فاطمة.. آخر ملكات ليبيا تخضع لإشراف طبي في مستشفى بالقاهرة

عمرها 99 عاما.. وتحرص على قضاء أسبوعين في الأراضي المقدسة ومثلهما في الصحراء المصرية

الملكة فاطمة آخر ملكات ليبيا (تصوير: محمد مصطفى)
TT

قال مقربون من الملكة فاطمة أرملة ملك ليبيا الراحل إدريس السنوسي لـ«الشرق الأوسط» إنها تخضع حاليا لإشراف طبي كامل بعد نقلها إلى إحدى مستشفيات العاصمة المصرية جراء تعرضها يوم الثلاثاء قبل الماضي لإغماءة خفيفة.

وأشار هؤلاء إلى أن علامات الوهن بدت على الملكة التي تبلغ من العمر 99 عاما، فقرر على أثرها طبيبها الخاص نقلها إلى المستشفى لإجراء الفحوصات اللازمة التي بينت أن ما تعرضت له كان جلطة خفيفة لم تتحمل، بفعل سنها، أعراضها وتبعاتها.

وتوجد الملكة فاطمة حاليا في غرفة العناية المركزة، وتحسنت حالتها بعض الشيء. بيد أنها تتحسن ببط ء، وفقا لما أكده مقربون منها، وأطباء معالجون لـ«الشرق الأوسط».

وترقد الملكة في جناح خاص بالمستشفى تحت إشراف طاقم طبي كامل، بينما تلازمها طوال الوقت السيدة علياء بن غلبون، إلى جانب ابنها إدريس نافع السنوسي والسيدة أمينة دربي، والقيّم على شؤون الملكة، ابن أخيها الدكتور نافع السنوسي.

وقضت الملكة فاطمة السنوات الأربعين التي تلت قيام الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي بالإطاحة بنظام حكم زوجها الملك السابق إدريس السنوسي في الأول من سبتمبر (أيلول) 1969، خارج ليبيا، ولم تزرها ولو مرة واحدة طيلة هذه العقود.

وخلال فترة إقامتها الأساسية في مصر لم تدخل الملكة في أي تراشق إعلامي مع أية جهة كانت، وقضت سنواتها في المهجر عازفة عن التعليق على الشأن الليبي.

وكانت المرة الوحيدة التي كسرت فيها الملكة فاطمة هذا المبدأ عندما نقل أحد المقربين لها لـ«الشرق الأوسط» قبل نحو عامين، قولها «حسبي الله ونعم الوكيل» ردا على سؤال بشأن موقفها من اعتزام السلطات الليبية إعادة جميع أملاكها المصادرة إليها، لا سيما منزلها الكائن في طرابلس، الذي يعتبر المقر الحالي للسفارة البريطانية في ليبيا.

والملكة فاطمة هي ابنة المجاهد أحمد الشريف السنوسي، نائب الخليفة العثماني على قارة أفريقيا، وأحد أشهر أبطال عرب الشمال الأفريقي، وشيخ وكبير الحركة والعائلة السنوسية بعد وفاة عمه، محمد المهدي السنوسي. ولدت الملكة فاطمة بواحة «الكُفرَة» في الصحراء الليبية الكُبرى سنة 1911، وعاشت بها حتى بلغت سبعة عشر عاما، ثم غادرتها مع أطفال ونساء العائلة السنوسية قبيل دخول القوات الاستعمارية للواحة بأيام قليلة إلى مصر على ظهور الإبل في رحلة شاقة استغرقت 17 يوما.

وفي عام 1930 تزوجت في المهجر بمصر من ابن عمها إدريس المهدي السنوسي، أمير برقة آنذاك، الذي أصبح شيخ وكبير الحركة والعائلة السنوسية بعد والدها، وسكنا في منطقة «حمام مريوط» بالصحراء الغربية بمصر. وعاشت مع زوجها مرارة الغربة وفقرها وشاركته عناء الجهاد الطويل من أجل تحرير ليبيا. وزينت حياتهما الزوجية علاقة حب قوي ونادر لم يخمده تعاقب العصور ولا تقلبات الدهر.

رجعت الملكة فاطمة إلى برقة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية لتلعب دورها كأميرة بجانب زوجها أمير برقة بكل ثقة وكفاءة حتى عام 1951 عندما تُوّج إدريس ملكا على ليبيا المستقلة لتصبح طبقا لبنود الدستور الليبي الملكة فاطمة. وكانت طوال حياتها توقّع باسم «فاطمة إدريس»، وتحب أن تُدعى بذلك الاسم.

