لبنان يدخل شهر «الفراغ الحكومي» الثالث.. والنائب عون يواصل التصعيد

الحريري يضرب الرقم القياسي في أطول عملية تشكيل حكومية

رئيس الوزراء اللبناني المكلف، سعد الحريري، خلال اجتماعه أمس في دارته في بيروت بممثلين عن صناديق الزكاة (تصوير: دالاتي ونهرا)
TT

يدخل لبنان اليوم الشهر الثالث من «الفراغ الحكومي» الناجم عن استقالة الحكومة برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة، وعدم ولادة الحكومة اللاحقة التي كلف الرئيس سعد الحريري بتأليفها في 27 يونيو (حزيران) الماضي.

وبغض النظر عن «الأسباب التقنية» التي تحول دون إعلان التشكيلة الحكومية حتى الآن على الرغم من الاتفاق على صيغة لتقاسم مقاعدها بين الموالاة والمعارضة ورئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، فإن الترجمة العملية لعدم تأليف الحكومة هي غياب السلطة التنفيذية عن الساحة، وتعطيل عمل السلطة التشريعية، مما يجعل البلاد تدخل عمليا في مرحلة «تصريف أعمال» بالحد الأدنى، دون قدرة الحكومة الحالية على اتخاذ قرارات أساسية لأنها أصبحت بحكم المستقيلة منذ بداية ولاية المجلس النيابي الحالي الذي بدوره لا يزال غير قادر على الانطلاق بعمله لعدم استكمال لجانه التي تحتاج إلى جلسة عامة تحضرها الحكومة، الأمر الذي يعرقل عمليا انطلاقة عمل المجلس الجديد الذي لم يتمكن بعد من مباشرة عمله بسبب عدم وجود حكومة.

ومع دخول عملية التأليف شهرها الثالث، يصبح الحريري صاحب الرقم القياسي في أطول عملية تأليف حكومة في لبنان بعد اتفاق الطائف، وربما في تاريخ لبنان الذي لم يشهد حالة تصريف أعمال طويلة إلا مرة واحدة مع استقالة حكومة الرئيس السابق رشيد كرامي إثر مواجهات بين الجيش والتنظيمات الفلسطينية في عام 1969، وهي استقالة قبلها رئيس الجمهورية آنذاك شارل حلو، وبقي كرامي «يصرف الأعمال» لمدة سبعة أشهر، كلفه خلالها الرئيس حلو بتأليف حكومة ثانية فرفض، ثم قبل بالتكليف الثاني بعد التوصل إلى اتفاق القاهرة الشهير لتنظيم عمل المقاومة الفلسطينية المسلحة انطلاقا من جنوب لبنان.

وعملية «تصريف الأعمال» هي قيام الحكومة المستقيلة بسد الفراغ ما بين استقالتها الفعلية وولادة السلطة الجديدة. وتقول المادة 69 من الدستور إن الحكومة تعتبر مستقيلة عند بدء ولاية مجلس النواب دون الحاجة إلى قرار أو كتاب استقالة أو قبول استقالة. وعند اعتبار الحكومة مستقيلة يصبح مجلس النواب حكما في دورة انعقاد استثنائية حتى تأليف حكومة جديدة ونيلها الثقة.

وتنطلق عملية «التصريف» من مبدأ في الحياة الدستورية العامة للدول والحكومات معروف بمبدأ استمرار المرافق العامة، فالدولة في حاجة إذن إلى عنصر الاستمرار في مختلف مرافقها الإدارية والاستثمارية العامة. والأعمال العادية المقصودة هي الأعمال التي لا تعرض مسؤولية أعضائها من وزراء إلى نتائج سياسية، لأن الحكومة لم تعد تحظى بثقة البرلمان أي الشعب ولم تعد قادرة على اتخاذ قرارات سياسية، ذلك أن ثمة أعمالا لا يؤدي القيام بها إلى ترتيب مسؤولية سياسية على الوزارة أو الوزراء المستقيلين، وهي تلك الأعمال العادية التي يتوسع نطاقها أو يضيق تبعا للمدة التي يستغرقها تشكيل حكومة دستورية جديدة وهي التي يمكن للحكومة المستقيلة أو المعتبرة مستقيلة القيام بها خاصة متى توافر عنصر العجلة فيها بحيث تتحول إلى أعمال جارية لا أعمال عادية. لكن يبقى للحكومة المستقيلة أو المعتبرة مستقيلة خلال فترة الأزمة السياسية الناجمة عن عدم تشكيل حكومة جديدة أن تتخذ قراراتها في كل الشؤون الاضطرارية الضاغطة، مثل الحفاظ على الأمن العام أو سلامة الأراضي أو الحرب، خاصة متى تطلبت تلك القرارات العجلة تحت طائلة انتفاء الحق أو إلحاق الضرر بمصالح الدولة وعرقلة سيرها، ففي مثل هذه الحالات يكون من حق الحكومة المستقيلة وصلاحياتها أن تتصرف كما لو كانت حكومة دستورية قائمة بكل الاختصاصات والصلاحيات التي نص عليها الدستور.

