أميركا تستعد لتطعيم نصف سكانها ضد إنفلونزا الخنازير وسط جدل حول جدوى الحملة

الحكومات تواجه خيارات صعبة في تحديد الفئات التي ستعطى الأولوية في التطعيم

TT

يستعد المسؤولون الحكوميون عن الصحة في الولايات المتحدة لبدء حملة تطعيم كبرى وغير مسبوقة من مرض إنفلونزا الخنازير خلال الخريف المقبل، لكن هناك الكثير من المشكلات التي تكتنف هذه الحملة.

وتهدف هذه الحملة طبقا لتقرير لـ«واشنطن بوست» إلى تطعيم نحو نصف السكان على الأقل خلال أشهر، وعلى الرغم من تطعيم السكان من أمراض مثل الجديري وشلل الأطفال خلال السنوات الماضية، فإن الولايات المتحدة لم تحاول مطلقا تطعيم هذا العدد الكبير خلال مثل هذا الوقت المحدود. وكانت مديرة منظمة الصحة العالمية، مارغرت شان، قالت إنه سيتعين على الحكومات أن تتخذ قرارا بشأن تحديد الأولويات في حملة التلقيح الأولى ضد فيروس «إيه إتش1 إن1»، بما أنه سيكون من المستحيل تلقيح الجميع مرة واحدة. وأشارت إلى أن هذا القرار سيكون «من أصعب القرارات التي تتخذها الحكومات».

وقالت ناطقة باسم المنظمة، مليندا هنري، إنه سيكون على الدول أن تحدد «إن كانت تود وقف العدوى وحماية البنى التحتية الأساسية في البلد أم الحد من عدد المرضى والوفيات».

من يجب أن يتلقى اللقاح أولا إذن؟ يجيب علماء أميركيون من مجلة «ساينس» قائلين إنه يجب تلقيح تلامذة المدارس وأهليهم، فتلقيح الأطفال الذين يصابون بأعداد كبيرة يمنع تفشي الفيروس في المدارس وانتقاله من المدارس إلى الأهل فالمجتمع. ويؤكد العلماء أنه بهذه الطريقة سيكون عدد الجرعات المطلوبة أقل من تلك الضرورية للتلقيح ضد الإنفلونزا الموسمية.

وقالت وكالة الصحافة الفرنسية إنه في اليابان على سبيل المثال ساهم تلقيح معظم الأطفال ضد الإنفلونزا الموسمية بين عامي 1962 و1987 في الحد من نسبة الوفيات إلى الثلث، وأنقذ بالتالي ما يتراوح بين 37 و49 ألف شخص.

ويعتبر خبراء آخرون أنه من الضروري تلقيح الأشخاص الذين يعانون من مشكلات مزمنة لتجنيبهم المضاعفات. وارتأت منظمة الصحة العالمية تلقيح العاملين في القطاع الصحي أولا ثم يعود إلى كل دولة أن تختار سياستها الخاصة. لكن في الولايات المتحدة مع التوجه السريع للعلماء نحو اختبار التطعيم للتأكد من سلامته وفعاليته، فإن الحملة تتباطأ. ويقول المسؤولون إن نحو ثلث كميات التطعيم فقط سوف تكون متاحة بحلول منتصف شهر أكتوبر (تشرين الأول) حيث ستكون موجة المرض في أوجها.

ومن بين الأشياء غير المعروفة: كم تبلغ كمية التطعيم التي سوف يحتاج إليها السكان، وما هي الجرعة الصحيحة التي سوف يتم إعطاؤها لهم، وكيف يمكن تجنب إرباك السكان من خلال الجهود المتعارضة لمكافحة الإنفلونزا الموسمية.

ولإعداد هذه الحملة فقد بدأ أكثر من 2800 قسم محلي صحي في توظيف أطباء الأطفال والأطباء المولدين والممرضات والصيادلة ومساعدي الأطباء، بل وحتى أطباء الأسنان، بالإضافة إلى وجود جيش من المتطوعين من الكنائس وغيرها من الجماعات. وهم يقدمون النصح من أجل الوصول إلى الأطفال والمراهقين والنساء الحوامل والبالغين من الشباب ومتوسطي الأعمار في المدن النائية والضواحي والمقاطعات والمناطق الريفية.

ويقول هوارد ماركيل، وهو أستاذ في تاريخ الطب بجامعة ميتشغين ويقدم استشاراته في مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها: «إن هذه الحملة تعتبر أكبر برنامج تطعيم في تاريخ البشرية».

ويصف مسؤولو الصحة العامة هذه الجهود بأنها ضرورية لهزيمة الموجة الثانية التي تحولت إلى أول وباء لمرض الإنفلونزا منذ نحو 41 عاما في نصف الكرة الشمالي.

ومع إعادة فتح المدارس أبوابها فإن عدد الحالات يمكن أن يقفز بحدة خلال أسابيع قليلة، وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى موجة ثانية أكبر بكثير من الموجة التي اندلعت في الربيع الماضي. وعلى الرغم من أن إنفلونزا الخنازير لا تبدو أكثر خطرا من الإنفلونزا الموسمية العادية، فإنها من المحتمل أن تصيب عددا أكبر من السكان لأن معظمهم لم يكتسب المناعة ضدها.

