مزاعم تورط حليف مهم لكرزاي في تهريب المخدرات تقلق أميركا

المارشال فهيم مرشح لمنصب نائب الرئيس.. وواشنطن قد تفرض عقوبات شخصية ضده

TT

كان هناك خلاف مشتعل أثناء فترة إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش حول: ماذا نفعل بشأن تورط وزير دفاع أفغانستان القوي في عمليات تهريب المخدرات؟ وكان المسؤولون في ذلك الوقت يقولون إنهم يحتاجون إليه للمساعدة على إدارة البلاد المضطربة، ولذا كانت الإجابة: حولوا الانتباه إلى اتجاه مختلف.

وفي الوقت الحالي يزداد الخلاف حدة أمام الإدارة الجديدة، حيث أصبحت أمام وزير الدفاع السابق المارشال محمد قاسم فهيم فرصة قوية لأن يصبح نائب الرئيس القادم في أفغانستان.

وفي محاولته لإعادة انتخابه، أحاط الرئيس حميد كرزاي نفسه بشخصيات متقلبة يمكنها أن تجلب له أصوات الناخبين: من أباطرة الحروب المشتبه في ارتكابهم جرائم حرب وفساد وتهريب لمحصول الخشخاش المربح في البلاد. ولكن لا يوجد بينهم من يتمتع بالتأثير الذي يتميز به المارشال فهيم، المرشح ليكون نائبا له، والذي يشير مساره داخل وخارج السلطة والتفضيل الأميركي، إلى الكثير عن الصراع الذي تواجهه الولايات المتحدة في التعامل مع الفساد في أفغانستان.

وفي دليل على التوترات، أخبرت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، كرزاي صراحة أن ترشيح نفسه مع فهيم سيضر بموقفه لدى الولايات المتحدة ودول أخرى، وفقا لما ذكره مسؤول رفيع المستوى في الإدارة الأميركية.

وتضيف مشكلة كيفية التعامل مع المارشال فهيم إلى تعقيد التعامل مع علاقة غير مستقرة مع كرزاي. وتشير نتائج الانتخابات الجزئية إلى تفوق كرزاي على المرشحين الآخرين، ولكن تهدد مزاعم بوجود تزوير بإضافة مشاكل في المصداقية تواجه حكومة ثانية برئاسة كرزاي.

وقال مسؤول بالإدارة الأميركية إنه إذا تولى المارشال فهيم منصب نائب الرئيس، قد تفكر الولايات المتحدة في فرض عقوبات مثل رفض إصدار تأشيرة سفر له، وهو الأمر الذي تفعله أحيانا مع مسؤولين أجانب آخرين مشتبه بهم في قضايا فساد، على الرغم من أن المسؤول حذر من أن القضية لم تطرح في مداولات داخلية.

وقد تتخذ الولايات المتحدة خطوات أكثر صرامة، مثل تتبع أموال المارشال فهيم، ولكن ستكون تلك الخطوة كبيرة، نظرا للتدخل الأميركي العميق في أفغانستان وأهمية علاقتها بحكومة كرزاي، على حد قول المسؤول الذي اشترط عدم ذكر اسمه بسبب حساسية الموضوع.

ولا يعد المارشال فهيم المسؤول الأفغاني الوحيد الذي يفرض إجراء حسابات معقدة. فقد دعا الرئيس الأميركي باراك أوباما في الصيف الحالي إلى إجراء تحقيقات عن أمير الحرب السابق الجنرال عبد الرشيد دوستم، المتهم بالتورط في اغتيال آلاف من أسرى الحرب من طالبان في بداية الصراع. ولم يجد ذلك الطلب آذانا صاغية، حيث سمح كرزاي مؤخرا للجنرال دوستم بالعودة من المنفى وأعاد تنصيبه في منصبه الحكومي. وصادق الجنرال بدوره على ترشيح كرزاي وشارك معه في حملته الانتخابية. وقال سعيد طيب جواد، السفير الأفغاني لدى الولايات المتحدة، إن المزاعم بتورط المارشال فهيم في المخدرات «لها دوافع سياسية».

وبالنسبة لمعارضة إدارة أوباما لاختياره نائبا للرئيس، قال جواد إنه اختير «للدور الذي يمكن أن يلعبه في تحقيق الوحدة الوطنية في أفغانستان، وليس لقدرته على القيام برحلات خارجية».

وكانت إدارة بوش قد شعرت أنها لا تملك خيارا سوى الاعتماد على أمراء الحرب، والعديد منهم فاسدون ووحشيون، يمسكون بالسلطة قبل وأثناء فترة حكم كرزاي. وفي عام 2001، عندما غزت القوات الأميركية أفغانستان للإطاحة بطالبان، كان المارشال فهيم، الذي كان جنرالا في ذلك الوقت، حليفا مهما بصفته القائد العسكري لقوات التحالف الشمالي.

