نائب سابق يتهم حزب الله بتشكيل ميليشيات في طرابلس.. وتطويعهم بالإغراءات المالية

مخيم «البداوي» على صفيح ساخن بعد استنفار «القيادة العامة» ضد الجيش

TT

اتهم مصطفى علوش، النائب السابق عن تيار المستقبل في طرابلس (شمال لبنان)، حزب الله بتشكيل ميليشيات في المدينة، وكشف علوش لـ«الشرق الأوسط» عن «حركة لحزب الله منذ عدة أسابيع نرصدها في طرابلس». وقال: «هم يحاولون تطويع الأفراد بدفع الأموال، لعمل ميليشيات... وباتت لحزب الله مجموعتان في المدينة».

ويبدي علوش قلقا كبيرا، أو خشية من انفجار أمني كبير للوضع في طرابلس عموما. ونستفسر من النائب السابق إن كانت هذه الميليشيات معلومة لديهم، فيقول: «أسماؤهم معروفة لنا، ونحن أبلغنا الجهات الأمنية الرسمية بمعلوماتنا، والعمل الباقي يقع على عاتقهم». وعما إذا كانت الشقة التي تمت مداهمتها في منطقة الزاهرية (أحد أحياء طرابلس) منذ أيام، وتعود إلى مجند في الجيش عثر فيها على كمية كبيرة من الأسلحة، تقع في هذا الإطار، يجيب علوش: «يقال إن ما تم العثور عليه له علاقة بحزب الله، لكن لا تأكيدات عندي على ذلك».

يؤكد أحمد المرج، عضو المجلس البلدي في طرابلس، «أن الشخص الذي تمت مداهمة شقته له علاقة بحزب الله»، ويضيف: «أستطيع أن أؤكد أن هناك أشخاصا يجندون في مناطق عدة مثل القبة والتبانة، وهناك نحو 200 شخص في منطقة التبانة وحدها تم تجنيدهم من أجل فتنة سنية ـ سنية».

وفي سؤال عن سبب التسامح مع أشخاص يعتبرونهم موظفين من أجل فتنة مقبلة، يجيب المرج: «هؤلاء من أبناء المنطقة، وليسوا دخلاء عليها. ونحن لا نريد فتنة في ما بيننا. لقد أعلمنا الأجهزة الأمنية، وهي التي تقوم بواجباتها، ولا نريد تقاتلا بين عائلات المنطقة. هم ربما يريدون إلهاءنا ببعضنا في حال أعيدت كرّة (7 أيار) في بيروت، لكننا لن نسمح لهم بذلك. فهذا سلاح فتنة، ونحن لا مصلحة لنا بأي توتر أو اقتتال، لا كسكان لباب التبانة، ولا حتى في جبل محسن. فنصف السكان لم يتسلموا تعويضاتهم حتى الآن، ويريدون أن يعيشوا بسلام».

ويتخوف سكان «مخيم البداوي» للاجئين الفلسطينيين شمال لبنان (5 كلم من طرابلس)، وكذلك سكان منطقتي «جبل محسن» و«باب التبانة» في الجهة الشمالية من المدينة، وهي كلها مناطق متجاورة وشديدة الحساسية، من تفجر مفاجئ للوضع الأمني، يعيد عاصمة الشمال إلى حالة الاشتباكات الدموية التي عاشتها طوال الصيف الماضي.

ويشهد مخيم البداوي منذ أربعة أيام استنفارا يضع الجيش اللبناني في مواجهة مسلحي «القيادة العامة» من الفلسطينيين المحسوبين على سورية. وقال أبو عدنان حمودة، مسؤول القيادة العامة في الشمال لـ«الشرق الأوسط»، أمس: «أن المخيم محاصر بشكل شبه كلي، إلا من جهة واحدة، من قبل الجيش اللبناني، وقد تقدمت وحدات منه مساء الخميس الماضي وشغلت موقعا شاغرا مقابل موقع للقيادة العامة، بحيث أصبحت المسافة بين الطرفين، في هذه النقطة، لا تتجاوز عدة أمتار، وهو وضع غير مريح للجانبين».

وجدير بالذكر أن المخيمين الفلسطينيين الأساسيين في الشمال هما «نهر البارد»، و«البداوي». وبعد المأساة التي شهدها المخيم الأول، نزح سكانه إلى البداوي، والتجأ إليه بعض مقاتلي فتح الإسلام، وكذلك عدد من المطلوبين للجيش اللبناني. ومنذ ذلك الحين، يقيم الجيش حواجر حول المخيم، ويحكم وجوده في نقاط أساسية.

