وكالة الطاقة: إيران تعاونت جزئيا وسمحت بزيارة مواقع.. وسورية قدمت إيضاحات لكن المزيد مطلوب

البرادعي يحث طهران ودمشق في آخر تقرير له على مزيد من التعاون مع الوكالة

TT

في آخر تقرير له قبل مغادرته منصبه في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، حث مدير وكالة الطاقة الذرية محمد البرادعي إيران وسورية على التعاون مع وكالة الطاقة والرد على الأسئلة حول أنشطتهما النووية. وحول الأنشطة الإيرانية، قالت وكالة الطاقة الذرية أمس إن إيران قلصت بعض الشيء نطاق عملياتها لإنتاج وقود نووي، ولبت مطالب تنفيذ رقابة أكثر فعالية لموقع ناتنز لتخصيب اليورانيوم.

وأوضحت الوكالة في تقريرها، أن إيران تعاونت مع الوكالة تعاونا جزئيا في تدعيم إجراءات الضمانات المطبقة في منشأة ناتنز لإنتاج الوقود النووي، كما أنها قد سمحت للوكالة بإجراء تحقق وتفتيش في مفاعل اراك، وأن الوكالة أجرت منذ تقريرها الأخير الصادر يونيو (حزيران) الماضي ثلاث مهام تحقيق غير معلن عنها مسبقا للجانب الإيراني، لكن التقرير قال أيضا إن إيران لا تزال تواصل تخصيب اليورانيوم، وإنها أضافت تركيب مزيد من أجهزة الطرد المركزي، كما أنها أنتجت مزيدا من اليورانيوم المخصب، وذلك في الفترة ما بين 18 نوفمبر (تشرين الثاني) 2008 وحتى 31 يوليو (تموز) 2009. وسيمثل تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأساس لمحادثات للقوى الست الكبرى يوم الثاني من سبتمبر (أيلول) للنظر في تشديد عقوبات الأمم المتحدة على إيران. وقد تجعل لفتة التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي أبدتها إيران من الصعب على الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين الثلاثة إقناع روسيا والصين وهما شريكان تجاريان رئيسيان لطهران، بالموافقة على خطوات للضغط على قطاع النفط قوام الحياة الرئيسي لإيران.

وقال التقرير إن إيران تقوم بتخصيب اليورانيوم بأجهزة طرد مركزي يقل عددها بمقدار 400 عن نحو خمسة آلاف جهاز طرد مركزي كانت تعمل في وقت التقرير السابق للوكالة الدولية. ولم يذكر التقرير السبب، ولكن دبلوماسيا كبيرا مطلعا قال لـ«رويترز» في وقت سابق إن عددا من الأجهزة توقف إما للصيانة وإما للإصلاح. وقال التقرير إن مخزون اليورانيوم المنخفض التخصيب المعلن في إيران تزايد إلى 1508 كيلوجرامات وهو يزيد 200 كيلوجرام عما كان موجودا في مايو (أيار). وقال مسؤولون بالأمم المتحدة إن معدل الإنتاج ركد بسبب تراجع عدد الآلات التي تعمل. ولم يكن في وسع المسؤولين تأكيد أو استبعاد أن ما يبدو أنه تباطؤ نووي له صلة بالاضطرابات الشعبية بسبب الانتخابات التي تشهدها البلاد منذ يونيو (حزيران) الماضي.

وتولى مسؤولية وكالة الطاقة النووية الإيرانية في يوليو (تموز) الماضي شخصية معتدلة نسبيا تؤيد إجراء حوار مع القوى الكبرى. وجاء الاتفاق على إجراءات مراقبة أفضل بوضع كاميرات المراقبة وتحديث سبل جمع المعلومات في ناتنز بعد أن اشتكت الوكالة الدولية من أن توسع إيران الكبير في تركيب أجهزة الطرد المركزي منذ عام 2008 لا يواكبه تحديث مناسب لإجراءات الرقابة مما يجعلهم غير قادرين على التحقق من عدم تحويل أي شيء للأغراض العسكرية.

وقال التقرير إن إيران سمحت أيضا للمفتشين بأن يزورا مرة أخرى موقع مفاعل اراك الذي يعمل بالماء الثقيل هذا الشهر بعدما منعت دخوله لعام. ولكن هذه الزيارة لمرة واحدة كما أن طهران لم تستأنف تقديم معلومات عن التصميم للوكالة. وأضاف التقرير أن إيران أبلغت الوكالة أن 63 في المائة من حجم الإنشاءات في المجمع تمت وسيتم تركيب جسم المفاعل في عام 2011.

