون من صحافيين وإعلاميين في فيلتها بحي «الصفوة» وزير أكبر خان. وهي معروفة بقوة حجتها في التصدي للمجاهدين وطالبان ومافيا المخدرات، وتقول: «نريد أن نتقدم إلى الأمام من أجل حل مشاكل أفغانستان، وهناك كثير من نخب المجاهدين لا يقبلون أن تناقشهم المرأة بالحجة من أجل مصالح ملايين النساء اللاتي حرمن سنوات طويلة من حقوقهن». إلا أنها تعترف أيضا أنها تعاني من إيصال صوتها تحت قبة البرلمان الأفغاني، بسبب قادة «المجاهدين» السابقين، ففي رأيها «هم لا يريدون للمرأة أن يكون لها صوت في المعارضة والاستجواب ويستكثرون عليها ذلك». وتقول: «لكنني لا أسكت لهم، وهم يعرفون ذلك لأنهم يريدون عودة المرأة 50 خطوة إلى الوراء».

وتضيف أن قيادات الجهاد الأفغاني لم يتعودوا المعارضة من النساء في الحياة العامة، كما كان الحال أيام أمها وجدتها، «ولكن الزمن قد تغير، ولا بد من إيصال صوت النساء اللاتي عانين من التهميش في عهد طالبان إلى المسؤولين». تشير باركزاي إلى أن «المرأة كانت في عهد طالبان بالنسبة لهم لا شيء، ولا تحظى بأي تقدير أو رعاية وقد منعوا البنات من التعليم خلال عهد الحركة الأصولية، وجاء الوقت لتنال الإناث حقوقهن بالكامل في التعليم والوظائف».

وترى أن التغيير الذي يحمله الرئيس المقبل لن يتأتى بتغيير الوجوه، بل بخطط وإستراتيجية تعمل من أجل صالح أفغانستان. وعن أولويات الرئيس المقبل من وجهة نظرها، تقول: «يجب عليه العمل على إنشاء جسر بين الحكومة والشعب، وهذا شيء مهم للتعرف على رغبات رجل الشارع المهمش واستحضار نوع من التفاهم بين الحكومة والذين يخالفونها الرأي، سواء من طالبان أو غيرهم، والاستثمار في النظام الحكومي الحالي الذي يعاني الكثير من الخلل والبيروقراطية».

