صفير يستغرب الحملة عليه.. والحريري يكرر التمسك بـ«المناصفة» بين المسيحيين والمسلمين

فضل الله أراد تذكيره بالواقع العددي في لبنان

TT

يرفض المقربون من المرجع الشيعي اللبناني السيد محمد حسين فضل الله الرد على «الهجوم المضاد» الذي يتعرض له منذ أن بثت مقاطع من كلمة ألقاها في إفطار رمضاني تناول فيها المواقف الأخيرة للبطريرك الماروني نصر الله صفير، الذي ما انفك ينادي بـ«حكومة أكثرية»، أي أن تؤلف الأكثرية التي أنتجها البرلمان حكومتها وتبقى المعارضة خارج السلطة. ويرى هؤلاء أن ما أثير من ردود حتى الساعة بحق السيد فضل الله المعروف بانفتاحه «لا يستحق الرد».

وعلى الرغم من أن هؤلاء يعتبرون أن كلامه «أُخرج من سياقه» عندما تحدث عن أن مجد لبنان أعطي للبنانيين، فإن العنوان الرئيسي لكلامه وصل إلى من يعنيهم الأمر، وهذا كاف بحد ذاته. فالسيد فضل الله في خطابه الأخير كان يريد تنبيه من ينادون بحكومة أكثرية إلى أن ما يقال لا يصح في «بلد توافقي» كلبنان، الذي قام دائما على التوافق وعدم غلبة فريق على آخر. أما الكلام عن الأكثرية العددية فهو في السياق نفسه، لأن الدول التي تعتمد مبدأ «حكم الأكثرية» تنطلق من أن هذه الأكثرية هي أكثرية عددية. أما في لبنان فليس بالضرورة أن تكون كذلك، لأن المسيحيين يشكلون نحو 30 في المائة من السكان، لكنهم يأخذون نصف «الحقوق السياسية» في إدارات الدولة ومؤسساتها السياسية والدستورية. وأتى كلام السيد ـ كما يقول المقربون منه ـ من منطلق «تصويب الأمور لا أكثر».

واستمرت أمس الردود المباشرة وغير المباشرة على كلام فضل الله ومواقف البطريرك الأخيرة، ولعل أبرزها كان إعادة تأكيد رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري أن «العيش المشترك بين المسيحيين والمسلمين هو بنظرنا معنى وطننا لبنان الرسالة، الذي نريده أن يبقى مكانا للقاء والحوار، عنوانه المناصفة الدائمة والثابتة بين المسيحيين والمسلمين مهما كانت الأعداد ومهما كانت الديموغرافيا».

أما صفير فقد استغرب الحملة التي يتعرض لها. ونقل عنه أمس الأمين العام للجنة الحوار الإسلامي ـ المسيحي حارس شهاب أنه، كما غيره ممن سبقه من البطاركة، تعودوا على الحملات التي تستهدفهم. ولكنه قال: «فيما يتعلق بالذي نشهده خلال الأيام الأخيرة أريد أن أوضح أمرا، أن غبطة البطريرك لم يطالب يوما إلا بالوفاق الذي يشكل أعلى مظاهر الديمقراطية، وهو حريص دائما على الوحدة اللبنانية. وهذه الوحدة ليست ناتجة من قهر فريق لفريق آخر، لكنها ناتجة من وفاق. ولكن إذا تعذر هذا الوفاق فما العمل؟ هل ننتظر والمواطن يئن تحت وطأة الظرف الاقتصادي الصعب؟.. ونحن لا نريد أن نتباكى ونكرر تعداد المشكلات التي يتعرض لها المواطن. طبعا المشكلات أكثر من أن تحصى، وإذا استمررنا ضمن شروط وشروط مضادة وعقبات من هنا وهناك من الداخل والخارج، فماذا نفعل؟ هل نترك البلد من دون حكومة؟.. لذلك فإن البطريرك في عقله الميثاقي والوفاقي يفكر دائما بالتجربة التي خاضها لبنان في الماضي إبان مطلع الاستقلال: كانت هناك كتلتان، كتلة وطنية وكتلة دستورية، والاثنتان تضمان كل الفئات والطوائف، وكانتا تتفقان في ما بينهما. وإذا لم تتفق الفئتان فيجب أن تحكم فئة وتعارض أخرى، ولكن ضمن المفهوم الحضاري، أي المعارضة البناءة، خصوصا أن كل فريق يضم جميع الفئات ولا يجوز لطائفة وحدها الاستئثار بالقرار وفرضه على الآخرين. وهذا ما يحرص عليه غبطة البطريرك، وطبعا يحرص على الوفاق والثوابت اللبنانية التي تؤمن للبنان دوره ورسالته في العالم».

وكان «حزب الله» قد تبرأ أمس من مواقف فضل الله، وقال رئيس كتلة نواب الحزب محمد رعد «إن السيد فضل هو مرجعية دينية وطنية لدينا، نحترم رأيها ونقدر التطلعات التي تنظر إليها، لكنه يعبر عن رأيه الخاص». فيما رد عضو كتلة «الكتائب» النائب نديم الجميل على الهجمات التي يتعرض لها البطريرك الماروني نصر الله صفير، مؤكدا أن «مجد لبنان أعطي للبطريرك».

ونوه حزب الكتلة الوطنية بـ«مواقف البطريرك مار نصر الله بطرس صفير الأخيرة العادلة والدستورية والتي هي لمصلحة كل لبنان الذي لما كان ليكون لولا دور بكركي». مستغربا الكلام الذي صدر عن العلامة محمد حسين فضل الله في ما يخص البطريرك صفير.

في المقابل، أبدى الرئيس الأسبق للحزب «السوري القومي الاجتماعي» جبران عريجي استغرابه من «إصرار البطريرك صفير على الأكثرية والأقلية على قاعدة النظام الفسيفسائي»، أما الوزير والنائب السابق ألبير منصور فرأى أن «الذي يريد أن يتعاطى بالشأن العام، سواء أكان سياسيا أو رجل دين، لا حصانة له، وإذا تلطى بمركزه فيكون منافقا». وقال إن «كلام البطريرك صفير يضر بالمسيحيين في المرتبة الأولى، وهي دعوة فتنة داخلية، وهو يدعو لحكم نصف المسيحيين المتحالفين مع الطائفة السنية وخروج الطائفة الشيعية ونصف المسيحيين من المعادلة الداخلية». وتساءل «ماذا لو وصل الأمر يوما ما إلى أن تكون الأكثرية مؤلفة من السنة والشيعة فقط؟ أين يصبح دور المسيحيين في المعادلة الحكومية وفي الوطن ككل؟». وأشار إلى أن دعوة البطريرك لحكومة أكثرية، فيها «دعوة لملاقاة المطلب الإسرائيلي ولا سيما رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بخروج حزب الله من الحكومة، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة».