إدارة اوباما تفتح ملف التحقيق بانتهاكات الاستخبارات.. وسي آي إيه تدافع عن نفسها

استمرار تسليم المعتقلين لطرف ثالث * تفاصيل جديدة تكشف تهديد معتقلين بقتل عائلاتهم وإعدامات وهمية

زنزانة في المعسكر الرابع في خليج غوانتنامو في كوبا (رويترز)
TT

لم يكن قرار وزير العدل الأميركي ايريك هولدر فتح تحقيق أولي في انتهاكات وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية الـ«سي اي إيه» خلال استجواب المعتلقين المشتبه بتورطهم في قضايا إرهاب بسيطاً، واقر هولدر نفسه بذلك عندما أنهى البيان الصادر عنه للإعلان عن التحقيق بجملة: «إنني واع تماماً أن قراري لبدء هذه المراجعة الأولية سيثير الجدل، ولكن كوزير عدل مسؤوليتي أن ابحث الحقائق وان اتبع القانون»، مضيفاً: «مع كل المعلومات المتاحة حالياً، من الواضح لي أن هذه المراجعة هي سبيل العمل المسؤول الوحيد المتاح لي». في غضون ذلك نقلت «نيويورك تايمز» عن مسؤولين أميركيين أن إدارة الرئيس الأميركي باراك اوباما ستستمر في السياسة التي بدأت في عهد الرئيس الأميركي جورج بوش في تسليم مشتبهي الإرهاب إلى طرف ثالث( دول) لاحتجازهم والتحقيق معهم مع مراقبة اشد لمنع استخدام أساليب تعذيب معهم. لكن جماعات حقوقية انتقدت ذلك وقالت إن استمرار هذا الإجراء سيعني استمرار نقل السجناء إلى بلدان سجلها في حقوق الإنسان سيىء.

