«القنبلة البشرية» و«الاغتيال السياسي» تكتيك جديد لعناصر الإرهاب في السعودية

«القاعدة» أرادت التخلص من الرجل الذي كافح الإرهاب بمزيج من القوتين الصلبة والناعمة

جانب من عمليات حفظ النظام التي نفذتها قوات الأمن السعودية في الرياض في وقت سابق («الشرق الأوسط»).
TT

ألقت «قنبلة بشرية» نفسها مساء أول من أمس (الخميس) بين يدي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز مساعد وزير الداخلية السعودي للشؤون الأمنية، لكنها لم تحصد سوى نفسها ضحية لهذه المحاولة الآثمة.

طبّق الانتحاري سياسة «مت لتقتل» فمات وحيدا ولم يقتل أحدا بعد أن تعثر في خطواته وسقط أرضا، لكنه كان «قاب قوسين أو أدنى» من اغتيال رمز من أهم رموز المؤسسة الأمنية السعودية.

وتسلط هذه المحاولة الضوء قويا على تحول «الفئة الضالة» إلى اتباع تكتيك الاغتيال الفردي للشخصيات المهمة، وهو ما سبق أن ألمحت إليه بيانات وزارة الداخلية السعودية المتتالية حول سقوط الخلايا الإرهابية، من خلال تعداد التجهيزات التقنية التي في حوزة الموقوفين.

ويقول الدكتور مصطفى العاني، الباحث في مركز الخليج للأبحاث والدراسات، في دراسة أصدرها المركز في شهر مارس (آذار) العام 2007: «تأتي خطورة التهديد الذي يمثله المفجر الانتحاري من أنه (قنبلة بشرية) متلبسة بطبيعة مدنية مسالمة في ظاهرها، وهو ما يجعل المفجر الانتحاري قادرا على الوصول إلى الأهداف والأماكن التي لا تستطيع تكتيكات أخرى الوصول إليها ومهاجمتها بدقة أو من قرب».

وينطبق هذا التحليل تماما مع حادثة محاولة اغتيال الأمير محمد بن نايف، إذ جاء «المطلوب الأمني» في طبيعة مدنية مسالمة، عارضا تسليم نفسه إلى الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز شخصيا، على خلفية معرفة سابقة بـ«تكرّم» مساعد وزير الداخلية السعودي للشؤون الأمنية باستقبال مطلوبين آخرين بادروا إلى تسليم أنفسهم.

كما أن محاولة الاغتيال بواسطة «القنبلة البشرية» نجحت في الاقتراب إلى «الهدف المنشود» لمسافة أمتار محدودة فقط، وهو ما كانت في الغالب ستعجز عن تحقيقه أي تكتيكات أخرى كاستخدام السيارات المفخخة، لكن العناية الإلهية شاءت إحباط هذه المحاولة ونجاة الأمير محمد بن نايف منها.

وتنطبق على محاولة اغتيال المسؤول الأمني السعودي البارز أيضا تقنية «القتل الاستهدافي» التي تحدث عنها الدكتور العاني في دراسته نفسها، والتي يقول عنها: «برز التفجير الانتحاري كتقنية رئيسية في مهمات (القتل الاستهدافي) التي تُستخدم في الأغلب في عمليات اغتيال الشخصيات المهمة. ويعد هذا النوع من العمليات شديد التعقيد لأن «الشخص المستهدف» يقيم ويعمل ويتحرك في معظم الأحيان تحت الحماية الأمنية والجسدية المتقنة، ويتوقف مستوى الحماية الشخصية عادة على قيمة المستهدف ومنصبه».

وأكد الدكتور أنور عشقي رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية لـ«الشرق الأوسط»، أن اختيار تكتيك «القنبلة البشرية» في محاولة اغتيال الأمير محمد بن نايف يعود إلى كونه التكتيك الأكثر نجاحا مقارنة بأي نوع آخر، مثل تفجير السيارات المفخخة أو غيرها.

وأشار إلى أن أدنى ثغرة موجودة، تسهل وصول «المفجر» كفرد إلى مواجهة مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية، تحت ذريعة رغبته في تسليم نفسه باعتباره مطلوبا أمنيا، مؤكدا أن المفجر استفاد كثيرا من تطبيق الأمير محمد بن نايف سياسة «الباب المفتوح»، من خلال استقباله المهنئين بحلول شهر رمضان في منزله الخاص بجدة في الوصول إليه.

ولفت إلى أن استخدام أي تكتيك آخر، كمحاولة تفجير موقع الأمير محمد بن نايف بواسطة سيارة مفخخة غير مضمون النجاح بالنسبة إلى مخطط العملية، مشيرا إلى وجود عناصر أمنية «غير مرئية» تكون موجودة غالبا في محيط المواقع الحساسة، ومنها مقر سكن الأمير محمد ومقر عمله الرسمي. وعن سبب اختيار مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية هدفا لمحاولة الاغتيال، قال الدكتور عشقي: «جاء الأمير محمد بن نايف بسياسة جديدة في مكافحة الإرهاب تمثلت في المزج بين القوتين الصلبة والناعمة، فلم يجعل الصراع مع الفئة الضالة صراعا بين الحكومة السعودية وتلك الفئة، بل صراعا بينها وبين العدالة، من خلال إحالة الموقوفين إلى المحاكمة العادلة للاقتصاص منهم، إضافة إلى إشرافه على تفعيل برامج إعادة تأهيل المتورطين في الإرهاب، وما حققه البرنامج من نجاحات كبيرة في عدول عدد منهم عن الانتماء إلى الفئة الضالة ليكونوا فئة صالحة في المجتمع».

ونوه رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية إلى أن برامج إعادة تأهيل المطلوبين أمنيا في السعودية حازت إشادات دولية، وبدأت دول عدة في تطبيقها أو دراستها تمهيدا لتطبيقها، وهو ما يعد خطرا على سياسات تنظيم القاعدة في التغرير بالشبان وتجنيدهم ضمن صفوف التنظيم، ولذا كان الخيار الوحيد أمام التنظيم محاول اغتيال الأمير نفسه».