أما فيما يختص بقضية الدراسات العسكرية المزعومة ذات الصلة ببرنامج إيران النووي، فقد أكد تقرير البرادعي أن إيران لم تقدم الإيضاحات اللازمة بخصوص هذه الدراسات، رغم أن الوكالة سلمتها وثائق وبيانات تشير لوجود بعد عسكري للبرنامج النووي الإيراني، داعيا إيران لمزيد من التعاون والدخول في بحث دقيق وتعاون وثيق مع الوكالة لتوضيح هذا القضية. ودعا البرادعي في ذات الوقت لضرورة فك القيود التي تفرضها بعض الدول التي تمنع الوكالة من تقديم كل الوثائق لإيران مما يحد من نجاح عملية التحقق والتفتيش، خاصة في ظل إصرار إيران على تسلم تلك الوثائق كافة.

ويخشى مسؤولون غربيون من أنه قد يزداد احتمال استخدام موقع اراك لإنتاج بلوتونيوم يستخدم في إنتاج أسلحة بعد تركيب سقف المفاعل، الأمر الذي سيمنع المراقبة من خلال الأقمار الصناعية. وتقول إيران إن المفاعل سينتج فقط نظائر للأغراض الطبية والزراعية.

وفيما يتعلق بالملف السوري، حث محمد البرادعي، سورية على التعاون مع الوكالة في كل أنشطتها المتصلة بالتحقق حتى تكون الوكالة قادرة على التأكد من تطبيق الضمانات على جميع المواد المصدرية والمواد الانشطارية الخاصة في إطار جميع الأنشطة النووية السورية. مؤكدا حرص الوكالة على ضمان سرية ومراعاة حساسية المواقع العسكرية السورية. داعيا في الوقت ذاته الدول الأخرى، بما فيها إسرائيل، لتقديم ما عندها من معلومات أدت لاستنتاجها أن منشأة دير الزور كانت مفاعلا نوويا.

وأشار تقرير مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أن سورية تعاونت مع الوكالة فيما يختص بشأن المفاعل المصدري النيوتروني المصغر، قرب دمشق، والذي تقوم الوكالة بتحليل العينات التي سمحت سورية بأخذها من ذلك المفاعل، مشيرا إلى أن سورية قدمت كذلك إيضاحات إضافية حول المصدر المحتمل لعينات اليورانيوم التي تم العثور عليها مشيرة لاحتمال أن تكون لتراكم مواد مشعة استخدمت في بعض التجارب المعملية. وأشار التقرير الذي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه إلى أن سورية لم تتعاون مع الوكالة فيما يختص بالتحري والتحقق حول طبيعة ما كان يدور بموقع مفاعل الكبر بمنطقة دير الزور. وقد جاء في التقرير أن الوكالة تسلمت رسالة من سورية، تؤكد أن سورية لا تقبل مقولة أن جسيمات اليورانيوم الطبيعي البشري المنشأ التي عثر عليها في العينات البيئية التي أخذها مفتشو الوكالة، يمكن أن تعتبر مواد نوعية لم تعلن عنها سورية. مؤكدة أنه بسبب الطبيعة العسكرية وغير النووية لموقع دير الزور والأماكن الثلاثة الأخرى التي ترغب الوكالة في زيارتها لا يترتب عليها أي التزام بتقديم مزيد من المعلومات بموجب اتفاقات الضمانات التي وقعتها مع الوكالة.

وفي باريس اعتبر وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير أنه لا بد من فرض عقوبات أوروبية بحق إيران وبرنامجها النووي المثير للجدل، في حال أخفق المجتمع الدولي في التوافق على عقوبات تصدرها الأمم المتحدة. وردا على سؤال خلال مؤتمر صحافي حول العقوبات المشددة التي دعا إليها الرئيس نيكولا ساركوزي، قال كوشنير «إذا لم تصدر عقوبات دولية، فستصدر مع ذلك عقوبات نعمل عليها وستكون عقوبات أوروبية».

وأضاف «لا أؤيد العقوبات، ولكن في لحظة معينة، وقبل اتخاذ (إجراءات) رادعة، يبدو الأمر مفيدا»، موضحا أنه لم يطلع حتى الآن على مضمون التقرير الأخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية حول البرنامج النووي الإيراني.

وردا على سؤال عن روسيا والصين، العضوين في مجموعة الست إلى جانب الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا واللتين لا تميلان إلى تبني عقوبات جديدة، قال كوشنير «سنحاول إقناعهما. أرى أن موقف روسيا يتطور. طبعا، للحصول على عقوبات ذات بعد دولي، ينبغي أن يتطور موقف كل من روسيا والصين. قمنا بذلك ثلاث مرات سابقا»، في إشارة إلى القرارات السابقة للأمم المتحدة. وتابع «أعتقد أنه سيتم القبول بالعقوبات»، وتدارك «إذا لم يتم القبول بها، فسيكون هناك عقوبات فردية أكثر قوة وأكثر إلزامية مصدرها أوروبا».