«سي آي إيه» تكشف أساليب تحطيم إرادة معتقلي الإرهاب المهمين

زنازين جدرانها خشب وحفاضات وأضواء مستمرة وضجيج يعادل صوت قطار شحن

TT

مع بدء جلسة الاستجواب وقف المحتجز عاريا تماما، فيما عدا غطاء يغطي رأسه. وقيد الحراس يديه وقدميه، ثم وضعوا طوقا حول رقبته. وطبقا للإرشادات الصادرة عن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، سيجري استخدام هذا الطوق لاحقا في ضرب رأس المحتجز بقوة في الحائط.

بعد إزالة الغطاء الموضوع حول الرأس، يستهل المحقق عمله بتوجيه صفعة إلى وجه المحتجز، لجذب انتباه الأخير، يعقبها عدد من الصفعات الأخرى، طبقا لما تنص عليه الإرشادات. وبعد ذلك، يأتي ضرب الرأس في الحائط، الذي يمكن تجريبه لمرة بهدف «التأكيد على أمر ما»، أو القيام بها مرارا. وتنص الإرشادات على أنه من المسموح القيام بذلك «لعشرين أو ثلاثين مرة متتالية»، وذلك «إذا ما احتاج المحقق الحصول على إجابة أهم عن سؤال طرحه». وحال إخفاق هذا الأسلوب في الوصول إلى النتيجة المرجوة، هناك أساليب أخرى أقسى بكثير يمكن اللجوء إليها.

بعد خمس سنوات من تسليط الضوء على برنامج الاحتجاز السري التابع لوكالة الاستخبارات المركزية، توافرت الكثير من المعلومات حول قرار الوكالة استخدام أساليب قاسية في التحقيقات، بينها الإيهام بالغرق، بهدف اقتناص معلومات من القيادات المزعومة لتنظيم «القاعدة». الآن، مع الكشف، الاثنين الماضي، عن الإرشادات المتعلقة بالتحقيقات مع المحتجزين بالغي الأهمية، قدمت الوكالة بذلك ـ طبقا لتصريحاتها ـ أول وصف مفصل للإجراءات التي جرى استخدامها على نحو منظم لتحطيم إرادة المحتجزين للمقاومة من خلال بث التوتر والإنهاك والخوف بداخلهم.

علاوة على ذلك، تكشف الوثائق، بجانب آلاف الصفحات من وثائق أخرى تم الكشف عنها حديثا، كيف فرضت وكالة الاستخبارات المركزية تدريجيا قيودا على البرنامج، وألغت بعض أكثر الممارسات المثيرة للجدل، بعد اعتراض المستشارين الطبيين العاملين لديها عليها.

ومع ذلك، بحلول 30 ديسمبر (كانون الأول) 2004، تاريخ صدور مذكرة الوكالة التي توضح الإرشادات أمام مكتب المستشار القانوني التابع لوزارة العدل، كان محققو الوكالة قد اكتسبوا براعة في استخدام أساليب الحرمان من النوم وإجبار المحتجزين على اتخاذ أوضاع تسبب ضغطا شديدا على أجسامهم، وفي بعض الأحيان اللجوء إلى عدة أساليب متنوعة لخلق «حالة من انعدام الحيلة المكتسب والاتكال».

تبعا للمذكرة، التي كشف عنها بناء على دعوى قضائية تقدمت بها منظمة «العفو الدولية» و«الاتحاد الأميركي للحريات المدنية» تبعا لقانون حرية المعلومات، فإن «هناك أساليب تحقيق معينة تضع المحتجز تحت ضغوط بدنية ونفسية أكبر، وبالتالي تعد أدوات أكثر فاعلية».

من جهتها، رفضت وكالة الاستخبارات المركزية، الثلاثاء، التعليق على المذكرة، التي كتبها أحد المحامين العاملين لديها، تم حذف اسمه من الوثيقة. إلا أن المتحدث الرسمي باسم الوكالة، جورج ليتل، أشار إلى أن برنامج التحقيق عمل في ظل إرشادات وافق عليها مسؤولون قانونيون رفيعو المستوى داخل وزارة العدل في عهد إدارة بوش.

