محاكمات إيران: اتهامات لمهدي رفسنجاني وخاتمي وحجاريان بالسعي لثورة مخملية

البرلمان الإيراني يفتح تحقيقا في «مقابر جماعية» للضحايا * تبادل كلامي حاد بين باريس وطهران

صورة وزعتها وكالة «فارس» تظهر أحد الإصلاحيين المعتقلين ورجل أمن يساعدان سعيد حجاريان لضبط أوراقه والميكروفون خلال محاكمته أمس (أ.ب)
TT

وسط اتهامات لعائلة رئيس مجلس الخبراء هاشمي رفسنجاني والرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي والممول العالمي جورج سوروس وغياب إعلامي تام، مثل العشرات من قادة الحركة الإصلاحية من المقربين من خاتمي ومسؤولين عملوا مع رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني، أمام المحكمة الثورية بطهران أمس بتهمة إشاعة الاضطرابات في أعقاب الأزمة التي تلت إعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد في يونيو (حزيران) الماضي. وجلسة أمس هي الرابعة في الجلسات التي عقدت حتى الآن لمحاكمة من قالت السلطات إنهم «الرؤوس المدبرة» وراء الاضطرابات التي أعقبت الانتخابات، إلا أن المحكمة الثورية لم تصدر أي قرار بعد بحق قادة الإصلاحيين أو الصحافيين المعتقلين. وأوضحت وسائل الإعلام الإيرانية أن الماثلين أمام المحكمة من المقربين من خاتمي ورفسنجاني، منهم وزير الصناعة والمناجم السابق وأحد منظري الحركة الإصلاحية بهزاد نبوي، ومساعد وزير الداخلية السابق مصطفى تاج زاده، ومساعد وزير الخارجية السابق محسن أمين زاده، ومساعد وزير الاقتصاد السابق محسن صفائي فرحاني. والإصلاحيان البارزان محسن ميردمادي وعبد الله رمضان زاده. وبين المتهمين أيضا سعيد حجاريان النائب السابق لوزير المخابرات الذي أصبح أحد مهندسي الحركة الإصلاحية في إيران. وأصيب حجاريان بالشلل بعد محاولة لاغتياله عام 2000. ولم تقتصر محاكمات أمس على سياسيين من المعسكر الإصلاحي، بل أيضا صحافيين وأكاديميين، بينهم الأكاديمي الإيراني ـ الأميركي كيان تاجبخش، والصحافي سعيد ليلاز، والصحافي محمد قوشاني رئيس تحرير صحيفة «اعتماد ملي» التابعة للإصلاحي مهدي كروبي المرشح المهزوم في الانتخابات الرئاسية، والصحافي الإصلاحي أحمد زيد عبادي. والصحافي مسعود بستاني الذي كان يعمل في الموقع الإلكتروني الذي يديره مهدي رفسنجاني، نجل هاشمي رفسنجاني. وقال مسعود باستاني في اعترافاته بحسب ما نقلت عنه وكالة «فارس» أمس إن مهدي رفسنجاني عمل لإشاعة «انطباع أن ثمة تزويرا في الانتخابات». وأضاف «تلقينا أمرا بمهاجمة العمل الذي حققته الحكومة منذ أربعة أعوام بهدف إثارة شكوك حول العملية الانتخابية».

كما ذكرت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا) أن سعيد حجاريان الوجه البارز في المعسكر الإصلاحي قدم اعتذاره عن «الأخطاء الفادحة» التي ارتكبها بسبب «التحليلات السيئة»، قائلا عبر أحد المعتقلين من الإصلاحيين (الذي طلب منه قراءة بيان اعترافه بسبب الصعوبات التي يواجهها في الكلام منذ محاولة اغتياله): «ارتكبت أخطاء كبيرة بتقديمي تحليلات في غير محلها خلال الانتخابات. أعتذر للأمة الإيرانية العزيزة لأن تحليلاتي الخاطئة كانت سببا في أفعالي الخاطئة». وقال الادعاء العام في لائحة اتهاماته أمس إن حجاريان له صلات بأجهزة الاستخبارات البريطانية ومؤسسة «سوروس» التي يملكها الملياردير الأميركي جورج سوروس التي سعت إلى قيام «ثورة مخملية» في إيران. كذلك وجه الادعاء العام الاتهام إلى حجاريان بإهانة المرشد الأعلى لإيران آية الله على خامنئي. وقالت وكالة (إرنا) إن ممثل الادعاء طالب أمس بتوقيع «أقصى عقوبة» على حجاريان الذي اتهمه بالإضرار بالأمن القومي وهي تهمة عقوبتها الإعدام في إيران. كذلك ذكرت وكالة «إرنا» أن رمضان زادة الذي مثل أمام المحكمة أمس، أكد بدوره أمس أن «نتيجة الانتخابات كانت صحيحة».

