الطاهر بن جلون لـ«الشرق الأوسط»: أتوقع أن يتكرر عنف الضواحي بفرنسا.. وخروج الشبان المغاربيين مجددا للشوارع

الكاتب المغربي الأبرز فرنسيا: 5 في المائة فقط من أصول مغاربية يصلون إلى الجامعة

الكاتب المغربي الطاهر بن جلون («الشرق الأوسط»)
TT

توقع الطاهر بن جلون، الكاتب المغربي الفائز بجائزة غونكور الفرنسية، أن يتكرر سيناريو اضطرابات الضواحي، التي عاشتها فرنسا، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2005، وخرج فيها أبناء المهاجرون المغاربيون في مظاهرات أحدثوا خلالها أعمال شغب واسعة النطاق. وقال بن جلون، وهو يعتبر أحد أبرز الكتاب المغاربة، الذين يكتبون بالفرنسية في حوار مع «الشرق الأوسط»: «لم تتطور الأمور نحو الأفضل، والسبب الأساسي الذي قاد إلى تفجر أحداث الضواحي ما زال قائما، خاصة أنها لم تكن أزمة شبان تائهين خرجوا إلى الشوارع دون سبب، بل هي أزمة تتعلق بالهوية، إذ هؤلاء مواطنون فرنسيون يحملون الجنسية الفرنسية، درسوا في مدارس فرنسية، لكن فرنسا ظلت تتعامل معهم كفرنسيين من الدرجة الثانية أو الثالثة وبعنف وعنصرية».

وهب بن جلون إلى القول بأن هناك توجيها متعمدا لأبناء المهاجرين نحو بعض التخصصات المهنية «لذلك نسبة قليلة منهم فقط، تنجح في الحصول على الباكالوريا (الثانوية العامة)، والدليل أن نسبة من يصل إلى الجامعة من بينهم لا تتجاوز خمسة في المائة، وهذه مأساة، كما أن نسبة البطالة بين أبناء المهاجرين تصل إلى 40 في المائة، في وقت لا تتجاوز فيه 10 في المائة بين باقي الفرنسيين، من ذوي الأصول الفرنسية».

ولاحظ بن جلون، الذي تثير كتاباته جدلا كبيرا بسبب آرائه حول الهجرة والعنصرية والقضية الفلسطينية، أن فرنسا «لم تكن تتوقع يوما أن يتشكل شعبها من خليط أجناس وأصول وأعراق وديانات وألوان متنوعة، ولذلك أعتقد أننا سنشهد في السنوات المقبلة مظاهرات مماثلة لما شهدناه، قبل أربع سنوات لأن الأسباب التي كانت وراء تفجيرها عميقة ولا تزال قائمة».

وبصدد تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية على فرص المهاجرين في العمل، والطريقة التي ستتعامل بها أوروبا معهم، قال بن جلون «حتى الآن لا نعرف موقف الدول الأوروبية من العمال المهاجرين الموجودين بصفة قانونية فوق أراضيها، هل ستتعامل معهم كمهاجرين، وبالتالي ستضغط عليهم للعودة إلى بلدانهم لأن هناك أزمة، أم أنها ستتعامل معهم كعمال أوروبيين عاديين، ينطبق عليهم ما ينطبق على باقي مواطنيها».

وفي ما يتعلق بعلاقات المغرب العربي مع أوروبا، انتقد الطاهر بن جلون نظرة الأوروبيين إلى دول المغرب العربي، وقال إنها «نادرا ما تكون إيجابية، وغالبا ما تكون سلبية ومتعالية». وذكر أن مرد ذلك يعود إلى التاريخ المشترك، وهو تاريخ، يقول بن جلون، «ما زال حاضرا بيننا، وترك جروحا مفتوحة، الشيء الذي ولد تلك النظرة المشوهة».