وتحمل جهود التطعيم مخاطر سياسية لإدارة أوباما. ويقول هارفي في فاينبرغ، وهو رئيس معهد الطب التابع للأكاديمية القومية للعلوم، والذي يقدم استشاراته للكونغرس حول القضايا الطبية: «إذا لم ينتشر المرض بصورة كبيرة فإن الإدارة سوف تتعرض للنقد لأنها أنفقت مليارات الدولارات. وعلى الجانب الآخر إذا انتشر المرض بصورة كبيرة ومبكرة ولم تكن هناك كميات كافية من التطعيم، فإن الإدارة سوف تتعرض للنقد أيضا لأنها لم تتخذ الاستعدادات الكافية».

ويؤكد المسؤولون على أنهم يعالجون الأمر بحذر، ولن يكون هناك قرار باستمرار العمل حتى يتم الحصول على نتائج الفحوص المعملية ـ اختبارات تحديد الأمان والجرعة ـ وحتى يتم تقدير مدى التهديد الذي يمثله الفيروس. لكن المسؤولين واثقون من أن التطعيم سوف ينجح في الاختبار، ويتوقعون انطلاق الحملة بمجرد أن يقوم المصنعون بتسليم الكميات الأولى.

ويقول أنطوني إس فوسي من المعهد القومي للحساسية والأمراض المعدية، والذي يقود اختبارات الحكومة للتطعيم: «هناك قدر ضئيل من الشك في أننا سوف نقوم بتطعيم السكان. وعلينا أن نحدد من ومتى وكيف».

وهناك ذكريات سيئة تكتنف هذه الحملة، مثل الجهود غير الناجحة التي قامت بها الحكومة في عام 1976 للتطعيم من هذا المرض. وقد انخفضت حدة الوباء لكن التطعيم قد أعطي لـ40 مليون فرد، ويعتقد أنه قد تسبب في نوع نادر من الشلل يعرف باسم جوليان بير سيندروم.

وهناك مشكلة أخرى تتعلق بما إذا كان تقديم التطعيم سوف يتم مع إضافة «مادة مساعدة» لزيادة فعاليته، أم أنه سوف يتم زيادة الجرعات المحدودة إلى عدد أكبر من الجرعات. وقد تم استخدام المواد المساعدة في أوروبا، لكن إدارة الغذاء والدواء لم تصرح باستخدامها في الولايات المتحدة بعد.

وتقول باربرا لو فيشر من المركز القومي لمعلومات التطعيم، والذي يعارض الكثير من سياسات التطعيم: «هذا رد فعل مبالغ فيه، وليس هناك تهديد للأمن القومي من هذا المرض. لماذا نعمل بهذه الطريقة؟ فليس ذلك شلل أطفال، وليس ذلك مرض الجديري».

وفي إطار الاستعدادات العالمية للموجة الثانية من إنفلونزا الخنازير طلبت المكسيك، التي اعتبرت بؤرة الفيروس في أبريل (نيسان) ومايو (أيار)، قرضا بقيمة 400 مليون دولار لشراء 20 مليون جرعة من اللقاح للفترة الممتدة بين ديسمبر (كانون الأول) إلى أبريل (نيسان) المقبلين. وسيخصص اللقاح أولا للأشخاص الأكثر ضعفا وللجسم الطبي.

وتعتبر الأرجنتين ثاني أكثر بلد تأثرا بالفيروس، حيث تعدى عدد الوفيات الـ400، إلا أنها لم تكشف عن خطة تلقيح حتى الآن. وفي البرازيل حيث وصل عدد الوفيات إلى 370 تقريبا يفترض أن يكون الجسم الطبي أول من يتلقى اللقاح وذلك في شهر ديسمبر (كانون الأول).

وتأمل الصين أن تتمكن من تلقيح 1% من السكان بحلول أكتوبر (تشرين الأول)، أي نحو 13 مليون شخص. ويفترض أن يكون أول الملقحين هم الموظفون في القطاع الصحي وكبار السن والأطفال.

من جهة أخرى طلبت بريطانيا التي يعيش فيها نحو 60 مليون شخص، وهي الدولة الأوروبية الأكثر تأثرا بالفيروس 6.54 مليون جرعة. وحددت الأولوية لـ11 مليون شخص، 1.2 مليون منهم يعملون في القطاع الصحي والاجتماعي.

أما فرنسا وإسبانيا وهولندا فستلقح الفئات الأكثر عرضة أولا، كالعاملين في القطاع الصحي والمصابين بأمراض مزمنة كالسكري والاضطرابات التنفسية، بالإضافة إلى الحوامل. وقد تضيف مدريد إلى قائمة الأولوية مدرسي المدارس الابتدائية. وتعتزم الجمهورية التشيكية تلقيح الأطباء والممرضات وغيرهم من العاملين في القطاع الصحي في البداية.

في الشرق الأوسط تنوي إسرائيل تلقيح مجمل سكانها، أي 5.2 مليون شخص. أما مصر فستتمكن من تلقيح 5.2 مليون شخص من بين 80 مليونا. وتنوي البحرين تلقيح العاملين في القطاع الصحي والذين يعانون من مشكلات طبية والحجاج أولا.

في النصف الجنوبي من الأرض الذي ينوء تحت وطأة العدوى، أعلنت أستراليا عن «حملة تلقيح جماعية» تبدأ في شهر سبتمبر (أيلول)، على أن توفر أولا 20 مليون جرعة للأشخاص الأكثر ضعفا وللعاملين في المجال الصحي.

إلى ذلك أعلنت الحكومة الأندلسية المحلية، ليل السبت/الأحد، وفاة امرأة (50 سنة) مصابة بإنفلونزا الخنازير في الجزيرة، جنوب إسبانيا، ليصبح عدد الوفيات من جراء فيروس «إيه إتش1 إن1» في إسبانيا 14.