أما الأكاديمي الإيراني ـ الأميركي، كيان تاجبخش فقال في الاعترافات التي نسبت إليه أن محمد خاتمي التقى جورج سوروس عام 2006 في نيويورك مع محمد جواد ظريف الذي كان سفيرا لإيران في الأمم المتحدة آنذاك. وأضاف تاجبخش كما نقلت عنه وكالة (إرنا) «أنا ضحية برنامج أميركي يهدف إلى الإطاحة بالنظام بشكل سلمي». واتهم الادعاء العام في إيران أمس أحزابا إصلاحية على غرار «جبهة المشاركة» الإصلاحية و«منظمة مجاهدي الثورة الإسلامية» بنشر «شائعات عن عمليات تزوير» طالبة حلهما. واعتبر الادعاء العام أن بعض المجموعات السياسية «بالتعاون مع وسائل إعلام غربية وسفارات استعمارية، زرعت الفوضى واستخدمت أنصار المرشحين الخاسرين للقيام بانقلاب أبيض». وهذه المحاكمات، التي اعتبرتها المعارضة الإصلاحية والمجتمع الدولي «محاكمات صورية ومسرحية سخيفة»، لم يسمح للصحافيين الأجانب بحضورها ولم يصدر فيها أي حكم حتى الآن. وقد أحيل 140 شخصا منذ الأول من أغسطس (آب) إلى المحكمة الثورية إثر المظاهرات التي تلت إعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد في 12 يونيو (حزيران). واعتقل ما لا يقل عن أربعة آلاف شخص خلال المظاهرات، لكن لم يبق منهم سوى 300 وراء القضبان. وتقول دوائر الإصلاحيين في إيران أن استمرار اعتقال مسؤولين كبار في الحركة الإصلاحية يهدف إلى زيادة الضغط على الإصلاحيين لوقف انتقاداتهم للانتخابات وما جرى بعدها. وهزأ الإصلاحيون من الاعترافات التي نسبت إلى مسؤولين سابقين ومن بينهم محمد على أبطحي النائب السابق لخاتمي الذي نقل عنه الادعاء اعترافه بوجود مخطط مسبق من رفسنجاني وخاتمي ومير حسين موسوي للاحتجاج على الانتخابات، ووصف الإصلاحيون تلك الاعترافات بأنها مسرحية، ولا أساس لها من الصحة ولا تصدقها الدجاجة المطهوة، وهو تعبير إيراني يستخدم لوصف الأشياء التي لا تصدق. وأقامت إيران بالفعل ثلاث محاكمات جماعية هذا الشهر لأكثر من 100 محتجز بينهم سياسيون بارزون بتهم تشمل الإضرار بالأمن القومي وهي تهمة عقوبتها الإعدام وفقا لقانون إيران. أما الجولة الثانية من المحاكمات فقد عقدت يوم الثامن من أغسطس (آب) الحالي، وقد مثل خلالها عدد من الإصلاحيين والفرنسية كلوتيلد ريس وموظفان إيرانيان بسفارتي بريطانيا وفرنسا في طهران. وتصاعدت أمس الخلافات بين إيران وفرنسا على خلفية أزمة احتجاز ريس، فقد انتقد وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير السفير الإيراني في باريس سيد مهدي ميرابوطالبي الذي اتهم في مقابلة مع صحيفة فرنسية الشابة كلوتيلد ريس بالتجسس على النشاطات النووية الإيرانية.

وقال كوشنير بلهجة حادة لإذاعة «أوروبا 1» إن ما قاله الدبلوماسي «خاطئ». وأضاف «كفوا عن الاعتقاد بأن السفير الإيراني هو القضاء الإيراني. هذا الرجل تحدث وهو مخطئ في ذلك لأن ما قاله خطأ». وأضاف «لقد استقبلناه واستدعيناه مرارا». وكانت الفرنسية التي تبلغ من العمر 24 عاما أوقفت في إيران في الأول من يوليو (تموز) وتمكنت باريس في 16 أغسطس (آب) من التوصل إلى الإفراج عنها بكفالة لتقيم في السفارة الفرنسية بانتظار حكم.

