«14 آذار» تحدد عناوين المرحلة المقبلة مع جنبلاط وتداوي «مشكلاتها الإدارية» مع حزب الكتائب

لأنها تمثل الرابط الإسلامي ـ المسيحي الأقوى في لبنان

TT

لم تتعرض حركة سياسية في لبنان منذ اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري إلى ما تعرضت له حركة «14 آذار», ولا تزال الحملات تشن عليها كأن كل ما جرى ويجري على الساحة السياسية اللبنانية لا هدف له إلا إعادة فرز مكونات هذه الحركة لتبقى اللعبة بين رؤساء طوائف لا بد من إلزامهم بـ«الديمقراطية التوافقية» مهما كان رصيدهم الشعبي الذي سجلته الانتخابات النيابية الأخيرة. والمعروف أن هذه الحركة التي بدأت عفوية غداة جريمة الاغتيال لتكبر وصلت إلى ذروة حضورها في 14 مارس (آذار) 2005 مع أكثر من مليون لبناني شاركوا في مظاهرة ساحة الشهداء في وسط بيروت، في موقف اعتبر في حينه ردا على مظاهرة «مضادة» دعا إليها «حزب الله» تحت عنوان «شكرا سورية» في 8 مارس (آذار) ليغلب هذان التاريخان على التجاذب الذي يحكم القوى السياسية اللبنانية.

الحركة نجحت على الصعيد الجماهيري على رغم «الضربات الارتدادية» التي تلقتها خلال مسيرتها، أولها كان انسحاب «التيار الوطني الحر» منها على خلفية الخلافات التي تسبب بها تقاسم الحصص في الانتخابات النيابية عام 2005. كذلك «قصم ظهرها» عندما استهدفت من خلال الاغتيالات المتلاحقة التي حصدت كلا من سمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني وبيار الجميل ووليد عيدو وأنطوان غانم.

الصراع السياسي المفتوح بدأ بعد انتخابات عام 2005 التي تَحكّم بها سقف التسوية من خلال الاتفاق الرباعي بين تيار «المستقبل» والحزب التقدمي الاشتراكي وحركة «أمل» وحزب الله. إلا أن هذه التسوية لم تستمر طويلا لتسقط ويتمظهر الانقسام الحاد إثر اغتيال النائب جبران تويني في 12 ديسمبر (كانون الأول) 2005. حينها بدأ التصعيد وشهد لبنان خلافات عنيفة على خلفية المحكمة الدولية في جريمة اغتيال الحريري، ليصار إلى اتهام الأكثرية النيابية الطالعة من حركة «14 آذار» أكثرية وهمية، ويعيش لبنان حرب يوليو «تموز» 2006، ومن ثم انسحاب الوزراء الشيعة من الحكومة وإقفال المجلس النيابي والاعتصام في وسط بيروت، وأحداث السابع من مايو (أيار) 2008 التي أثمر حلها اتفاق الدوحة وانتخاب رئيس للجمهورية بعد فراغ استمر أكثر من ستة أشهر. وبعد الانتخابات الأخيرة التي أبقت أكثرية في المجلس النيابي على حالها و«غير وهمية»، شهدت «14 آذار» «زلزالا» عنيفا مع إعلان رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط انسحابه منها، واتهام بعض أطيافها بالانعزالية وعدم إجادة اللغة العربية وعدم مراعاة السلم الأهلي، وما إلى ذلك. وقبل أيام تلقت «هزة» خفيفة مع إعلان حزب الكتائب تجميد عضويته فيها. وبالطبع تلقفت قوى «8 آذار» هذه التطورات لتنعى الحركة وتحيي «ذكرى الأربعين» حتى قبل «دفنها».