وشدد بن جلون على القول بأنه «لا يمكن لدول المغرب العربي أن تتقدم وأن تفرض نفسها على الآخرين من دون نقد ذاتي، خاصة أن هناك سلوكيات شخصية تصدر عن البعض، تعطي الآخرين فرصا وذرائع لتبرير نظرتهم إلينا، فضلا عن أنهم، غالبا، ما يعطون الكلمة لمن يدعي تمثيل المسلمين في الغرب، وفي أوروبا تحديدا، وهم لاعتبارات وحسابات خاصة بهم، يختارون المتزمتين والمتطرفين ويركزون على وجهات نظرهم المتطرفة لكي يستغلوها في نقل صورة مشوهة عنا. أما من لديهم مواقف متفتحة، من الكتاب والمفكرين العرب والمغاربيين، فيتم إهمالهم فقط، لأنهم يسعون إلى تبرير مواقفهم والقول بأننا ما زلنا نعيش في الظلام والبؤس الفكري والتطرف، وهذا توجه خاطئ، مبني على فكرة صدام الحضارات، وهم لا يدركون أن الحضارات لا تتصادم بل تتنافس وتتكامل في الوقت نفسه».

وفي مقابل ذلك، تساءل بن جلون عن واقع العلاقات بين دول المغرب العربي، قائلا: «إذا كنا فشلنا في ربط علاقات صحية بيننا، فكيف يمكن أن ننتقد نظرة الغرب، بشكل عام وأوروبا بشكل خاص إلينا؟».

وبخصوص العلاقات المغربية ـ الجزائرية، قال بن جلون: «للأسف المغرب العربي الموحد لا وجود له على أرض الواقع، مع أنه أمل شعوب المنطقة، التي رحبت في وقت سابق بالاتحاد». ويعتقد بن جلون أن السبب الرئيسي وراء هذا التعثر يعود إلى «وجود عراقيل تأتي من الجزائر التي تتبني مواقف سلبية جدا من المغرب، لذلك تبحث دائما عن العراقيل لوضعها في طريق اتحاد المغرب العربي»، على حد اعتقاده.

وفي معرض تفسيره للموقف الجزائري من المغرب، قال بن جلون: «الجزائر ترى أن المغرب يتقدم ويتطور، على الرغم من كل الصعوبات والمشاكل التي يعرفها، خاصة أنه ليس دولة نفطية، وفي نفس الوقت نرى أن عائدات النفط والغاز التي تجنيها الجزائر لا تنعكس بشكل إيجابي على حياة الجزائريين».

ويعتقد بن جلون أنه «يوم تخرج الجزائر من أزماتها السياسية، وتكف عن مخاصمة المغرب يمكن للمغرب العربي أن يتحقق على أرض الواقع»، مبرزا أن «المغاربة يسعون إلى فتح الحدود والتواصل مع أشقائهم، والتوجه نحو العمل المشترك لبناء المغرب العربي، كما أن الشعب الجزائري يرغب في الانفتاح على المغرب وزيارته».

وأكد بن جلون أنه يجد صعوبة في فهم السياسة التي تنهجها الجزائر ضد المغرب. وقال «لا أفهم كل هذه العراقيل التي تضعها الجزائر في طريق المغرب، وخاصة ما يتعلق بالصحراء التي ستبقى مغربية على الرغم من كل شيء».

وفي ما يتعلق بدور المثقف في المغرب، قال بن جلون «لا يمكن للمثقف أن يأتي بالمعجزات. المثقف يساهم في التغيير كغيره من المواطنين، وتتجلى مساهمته في أن الناس يقرأون له ويستمعون إليه. لكن، علينا ألا نبالغ في مهمته، فمن المستحيل أن ننتظر من المثقف أن يغير المجتمع، لأن المثقف لا يغير المجتمع بل يساهم في حركة التغيير العام».

وانتقد بن جلون بعض الظواهر السلبية، التي استشرت في السنوات الأخيرة، في المجتمع المغربي، من قبيل طغيان الماديات على العلاقات بين الناس، وانتشار ظاهرة الرشوة، التي قال عنها إنها ليست مشكلة أخلاقية فقط، بل اقتصادية أيضا، لأنها تدمر العلاقات بين الناس».