وقد عمل عن قرب مع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وحصل على مكافأة نقدية بلغت ملايين الدولارات، وفقا لما ذكره مسؤولون حاليون وسابقون في الولايات المتحدة. وبعد أن أصبح كرزاي رئيسا للحكومة الانتقالية في أفغانستان، عين الجنرال فهيم وزيرا للدفاع.

وفي بداية عام 2002، في حفل في حديقة البيت الأبيض مع كرزاي، الذي كان محبوبا من البيت الأبيض في ذلك الوقت، أعلن الرئيس بوش أن الولايات المتحدة ستساعد على تكوين وتدريب جيش أفغاني جديد، مما يعني إرسال ملايين الدولارات في صورة مساعدات إلى الجنرال فهيم ووزارته.

ولكن بحلول عام 2002، أفادت تقارير استخباراتية من (سي آي ايه) إلى إدارة بوش بوجود دليل على تورط المارشال فهيم في تجارة المخدرات المربحة في أفغانستان، وفقا لمسؤولين يبحثون في التقارير والنقاش الداخلي لأول مرة.

وأظهرت تقارير (سي آي ايه) أن لفهيم سجلا في تهريب المخدرات قبل الغزو. ولكن المزعج أكثر في التقارير، هي المزاعم بأنه ما زال متورطا في تلك العمليات بعد الحصول على السلطة وتعيينه وزيرا للدفاع. وهو حاليا يملك طائرة بضائع سوفياتية الصنع تحت تصرفه وكانت تقوم برحلات إلى الشمال لنقل الهيروين عبر روسيا، وتعود محملة بالأموال، كما ورد في تقارير، قال مسؤولون أميركيون إنهم اطلعوا عليها. ويقال أيضا إن هناك مساعدين في وزارة الدفاع الأفغانية متورطون معه.

وفي الوقت ذاته، أثارت مزاعم عن تورط فهيم في الإتجار بالمخدرات مخاوف في السفارة الأميركية الجديدة في كابل، حيث قال مسؤولون إنهم يفكرون فيما إذا كانوا سيقابلون المارشال فهيم أو سيقدمون له الأموال. وقال بعض المسؤولين الأميركيين في واشنطن وكابل إنه لا يوجد دليل دامغ على تورطه في تهريب المخدرات، لذا لا توجد حاجة إلى وقف الاتصال به.

وكانت إدارة بوش توصلت في النهاية إلى ما اعتبره المسؤولون حلا: يتم توجيه مدربي الجيش الأميركي بالتعامل مع مساعدي المارشال فهيم فقط، وليس المارشال ذاته، وذلك ليضفي على إدارة بوش على الأقل مظهر الالتزام بالقانون.

ولكن كما اتضح الأمر، يقول مسوؤلون أفغان وأميركيون إن المارشال فهيم استمر في الاجتماع بصورة روتينية مع كبار المسؤولين الأميركيين، ومن بينهم وزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد والليفتانت جنرال كارل إيكنبري، الضابط الأميركي المسؤول في ذلك الوقت عن المساعدة العسكرية المقدمة إلى الجيش الأفغاني الجديد.

وقال الجنرال إيكنبري، والذي أصبح حاليا السفير الأميركي لدى أفغانستان، في رسالة عبر البريد الإليكتروني في وقت لاحق من العام الحالي إنه في ذلك الوقت لم يكن يعرف بشأن الجدل الدائر في البيت الأبيض، ولم يُمنع مطلقا من الاجتماع مع المارشال فهيم.

وبالنظر إلى الفترات السابقة، يقول مسؤولون في الإدارة السابقة والحالية إنهم يعتقدون أن قرار غض الطرف عن أمراء الحرب ومهربي المخدرات الذين استفادوا من فراغ السلطة في أعقاب هجمات 11 سبتمبر (أيلول) من أهم الأخطاء الاستراتيجية التي ارتكبت في الحرب الأفغانية. وقد أرسلت إشارة إلى الشعب الأفغاني بأن أكثر أباطرة الحرب فسادا ينعمون بتأييد الولايات المتحدة، وأن حكومة كرزاي لا تملك السلطة الفعلية أو المصداقية وأن اقتصاد المخدرات هو الطريق للسلطة في البلاد.

وفي نهاية عام 2003، كما يذكر المسؤولون، بدأت إدارة بوش في إدراك خطئها، وبدأت ما يصفه المسؤولون بـ«استراتيجية أمراء الحرب» في محاولة لإزالة أباطرة الحرب الكبار من السلطة. وظل المارشال فهيم وزيراً للدفاع حتى عام 2004، وسريعا ما أصبح مرشحا لمنصب نائب الرئيس إلى جوار كرزاي في الانتخابات في العام ذاته، ولكن تركه كرزاي بعدها. ويظل المارشال فهيم شخصية بارزة من بين الطاجيك، وهي جماعة عرقية في شمال أفغانستان، ويعتقد كرزاي، الذي ينتمي إلى البشتون في الجنوب، أن التحالف مع الجنرال سيساعده على الحصول على مزيد من التأييد في شمال أفغانستان.

* خدمة «نيويورك تايمز»