وفي حين يصر «حزب الله» ورئيس تكتل «الإصلاح والتغيير» ميشال عون على أن هذه الحركة خسرت أكثريتها بعد الموقف الذي أعلنه جنبلاط. تؤكد الأمانة العامة لـ«14 آذار» أنها لن تنجرّ إلى سجالات ينتظرها الفريق الآخر ليبني على الشيء مقتضاه. على العكس تم تكثيف وتيرة اجتماعاتها وحفظت لوليد جنبلاط مكانا له. فهو وكما صرَح وأكد لا يزال جزءا من الأكثرية وفي اللقاء الأخير الذي جمع سعيد والنائبين السابقين سمير فرنجية وإلياس عطا الله مع جنبلاط تم الاتفاق على رؤوس أقلام لإطلاق ورشة عمل داخلية تنتج عنها قراءة موحدة، مع الأخذ في الاعتبار العناوين التي تحققت والتي تتعلق بالسيادة والحرية المحكمة الدولية، وبالتالي طرح عناوين جديدة تتعلق بالسلم الأهلي وبناء الدولة واتفاق الطائف والعلاقات مع سورية ومواجهة إسرائيل. فالأمانة العامة تصر على أن جنبلاط كان «أحد صقورها» أو «الصقر الذي حلّق أعلى من الجميع»، كما ترى أن «ما يطرحه لا يختلف عن الوثيقة التي قدمتها عشية الانتخابات النيابية. المشكلة تكمن في اختلاف القراءة السياسية، لكن العناوين الكبيرة توحدنا. وسنجتمع الأسبوع المقبل لنواصل البحث والنقاش». وعن العلاقة مع الكتائب، فقد تم استيعاب الموقف الأخير الناجم عن «إشكالات إدارية» بعد اتصال تم بين الرئيس السابق أمين الجميل وعضو الأمانة العامة النائب السابق فارس سعيد (الذي أصيب أول من أمس بكسر في الحوض إثر سقوطه عن حصانه).

يشدد أركان الأمانة العامة لـ«14 آذار» على أنها لا تزال واقفة. وهي تعمل على استعادة توازنها بعد ترنحها جراء ما حصل. يرفض قادتها أي كلام عن هشاشتها أو ضعفها أو انتفاء الحاجة إليها. لديها القدرة على النقد الذاتي، لكن من دون جلد الذات. وفي هذا الإطار يقول سعيد لـ«الشرق الأوسط»: «سيطرت إشارتان متناقضتان على جمهور 14 آذار، أمام كل استحقاق كنا نشهد تصعيدا في المواقف. وبعد النجاح في الاستحقاق تبدأ التسويات دون معارك على قياس النجاح. هذا الأمر شكل خللا».

ويعترف عضو تيار «المستقبل» النائب السابق مصطفى علوش أن «المواجهة صعبة مع التحديات القائمة، وتحتاج بعض التكتيكات السياسية. الحركة لا تزال متماسكة وملتزمة بمشروعها السيادي. وكل من فيها يعرف أنها أهم من الفردية والابتعاد الظاهري بسبب الظروف الفردية للبعض. وبالتالي فإن تيار المستقبل والقوات اللبنانية والكتائب والأحرار والقوى الأخرى ملتزمة بها. وهناك حوار مع وليد جنبلاط باتجاه معين ليبقى العمل على خصوصيته من خلال المؤسسة الأم».

ولا يوافق سعيد على أن الحركة وُلدت كبيرة ليتضاءل حجمها السياسي تدريجيا. يقول إن «14 آذار لديها كتلة نيابية كبيرة ما دام جنبلاط يصر على بقائه في الأكثرية (68 نائبا). وإذا اعتمدت الصيغة الحالية في تشكيل الحكومة سيكون لديها رئيس حكومة ومعه 14 وزيرا، هم جزء لا يتجزأ من هذه الحركة، إضافة إلى تنظيمات سياسية وجمهور ورأي عام. والدينامية الأساسية لهذه الحركة والتي تبرز قوية عند كل استحقاق تأتي من الجمهور والرأي العام أكثر مما تأتي من الحزبيين». ويضيف: «الأمانة العامة التي يسعون للقضاء عليها تمثل الرابط الإسلامي ـ المسيحي الأقوى والأمتن في لبنان. هذا ما يجعلها الأقوى وهذا ما يريدون محوه».

أما علوش فيقول: «حركة (14 آذار) قائمة بغض النظر عن الخلافات ليست هشة، كما يطيب للبعض أن يصور. العكس هو الصحيح، فهي القوة التي غيرت تاريخ لبنان والجغرافيا السياسية في المنطقة. لو كانت هشة لما كان هناك تحالف إقليمي كبير يواجهها بأساليب خارجة عن المنطق السوي، فهي تسببت في هزيمة مشروع كامل استُخدم أكثر من 35 عاما».

يرفض سعيد أن تكون أحزاب «14 آذار» قد اكتفت بحيزها الخاص. يقول: «لا يمكنهم ذلك. نواب الكتائب والقوات واليسار الديمقراطي والأحرار وحتى المستقلون، فازوا في الانتخابات لأنهم في حركة (14 آذار) لا لأنهم في مواقعهم الخاصة. وأي طرح مغاير لا يصح. والكتائب جزء لا يتجزأ من (14 آذار). هذا ما أكده لي الرئيس أمين الجميل. لديه ملاحظات إدارية على العمل، تم حلها ووُضعت العلاقة على السكة الصحيحة».