برأيها، فإن فوز المنافس الأقوى لكرزاي، عبد الله عبد الله، يعني سطوة أكبر للجهاديين في أفغانستان. وبالفعل هناك الكثير من النسوة يتخوفن من العودة إلى الوراء، لكن هذا الأمر لا يقلقها. فهي تقول إنها ستتصدى لهم وقد حدث ذلك من قبل. وترى باركزاي أن هناك خللا ما في تركيبة النظام السياسي في البلاد. فهي لا تتصور، وهي عضو في البرلمان، أن أرادت السفر إلى الخارج فهي بحاجة إلى تصريح خاص من رئيس الجمهورية وآخر من رئيس البرلمان الشيخ يونس قانوني، إن البرلمان سلطاته الممنوحة أكبر بكثير من سلطات القصر الجمهوري. تقول باركزاي إنها سترشح نفسها للانتخابات الرئاسية المقبلة بعد خمس سنوات، وستعمل في هذا الاتجاه مع مؤيديها ومناصريها. وكانت «الشرق الأوسط» قد التقت باركزاي قبل سبع سنوات أثناء تحضيرها للانتخابات البرلمانية في فيلتها بحي وزير اكبر خان. وتتحدث باركزاي عن الكثير من القضايا الملحة مثل الأمن في الشارع الأفغاني، والسؤال الملح الذي لا يتوقف في ذهنها: أين تذهب المساعدات الأجنبية على أرض الواقع؟ «فالشوارع كما هي منذ سقوط طلبان قبل سع سنوات، ومشاكل الاقتصاد والبطالة تتفاقم وحالات الناس المادية تتدهور من أسوأ إلى أسوأ». تقول إن هناك نقصا في التنسيق بين دول التحالف التي تساعد أفغانستان على النهوض. وتطالب بالمزيد من الانجازات على أرض الواقع على مجالات الصحة والتعليم والطرق. تقول إن النائبات الأفغانيات البالغ عددهن 107 نائبات في المجلسين الذي يضم 333 عضوا من نواب البرلمان الأفغاني، كسرن التقاليد أو «التابو» الذي كان مفروضا عليهن منذ سنوات الجهاد، أي قبل وصول طالبان إلى الحكم عام 1996، وبات صوت النساء اليوم عاليا تحت قبة البرلمان. وتشير إلى أن هناك أكثر من نائبة، وليس هي وحدها، لا يسكتن عن الضيم تجاه حقوق المرأة. تقول إن كل النائبات غير أميات وكثير منهن جامعيات، وبالتالي «فإن المجاهدين الذين يسيطرون على نحو 60 في المائة من مقاعد البرلمان يريدون إسكات أصواتنا إلى الأبد، لأنهم يعتقدون أن مكان المرأة الحقيقي هو في المنزل أو في المطبخ، أي أنهم يريدون إعادة عقارب الساعة إلى الوراء». تؤكد أنها في العادة ترفع صوتها بالاحتجاج حتى لو صرخوا وطالبوها بالصمت. وتعترف أنه جزء من التقاليد الأفغانية أن لا ترفع المرأة صوتها في حضرة الرجال، وهذا الأمر لا يعجب قدامى المجاهدين، «ولأننا اليوم في عالم متغير، وتحت قبة برلمان واحد، وهناك مشاكل عاتية في الشارع الأفغاني منها استفحال زراعات المخدرات والعنف المنزلي الموجه ضد النساء، ولا بد أن يقف أحد ما ويضع النقاط فوق الحروف ويقول بصوت عال لرئيس البرلمان أو السادة النواب، إن هذا الأمر خطأ». وتضيف أن ما يحدث اليوم لم تره أمي أو جدتي من قبل في اعتراض النائبات بالاحتجاج أو تقديم الاستجواب ضد ما يحدث لبنات جنسهن من تهميش أو عنف أحيانا». وعن حياتها اليومية، قالت إنها تبدأ يومها في التاسعة صباحا أحيانا بالذهاب إلى البرلمان مع سائقها، وليس كل يوم تذهب إلى مقر البرلمان، ثم تلتقي أبناء دائرتها الانتخابية في مكتب مخصص بالدائرة الانتخابية يوميا ما عدا الجمعة. وأحيانا يأتون إلى منزلها إذا كانت لديهم حاجة، والمشاركة في مؤتمرات صحافية أو لقاءات بصفة غير منتظمة. وعن بناتها الثلاث، مسكة وسارة وفاطمة، أكبرهن في الثالثة عشرة من العمر، وأصغرهن في الخامسة من العمر والوسطى يبلغ عمرها سبع سنوات، فقد توقفت عن إرسالهن إلى مدارس خاصة خوفا من اختطافهن بعد أن تلقت تهديدات بالهاتف وبرسائل وتعليمات من الداخلية بتوخي الحذر، بسبب حدة انتقاداتها لمافيا المخدرات وطالبان. وبناتها الثلاث يتعلمن اليوم عبر مدرسين خصوصيين يأتون إلى منزلها يوميا. وتقول إنها اتخذت هذا القرار مع زوجها بسبب الحرص على سلامة بناتها، والله خير حافظ.

وتوضح أنها بداية تلقيها تهديدات بالقتل جاء بعد تقدمها بأكثر من استجواب عن سبب استفحال زراعة الخشخاش في أراضي أفغانستان، وضعف الحكومة على الأرض في مواجهة فلول عناصر طالبان. وتعتبر المخدرات التي تعاني منها أفغانستان في وادي نهر هلمند بإقليم هلمند في جنوب البلاد أزمة حقيقة اليوم. وتعد أفغانستان أكبر منتج للأفيون في العالم. والهيروين الذي يتم الحصول عليه منه ينتشر في شوارع المدن بأنحاء العالم. وتزايد الإنتاج منذ الإطاحة في عام 2001 بحركة طالبان من السلطة. وكانت الحركة حظرت الأفيون في نهاية حكمها. واستغلت عصابات المخدرات حالة انعدام ضعف الأمن. وتقول شكرية إنها بالفعل تخاف على بناتها من انتقام هؤلاء الخارجين على القانون. إلا أنها تؤكد أنها تحتسب عمرها «في سبيل الله من أجل الوطن والشعب الأفغاني». تقول إنها رفضت الحراسة الخاصة الممنوحة لأعضاء البرلمان وتتنقل مع سائقها الخاص من منزلها إلى البرلمان الأفغاني في منطقة كارتيه سي بغرب العاصمة كابل. وتشير إلى أنها لم تغير من نمط حياتها بعد تلقيها تحذيرا بخطاب رسمي من الداخلية الأفغانية قبل شهور. وتقول إن المعلومات التي تسلمتها من الحكومة بناء على معلومات استخباراتية تقول إنها هدف للانتحاريين. وتعرب عن اعتقادها أن من يهدد حياتها قد يكون تجار المخدرات أو طالبان أو الأصوليون.