وتساءل السفير الإيراني «لماذا تذهب إلى أصفهان (كمدرسة للفرنسية) المنطقة التي تضم منشآتنا لتخصيب اليورانيوم تحديدا؟»، مبررا «شكوك» طهران فيها. وأضاف أنها خضعت لمراقبة مستمرة في إيران. وقال «نراقبها منذ أن دخلت الأراضي الإيرانية». واتهم السفير الإيراني فرنسا بالسعي «للتدخل في الشؤون الداخلية الإيرانية بعد الانتخابات فورا» التي فاز فيها الرئيس المتشدد محمود أحمدي نجاد. ووصف كوشنير هذه الاتهامات بأنها «هراء»، معبرا من جديد عن «تخوفه» من أن تضطر ريس للانتظار «أياما إن لم يكن أسابيع» الحكم الذي يمكن أن يمهد لإعادتها إلى فرنسا. وقال إن «الحوار صعب مع الإيرانيين» بشكل عام. وأضاف «حاولنا قبل الأميركيين الذين نوافق على سياستهم. مد اليد ضروري ولا بد من مواصلة الحوار لكننا فعلنا ذلك». وتابع كونشير «أتصل كل أسبوع بإيران بنظيري. هل هذا مفيد؟ لا لا ولا».

إلى ذلك قرر البرلمان الإيراني فتح تحقيق في تقارير عن دفن جماعي للضحايا الذين قتلوا في أزمة الانتخابات الإيرانية وذلك بعد إعلان موقع «نيروز» الإيراني الإصلاحي عن عمليات دفن جماعي للقتلى في مقبرة «جنة الزهراء» في طهران منعا لإثارة الرأي العام وتأكيد اتهامات الإصلاحيين بحدوث انتهاكات كبيرة في الطريقة التي تمت بها معاملة المتظاهرين في الشوارع. ونقل موقع «نيروز» الإيراني عن مصادر إصلاحية قولها إن العشرات من المتظاهرين الذين قتلوا برصاص قوات الأمن دفنوا بشكل جماعي في الفترة من 12 إلى 15 يوليو (تموز)، أي بعد شهر من الانتخابات الإيرانية. وتابع الموقع: «دفن قتلى في القسم 302 من مقبرة جنة الزهراء. 28 منهم دفنوا من دون تصريح بالدفن أو أسماء يوم 12 يوليو (تموز)، وأكثر من 16 دفنوا بعد ذلك بثلاثة أيام في نفس الملابسات». وكان أهالي بعض الضحايا قد أعلنوا في الأسابيع الماضية أن السلطات أخفت عنهم موت أبنائهم خلال المظاهرات أو في السجون لأسابيع، وذلك قبل تسليم الجثث لذويها، كما قال آخرون إنهم ما زالوا يبحثون عن أبنائهم حتى الآن دون جدوى، ويعتقدون أن أبناءهم ربما دفنوا دون علمهم. لكن وعلى صعيد آخر، قال فرهاد تاجاري عضو اللجنة البرلمانية الإيرانية للتحقيق في اتهامات تقدم بها زعماء المعارضة الإيرانية بتعرض بعض الإصلاحيين للاغتصاب في السجن، إن تحقيقا برلمانيا دقيقا «لم يجد لها أساسا». وصرح تاجاري لوكالة «إرنا»: «بعد الاجتماع مع مرشح الرئاسة المعتدل المهزوم مهدي كروبي أمس الاثنين واستنادا لتحقيقنا الشامل والدقيق.. نعتقد أن هذه المزاعم لا أساس لها». وأغرقت نتيجة انتخابات الرئاسة الإيرانية التي جرت في 12 يونيو (حزيران) إيران في أخطر أزمة داخلية تواجهها منذ الثورة عام 1979 وأظهرت انقسامات عميقة بين النخبة الحاكمة في البلاد.

ولم يخفف من حدة الانقسامات بين النخبة، نفى البرلمان أمس حدوث حالات اغتصاب، إذ أن مهدي كروبي تمسك بحدوث تلك الانتهاكات. وبث موقع صحيفته على الإنترنت شهادة شاب قال إنه تعرض للاغتصاب في السجن، مع 3 آخرين. وبحسب موقع «اعتماد ملي» فإن الشاب، الذي لم يكشف عن هويته، سأل من اعتدوا عليه لماذا ارتكبوا جرائمهم بحق المعتقلين في السجون؟ فرد عليه أحدهم قائلا: «عندما قال المرشد الأعلى إن الانتخابات نزيهة، كان ينبغي عليكم الامتثال لما قال». وروى الشاب في شهادته لموقع كروبي، أنه سرد ما جرى معه في السجن للمحققين وقاضٍ كان ينظر في القضية، إلا أن المحققين والقاضي طرحوا عليه أسئلة مهينة، وقالوا له إنه سبب ما جرى له بسبب مشاركته في التظاهرات.