ويشرح أبو عدنان حمودة «أن التعاون مع الجيش لم ينقطع، ونحن، كفصائل فلسطينية، سلمنا كل المطلوبين الذين زودونا بأسمائهم، ولشدة تعاوننا اتهمنا السكان بالتواطؤ مع الجيش اللبناني ضدهم. لكن ما حصل بعد ذلك كان مخيبا، فقد وعدونا بتخفيف الضغط على السكان في (نهر البارد)، خاصة أن الناس هناك تعاني الأمرّين بسبب إغلاقه وعدم إعطاء تصاريح للدخول والخروج من المخيم». وأضاف: «بدل الانفراج أوقف إعادة الإعمار في البارد. واليوم نجد أن مخيم البداوي قد أحكم الطوق حوله، وأي شاب فلسطيني لا يحمل هوية عند دخوله يتم توقيفه بانتظار أن تأتي له عائلته ببطاقة إثبات هوية. أستطيع أن أقول بأننا محاصرون بلواء كامل، وبدبابات، كما أقيمت تحصينات عالية، ووفرت إمكانات لوجستية كبيرة. وهذا موضوع غير مفهوم لنا، خاصة أن الجيش يقول عند الاجتماع به إن لا مطالب له، وإنما هناك أمر عمليات ينفذه».

ويقول علوش: «إن الجيش عزز وجوده حول المخيم بسبب فرار أحد مساجين فتح الإسلام من سجن رومية منذ عدة أيام، والتخوف من تسلله إلى مخيم البداوي. كما أن أخبارا توالت مفادها أن وسام طحيبش، وهو أحد المتهمين في مقتل القضاة الأربعة، 8 يونيو (حزيران) 1999، دخل لبنان ويحاول التسلل إلى مخيم البداوي. والمطلوبان ألقي القبض عليهما». وردا على سؤال حول إمكانية تخفيف وجود الجيش اللبناني حول المخيم، قال علوش: «هذا أمر يقرره الجيش وليس القيادة العامة. والحقيقة أن القيادة العامة وحدها هي التي استنفرت لتقدم الجيش، فيما أعربت بقية الفصائل عن قلقها فقط».

لكن المخاوف هذه الأيام لا تؤرق فقط أهالي مخيم البداوي، وإنما أيضا سكان منطقتي جبل، ومحسن، وباب التبانة، المحاذية للمخيم. وهي منطقة شهدت اشتباكات منذ أشهر، ولا تزال القنابل التي يتم العثور عليها قبل انفجارها، أو التي تلقى على الجانبين تشعر الأهالي، أن ثمة ما يمكن أن يشتعل في أي لحظة. وفي هذا الصدد يقول أحمد المرج، العضو البلدي في طرابلس عن منطقة باب التبانة: «الوضع غير طبيعي على الإطلاق، القنابل لا تتوقف بين الطرفين. وثمة إحساس أن جهة ثالثة تحاول إشعال المنطقة، ولا نرى اهتماما من السياسيين أو حزما من الجيش. نحن نفترض أن تقوم الجهات الأمنية بدورها، لكن هذا لا يحدث، ويبدو أننا متروكون، لقدر لا نعرفه».

دائرة المخاوف التي تبدأ من مخيم البداوي شمال طرابلس، لتصل إلى الأحياء الشمالية منها، تتعدد أسبابها، وأسماء أطرافها، لكنها تذكّر بتلك التي عاشتها المدينة السنة الماضية، بعد معارك 7 مايو (أيار)، الماضي بين المعارضة والموالاة في بيروت، مع إضافة العنصر الفلسطيني هذه المرة. لكن أمين سر حركة فتح والفصائل الفلسطينية في الشمال، رفعت شناعة، حاول تبريد الأجواء أثناء حوار لنا معه، وقال: «هناك سيادة لبنانية، نحن لا نقفز فوقها. لا نعترض على مواقع جديدة يستحدثها الجيش، لكننا نستفسر لنفهم، وهذا ما حدث. نستبعد أي عملية صِدام بين القيادة العامة والجيش اللبناني، ونتصور أن المسألة ستحل. وكل ما في الأمر أن هناك ثغرات أمنية تخص المخيم، كما يحدث في أي منطقة في لبنان ويحاول الجيش اللبناني سدها، وأتصور أننا بصدد اتفاق على صيغة تريح الجميع».

أما أبو عدنان حمودة مسؤول القيادة العامة في الشمال، فلا يبدي الارتياح ذاته ويقول: «تصورنا العام أن هناك تضييق خناق على المخيمات عموما، ومحاولة لتطفيش وتهجير الفلسطينيين من لبنان، باتجاه دول أخرى. وبدل التوطين هناك التهجير. من ناحيتنا نقول إننا نبحث عن حل لقضايانا في سلة واحدة، وكل الأمور نحن على استعداد لوضعها على طاولة حوار، تبحث الوضع الفلسطيني في لبنان، بما في ذلك تنظيم السلاح داخل المخيمات. لكن ما نعترض عليه هو تحويل الفلسطينيين إلى مشكلة أمنية، وهو ما ليس بصحيح. نحن نريد أن نعالج المشكلات كلها، وأن يمنحونا حقنا في العمل والعيش الكريم. فنحن لنا حقوق وعلينا واجبات، ولا اعتراض على ذلك».

ما بين انفجار قنبلة هنا، ومداهمة شقة هناك، واستنفار مسلح في مكان ثالث، يبدأ شهر رمضان في طرابلس محملا بالهموم والقلق، فيما الاتهامات المتبادلة تعزز المخاوف من عودة الحالة الأمنية إلى نقطة الصفر.