وأضاف ليتل: «هذا البرنامج، الذي شكل دوما جزءا من جهود وكالة الاستخبارات المركزية لمكافحة الإرهاب، انتهى. وتركز الوكالة، مثلما الحال دوما، على حماية البلاد اليوم وفي المستقبل». من جهتهم، نوه مسؤولو وكالة الاستخبارات المركزية بأن الأساليب القاسية تم الاحتفاظ بها من أجل مجموعة صغيرة من الإرهابيين بالغي الأهمية، مشتبه بهم، والذين يعتقد أن بحوزتهم معلومات حول هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001. وتعتقد الوكالة أن هذه الأساليب تحول دون وقوع هجمات مستقبلية.

مثلما اتضح في المذكرة، يبدأ الهجوم النفسي للوكالة ضد أي محتجز بمجرد إلقاء القبض عليه، فمن خلال وضع غمامة على عينيه وأغطية على الأذن، يجري «حرمانه من البصر والسمع» خلال نقله جوا إلى السجن السري التابع لوكالة الاستخبارات المركزية. كما يحرم المحتجز من أي تفاعل إنساني، فيما عدا أثناء الفحوصات الطبية.

خلال الأيام الأولى للاعتقال، تعقد مقابلة تقييم يجري على أساسها تحديد ما إذا كان الأسير سيتعاون طواعية عبر تقديم «معلومات حول تهديدات صادرة عن أفعال يقدم عليها آخرون». أما إذا لم يتطوع المحتجز بالإدلاء بمثل تلك المعلومات، فتبدأ مرحلة القسر. يجري تعريض المحتجز إلى أضواء مستمرة و«ضجيج أبيض» على مستويات تصل إلى 79 ديسيبيل، وهي تقريبا الدرجة المكافئة لصوت قطار شحن متحرك. ويتم حلق شعر رأس وذقن المحتجز وتجريده من ملابسه، ووضع نظام غذائي له يعتمد في معظمه على السوائل وإجباره على البقاء مستيقظا لفترات تصل إلى 180 ساعة.

وأوضحت المذكرة أنه «من المهم إقرار هذه الحالة الأساسية للتأكيد للمحتجز أنه فقد السيطرة كلية». جدير بالذكر أن التحقيقات داخل السجون التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية جرت داخل زنزانات خاصة مزودة في أحد جوانبها بجدار مغطى بقشور خشبية، بهدف الحيلولة دون وقوع إصابات خطيرة بالرأس. حسب خطة التحقيق الخاصة بالوكالة، سيتم وضع المحتجز، بعد تجريده من ملابسه وتغطية رأسه بغمامة، في مواجهة الحائط مقيدا. بعد ذلك، يبدأ الاستجواب. وتنص الوثيقة على أنه «على المحققين نزع الغمامة من على رأس المحتجز وشرح الموقف له، وإخباره أن المحققين سيفعلون أي شيء لازم لاستخلاص معلومات مهمة منه».

حال عدم وجود استجابة، يمكن للمحقق اللجوء إلى «الإهانة بتوجيه صفعات» بهدف «معاقبة المحتجز أو تقديم رد فعل للاستجابة التي قدمها المحتجز». حال استم رار غياب استجابة مناسبة من المحتجز، يمكن للمحقق توجيه «ضربة إلى بطن» المحتجز أو الإمساك به بقوة من الوجه، تبعا لما تنص عليه المذكرة. الواضح أن كل إخفاق سيجري التعامل معه بأساليب أشد قسوة، فبعد ضرب رأس المحتجز في الجدار المغطى برقائق خشبية عدة مرات، يمكن للمحقق إغراق جسده بالماء أو حرمانه من دخول المرحاض وإجباره على ارتداء «حفاضة»، أو إجباره على الوقوف أو الجثو لفترات طويلة مع تقييده في وضع مؤلم. ويمكن أيضا إجبار المحتجز على البقاء ممددا داخل صندوق خشبي لفترة تصل إلى 18 ساعة.