لم تُرزق بأطفال، على الرغم من أن ولعها بهم واضح جدا ومعروف، لكنها تبنّت عمر ابن شقيقها العربي، كما تبنّت الطفلة الجزائرية سُليمة التي فقدت أهلها في الحرب الجزائرية ـ الفرنسية.

وبذلت جهودا استثنائية ومكثفة في التخفيف عن معاناة أيتام الجزائر الذين فقدوا أهلهم وذويهم أثناء حرب التحرير، وعملت على إيجاد المأوى لهم وإتاحة الفرص التعليمية والضمانات المستقبلية.

وصفها صديق العائلة المستر إيريك ديكاندُل، مفوّض الحكومة البريطانية في برقة (من سنة 1949 إلى سنة 1952) في كتابه «الملك إدريس عاهل ليبيا.. حياته وعصره»، الذي نشره ووزعه الشيخ محمد بن غلبون سنة 1989 باللغتين الإنجليزية والعربية، بأنها سيدة لطيفة مفعمة بالحيوية والنشاط وربة بيت مثالية تمتاز باللباقة والذوق السليم. وهي ليبية في الصميم، وكانت دائما نعم الزوجة للملك إدريس.

وغادرت الملكة فاطمة ليبيا للمرة الأخيرة في أغسطس (آب) 1969 رفقة الملك إدريس إلى تركيا في رحلة للعلاج، وكانا بها عند قيام انقلاب صغار الضباط في أول سبتمبر (أيلول) من السنة ذاتها، وبعد ذلك بأيام عادت إلى مصر كلاجئة للمرة الثانية بلا زاد ولا مال، تماما كما دخلتها قبل 40 سنة. مرّت الملكة فاطمة في الأسابيع الأولى للانقلاب بفترة عصيبة من التوتر والعذاب الشديد بسبب فراق ابنتها بالتبني سُليمة، التي احتجزها الانقلابيون لفترة من الزمن حتى تدخل الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر لإطلاق سراحها والتصريح لها بالسفر، واللحاق بها في مصر.

خصص لهما عبد الناصر فيلا لسكنهما بمنطقة الدقي بالقاهرة، وكذلك مصيفا بالإسكندرية، كما خصص لهما مرتبا سنويا قدره عشرة آلاف جنيه مصري. وقد عاشا في عزلة تامة تزايدت مع مرور الأيام، قبل أن يتفرغ ابن أخيها الدكتور نافع العربي السنوسي متطوعا لخدمة ومؤانسة الملك والملكة في غربتهما.

يذكر أن دخل الملكة الوحيد هو نصيبها في ريع أوقاف الزاوية السنوسية بمكة المكرمة والمدينة المنورة، والذي يوزع على مئات الأفراد من العائلة السنوسية.

ورغم تقدمها في العمر، واظبت الملكة فاطمة على قضاء أسبوعين من كل سنة في الأراضي المقدسة. كما ظلت مواظبة على قضاء أسبوعين من كل سنة بالصحراء الغربية المصرية في منطقة «حمام مريوط»، بنفس البيت الذي سكنته مع زوجها الملك إدريس سنة 1930، الذي احتفظت به على حالته تلك، حيث تستقبل أهالي النجع وتتفقد أحوالهم، وهم بدورهم يتطلعون سنويا لتلك الزيارة ويبتهجون بها بسبب روابطهم العريقة والوثيقة بالطريقة السنوسية.

وتواظب الملكة فاطمة على تلاوة القرآن الكريم، ومن هواياتها الاستماع إلى سيمفونيات بتهوفن.

وتقوم علياء بن غلبون بدورها بجانب زوجها الدكتور نافع بخدمة الملكة ورعايتها، كما تقوم بمهام التشريفات والسكرتارية والتمريض، ومرافقتها في حلها وترحالها.

ومن أعز ذكريات الملكة فاطمة في مصر هناك حُسن ضيافة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لها ولزوجها، والعناية الخاصة التي لقيتها من السيدة جيهان قرينة الرئيس المصري الراحل أنور السادات، علما بأن رئاسة الجمهورية المصرية ما زالت حتى يومنا هذا تزودها بسائق رسمي وحرس خاص.

وعرف عن الملكة فاطمة علاقات وثيقة وصداقات حميمة مع عدد من البيوتات المصرية العريقة من الذين عرفوا قدرها ووفوه، الأمر الذي خفف من وطأة غربتها وبعدها عن الأهل والوطن.