وستشهد الأسابيع والأشهر المقبلة تحقيقاً، أو ما تسميه الإدارة الأميركية مراجعة، يؤدي إلى اتخاذ قرار نهائي فيما إذا كان من الضروري فتح تحقيق جنائي كامل لتصرفات موظفي وكالة الاستخبارات المركزية ومتعاقدين أثناء استجواب معتقلين في سجون خارج الولايات المتحدة، قد يؤدي إلى محاكمتهم جنائيا. وقال هولدر إن بعد مراجعة المعلومات المتاحة له «استخلصت أن المعلومات تؤكد ضرورة فتح مراجعة أولية حول ما إذا كان هناك خرق للقوانين الفيدرالية ارتباطا مع المعتقلين في مواقع خارج الولايات المتحدة». وشدد على أن «الوزارة تستخدم المراجعات الأولية بشكل دوري لجمع المعلومات حول ما إذا كان هناك ما يستوجب تحقيقا كاملا في القضية، وأريد أن اشدد على أن فتح التحقيق الأولي أو بدء تحقيق كامل لا يعني بالضرورة توجيه الاتهامات». ويقود المراجعة الحالية جون دورهام، وهو مدع مشهور قام بالتحقيق سابقاً بتدمير تسجيلات الـ«سي اي إيه» لإخفاء تفاصيل حول أساليب التحقيق مع عنصرين من تنظيم القاعدة عام 2005. وجاء إعلان هولدر إجراء التحقيق الأولي تزامناً مع نشر تفاصيل جديدة عن أساليب التحقيق التي اعتمدتها الـ«سي اي إيه» عقب هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 وخوض إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش «الحرب على الإرهاب». ونشرت التفاصيل الجديدة في تقرير لـ«سي اي إيه» اعد عام 2004 حول سبل التحقيق التي اعتمدتها الوكالة ولم يتم الكشف عن تفاصيلها حتى أول من أمس وذلك بناء على قرار قضائي. ويظهر التقرير، وطوله 109 صفحات، استخدام محققي الـ«سي اي إيه» أساليب تحقيق شديدة تعتبرها جهات عدة بأنها تعذيب، منها تهديد المعتقلين بالاعتداء على عائلاتهم وخنقهم، بالإضافة إلى تخويفهم من خلال إطلاق الرصاص في غرفة مجاورة لغرف التحقيق على أنها إعدامات. ولكن في الوقت نفسه يظهر التقرير، الذي أعده المفتش العام لـ«سي اي إيه» عام 2004 وما زالت أجزاء منه سرية، أن بعض هذه الاستجوابات أدت إلى نتائج مفيدة لـ«سي اي إيه» في مواجهة «القاعدة». وتحاول إدارة الرئيس الأميركي باراك اوباما معالجة قضية انتهاكات الـ«سي اي إيه» وخاصة في السجون الأميركية في أفغانستان والعراق. وكان اوباما قد زار الـ«سي اي إيه» بداية العام ووعد بعدم محاكمة أي موظفين عملوا ضمن التعليمات التي استلموها عند عملهم. ويذكر أن هذا الإعلان تزامن مع اليوم الأول من إجازة الرئيس الأميركي باراك اوباما الصيفية ولم يعلق عليه مباشرة، كما انه ظهر أمس في مؤتمر صحافي مفاجئ من مقر إجازته للحديث عن الاقتصاد ومن دون الإجابة عن أسئلة الصحافيين. واكتفى البيت الأبيض بإصدار تصريح مقتضب من الناطق باسم اوباما يقول: «الرئيس قد قال تكراراً انه يريد أن يتطلع إلى الأمام وليس إلى الوراء، والرئيس يتفق مع وزير العدل بان الذين عملوا بحسن نية وضمن التعليمات القانونية لن يحاكموا»، مضيفاً: «في النهاية، تحديد إذا كان أحد قد انتهك القانون سيعود إلى وزير العدل المستقل». ويشدد المسؤولون في الـ«سي اي إيه» على مرور 5 أعوام على إعداد التقرير، مؤكدين على إجراء تعديلات على أساليب الاستجواب لدى الوكالة. ولم يخف مدير الوكالة ليون بانيتا غضبه لإعلان هولدر فتح تحقيق في عمل الـ«سي اي إيه»، إذ نشر رسالة موجهة إلى جميع من يعمل في الوكالة ينتقد القرار. وقال بانيتا: «هذه قصة قديمة، إطار أساليب التحقيق السابقة والكثير من التفاصيل، معروفة سابقاً»، مضيفاً: «استخدام أساليب التحقيق الشديد بدأت عندما كان بلدنا يرد على بشاعة 11 سبتمبر وانتهت في يناير (كانون الثاني) الماضي»، في إشارة إلى قرار اوباما منع أساليب التعذيب عند توليه الرئاسة. وتابع بانيتا أن الأمر المهم بالنسبة لـ«سي اي إيه» هو حماية الشعب الأميركي، موضحاً: «التحدي ليس معارك يوم أمس بل معارك اليوم وغداً، هنا يجب أن نعمل على تحسين امن بلدنا وهذه هي الوظيفة التي الشعب الأميركي يريدنا أن نقوم بها وهي مسؤوليتي». واعتبر بانيتا انه من الضروري التذكير بان وكالة الاستخبارات هي التي أمرت بتقرير المفتش العام الذي كشفت عنه وزارة العدل، كما أن الوكالة أعطت التقرير لوزارة العدل من اجل متابعة القضايا التي قد تستحق تحقيقا جنائيا، بالإضافة إلى إرسال نسخة للكونغرس. وعبر بانيتا عن رفضه «دخول النقاش المسيس حول الاستفادة من جهود الاستجواب والاعتقال السابقة للوكالة» ولكن من الواضح أن الـ«سي اي إيه» حصلت على معلومات من معتقلين مهمين في وقت كانت المعلومات الداخلية حول (القاعدة) نادرة. وبالإضافة إلى رسالة بانيتا، نشرت الـ«سي اي إيه» مساء أول من أمس تقارير تعود إلى عامي 2004 و2005 تظهر المعلومات المفيدة التي حصلت عليها من خلال استجواب المعتقلين في قضايا متعلقة بالإرهاب. ومن بين القضايا في التقارير التي كانت حتى هذا الأسبوع سرية المعلومات التي أدلى بها خالد الشيخ محمد وتفسر طريقة عمل تنظيم القاعدة. وكلام بانيتا حول تسييس القضية كان واضحاً، إذ تبادل نواب من الحزبين الجمهوري والديمقراطي الانتقادات حول هذه القضية من خلال وسائل الإعلام يوم أمس. على الرغم من التزام الرئيس الأميركي السابق جورج بوش بالصمت، سارع نائبه السابق ديك تشيني بإدانة قرار الإدارة الجديدة. وقال تشيني في بيان أمس إن المحققين الذين حققوا مع المتهمين بقضايا إرهاب «يستحقون شكرنا»، معتبراً أن فتح التحقيق يجعلهم «أهداف للتحقيقات السياسية». وكرر تشيني انتقاده لإدارة اوباما قائلاً إن قرارات مثل هذه تظهر «لماذا الكثير من الأميركيين يشكون بقدرة هذه الإدارة في أن تكون مسؤولة عن امن بلدنا». ولم تختصر الانتقادات لإدارة اوباما على الجمهوريين أو المطالبين بعدم فتح الملفات القديمة لـ«سي اي إيه»، فجماعات حقوقية اعتبرت أن التحقيق الأولي غير كاف وقال المدير التنفيذي لجماعة «اتحاد الحريات المدنية الأميركية» انتوني روميرو أمس إن «التحقيق ضروري ومتأخر ويجب الإشادة بوزير العدل هولدر لاتخاذ هذه الخطوة المهمة، ولكن الإطار المحدود جداً للتحقيق الذي أطلقه ليس بالوسع والتفاصيل المطلوبة بالتحقيق في التعذيب». ويقود روميرو المنظمة التي كانت مسؤولة عن نشر تقرير الـ«سي اي إيه» بعدما لجأت إلى المحاكم وكسبت حق الاطلاع على تقرير التحقيق في انتهاكات الـ«سي اي إيه». وأضاف أمس أن المدعي جون دارهام «سينظر في 12 قضية قد يكون المحققون خرقوا فيها قوانين أميركية.. ولكن العدل يطالب بتحقيق من دون أي قيود وتحقيق موسع لا يستبعد المسؤولين الرفيعي المستوى». واعتبر أن على «هولدر أن يتابع التحقيق أينما يصل»، في إشارة إلى إمكانية التحقيق بدور مسؤولين رفيعي المستوى من إدارة بوش.