وقد أثارت مثل هذه الأساليب القلق بين بعض مسؤولي الوكالة، خاصة أعضاء مجموعة طبية استشارية تعرف باسم «مكتب الخدمات الطبية». عندما بدأ برنامج التحقيقات، «لم تتم استشارة المجموعة أو إشراكها في التحليل المبدئي للمخاطر والفوائد» المنطوية على أساليب التحقيق المعززة، تبعا لما ورد بتقرير صدر عام 2004 عن المفتش العام التابع لوكالة الاستخبارات المركزية. تبعا لما ورد في التقرير، لم يصدر «مكتب الخدمات الطبية» إرشادات طبية رسمية حتى أبريل (نيسان) 2003، في أعقاب استخدام أسلوب الإيهام بالغرق ضد خالد شيخ محمد، الذي ادعى كونه العقل المدبر وراء هجمات 11 سبتمبر (أيلول).

إلا أنه بمرور الوقت، مع تعديل البرنامج وفرض إرشادات صارمة على استخدام أساليب بعينها، شرع «مكتب الخدمات الطبية» في الاضطلاع بدور محوري على نحو متزايد. وأشارت مذكرة صادرة عن وزارة العدل عام 2005 على نحو متكرر إلى إرشادات صادرة من جانب «مكتب الخدمات الطبية» في ديسمبر (كانون الأول) 2004 في تقييمها لتطبيق أساليب قسرية مع المحتجزين، منوهة بأن «مكتب الخدمات الطبية، في الواقع، حظر استخدام أساليب معينة في التحقيق مع محتجزين محددين».

على ما يبدو، ساورت شكوك عميقة «مكتب الخدمات الطبية» إزاء استخدام أسلوب الإيهام بالغرق، والذي تم وقفه عام 2004. وأخبر عاملون بالمكتب المفتش العام بأن «التعقيد المشار إليه» فيما يخص المراجعة الأولية لأسلوب الإيهام بالغرق «مبالغ فيه»، علاوة على أن الفاعلية المنسوبة لهذا الأسلوب «مبالغ في تقديرها».

كما أثار «مكتب الخدمات الطبية» مخاوف كبيرة إزاء الأخطار الطبية التي ينطوي عليها الإيهام بالغرق. وحذر المكتب، طبقا لمذكرة صادرة عن وزارة العدل عام 2005، من أن «أخطر الأمور تتمثل في أنه لأسباب تتعلق بالإرهاق البدني أو الاستسلام المعنوي، قد يتوقف المحتجز عن المقاومة، مما يسمح للماء بملء المنافذ الهوائية ويترتب عليه فقدان الوعي».

أدت هذه التحذيرات، بجانب المخاوف التي أبداها الكونغرس حيال السجون السرية لوكالة الاستخبارات المركزية، تدريجيا إلى تعديل الوكالة للبرنامج. وتقلصت قائمة أساليب التحقيق المعززة من نحو 12 إلى 6، تبعا لما ورد بمذكرة صادرة عن وزارة العدل. من بين الأساليب التي تم التخلي عنها تجريد المحتجزين من ملابسهم والإيهام بالغرق وإغراق أجسادهم بالماء وإجبارهم على اتخاذ أوضاع مؤلمة بدنيا وحبسهم داخل صناديق. أما الأساليب الستة المقترح الإبقاء عليها فهي استغلال أنظمة غذائية معينة، والحرمان من النوم لفترات تصل إلى 180 ساعة، والإمساك بقوة من الوجه، وتوجيه ضربات للبطن، وتوجيه صفعات بغرض الإهانة. من جهتها، قالت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية إن هذه الأساليب تشكل «الحد الأدنى اللازم للإبقاء على برنامج فاعل».

جدير بالذكر أنه بحلول صيف 2006، انخفضت أعداد المحتجزين داخل السجون التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية إلى أقل من 20، بينهم 14 محتجزا على درجة بالغة من الأهمية تم نقلهم إلى معسكر 7 في خليج غوانتانامو بكوبا. ومع ذلك، حتى عام 2006، بقيت الكثير من الأوضاع الأساسية دون تغيير، طبقا لمذكرة صادرة عن وزارة العدل بتاريخ 31 أغسطس (آب) 2006.

* خدمة واشنطن بوست ـ خاص بالـ«شرق الأوسط»