وأضاف بن جلون: «حين تعم الرشوة يصير كل شيء قابلا للشراء، الشيء الذي يقتل قيم ومبادئ دولة الحق والقانون». وزاد بن جلون، قائلا «أنا أرى أن حربنا ضد الرشوة، ينبغي أن تكون جماعية، سواء في تصرفاتنا أو معاملاتنا اليومية، كأفراد، وذلك بعدم المساهمة في انتشارها، والمساعدة على الحد منها. فالرشوة من أصعب الأمراض التي يمكن أن تطال مجتمعا، وإذا شجعنا الراشي والمرتشي فلا أمل يبقى لدينا لكي نبني مجتمعا سليما».

وتأسف بن جلون على دور الثقافة في المغرب، وقال إنها «ثانوية وغير مهمة في حياتنا»، مشددا على القيمة الرمزية للثقافة، وقدم مثلا بكولومبيا، الدولة، التي قال عنها، إنها تعرف عبر العالم بشيئين: المخدرات والكاتب غابرييل غارسيا ماركيز، ولكن تاريخ هذه الدولة سيتذكر اسم الكاتب وليس المخدرات.

وعلى المستوى العربي، لاحظ بن جلون أن مصر «على الرغم من مشاكلها السياسية والاقتصادية العويصة تلمع صورتها من خلال الفن والثقافة». وزاد قائلا «إننا نشهد اليوم في مصر، ظهور كتاب يدقون أبواب العالمية بعد تزايد الاهتمام العالمي بهم عن طريق المتابعة والترجمة». وقال بن جلون إنه لا يوجد في المغرب وعي وطموح للوصول إلى العالمية على المستوى الثقافي والأدبي. وحول ما إذا كان من السهل بالنسبة لكاتب مغربي أن يبرز على الساحة الإعلامية الأوروبية، قال بن جلون إن ذلك «ليس سهلا حتى وإن كان يكتب بلغتهم».

وميز بن جلون بين الكتابة عن القضايا المغربية والكتابة عن الهجرة والعنصرية والقضية الفلسطينية، وقال موضحا «عندما أكتب في الصحافة الغربية عن العنصرية والقضية الفلسطينية والهجرة أكتب عنها بوضوح، أما علاقتي بالمغرب وقضاياه السياسية، فأفضل أن أتكلم عنها في صحف المغرب، إذ ما يهمني ليس القارئ الغربي بل المواطن المغربي، الذي أتوجه إليه بكتبي وبعض مقالاتي.

وأوضح بن جلون «ليس في نيتي أن أجامل أحدا، فحين أتكلم عن مشاكل بلدي أتكلم عنها بكل صراحة وموضوعية، وعلى الطريقة الأدبية أو عبر المقالات الصحافية».

وحول رأيه في التحولات التي يشهدها المغرب، قال بن جلون «لا يمكننا أن ننكر أن الأشياء تغيرت بشكل خارق للعادة وإيجابي جدا، خلال عشر سنوات من حكم العاهل المغربي الملك محمد السادس. تغيرت البلاد نحو الأفضل، وهناك تطوير للبنيات التحتية، مثل الطرق والموانئ والسكن. هناك أشياء مهمة تجري في المغرب، والفضل في ذلك، يعود إلى الملك. لكن علينا أن نكون واعين بأننا مطالبون جميعا بالمساهمة في تنمية وتطوير المغرب». وبشأن دور الأحزاب، وعزوف الشباب عن المشاركة في الانتخابات والانخراط في الحياة السياسية، قال بن جلون إن «الديمقراطية هي ثقافة نتعلمها يوميا وبالتدريج، وليست مسألة تقنية. على الجميع أن يتشبع بقيم الديمقراطية. إننا نتحدث عن حقوق الإنسان مثلا، ونتوجه بكلامنا نحو الدولة. فعلا، على الدولة أن تتحمل مسؤولياتها وواجباتها، وفي مقابل ذلك، علينا أن نحترم حقوق الآخرين، حقوق المرأة والطفل والعمال، مثلا».