واستمرت أمس المساعي لتأليف الحكومة الجديدة، ورأت الأمانة العامة لقوى 14 آذار في اجتماعها الدوري أن «من شأن استمرار فريق التعطيل في عرقلة تأليف الحكومة أن يضع البلاد في أجواء احتقان، لا سيما مع بروز مؤشرات أمنية خطيرة. وهذا ما حدا بفخامة رئيس الجمهورية قبل يومين إلى التحذير من انعكاسات سيئة على الاستقرار السياسي والأمني في حال استمرار المراوحة. ونبه إلى أن التعطيل المتمادي من شأنه أن يؤدي إلى إغراق لبنان في تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، بعدما نجح حتى الآن في تفاديها إلى حد أكثر من مقبول بشهادة العارفين. وعندئذ تتمادى الأزمات المعيشية التي ترهق اللبنانيين، بدلا من استثمار فرص متاحة لمعالجتها». واستنكرت «الحملة المركزة على رئيس الحكومة المكلف، وهي حملة لا يخفى أصلا أن دافعها هو تمسك الرئيس المكلف بالدستور وبصلاحياته الدستورية في تشكيل الحكومة بالتعاون مع فخامة الرئيس. وهذه مناسبة لتأكيد تمسكنا بالطائف والدستور، وبالنظام السياسي الديمقراطي في وجه أي محاولة لزعزعته».

وأبدت كتلة نواب «حزب الله» الحرص على «التشاور والحوار العملي الهادئ تحت سقف الإطار السياسي العام الذي تم التوافق عليه لتشكيل الحكومة المرتقبة»، معتبرة أنه «المدخل الواقعي للتوصل إلى تمثيل مرض للجميع، يسمح بانطلاقة جيدة لعمل حكومي منتج وقادر على مواجهة الاستحقاقات المقبلة». وشددت على أن «الجميع يتحملون المسؤولية في توفير المناخات السياسية المواتية والإيجابية وتعزيزها، وضبط كل المحاولات أو الانزلاقات نحو التهويل أو التصعيد الكلامي الذي لا طائل منه ولا جدوى».

غير أن رئيس تكتل التغيير والإصلاح، النائب ميشال عون، واصل خطه التصعيدي برده أمس على إمكانية دعوته من قبل رئيس الحكومة المكلف، سعد الحريري، إلى إفطار المكلف سعد الحريري، بأنه لن يزور أحدا، قائلا: «من يريد التفاوض فليأت إلى منزلي».

وأشار عون في حديث تلفزيوني إلى أنه ليس هو من خلق الأزمة الحكومية وعلى من خلقها أن يحلها، مشددا على أن الأزمة تبقى خارج لبنان ولأسباب ستُعرف قريبا جدا.

وأكد أنه لن يكون خارج التشكيلة الحكومية، بل ضمنها وبـ5 حقائب، لافتا إلى أنه لن يستأنف التفاوض إلا بعد اعتذار من قبل كل من أساء إليه وبعد الاعتراف بحقوقه، مستبعدا ولادة قريبة للحكومة.

وعن إمكانية أن تقدم المعارضة مزيدا من التنازلات، لفت إلى أن المعارضة أعطت 3 مقاعد وزارية من حصتها على أساس النسبية ولن تضحي أكثر من هذا. وردا على سؤال عن إصراره على الداخلية، قال: «لا أناقش بوزارات قدمت عرضا وأنتظر الجواب».