الشمس لا تغيب عن دلتا النيجر الغنية بالنفط

نيجيريا تكافح لخفض انبعاثات حرق المشتقات النفطية وسط جدل بيئي واقتصادي

نيجيري يشاهد اللهب المتصاعد من مدخنة تابعة لشركة "أجيب" النفطية الإيطالية في أبوجا بنيجيريا (ا.ب)
TT

بالرغم من السلطات التي يتمتع بها كنغسلي أوكين كزعيم هنا، فإنه لا يستطيع أبدا استنشاق الهواء المحمل بلهب الغاز المشتعل الذي يكلل منطقة دلتا النيجر منذ عدة عقود. وحتى الحكومة النيجيرية لا تستطيع رغم أنها تعهدت مرارا بأن تقوم بذلك.

فاللهب الذي ينطلق ليلا ونهارا من المداخن، يشعله الغاز المشتق من النفط الذي تستخرجه شركة «أجيب» الإيطالية من هنا. وفي الوقت الذي ينطلق فيه اللهب من أكثر من 100 موقع لمراكز شركات النفط الموجودة في جميع أنحاء الدلتا الغنية بالنفط، يقول النشطاء الحقوقيون إن انبعاثات الغازات الضارة بالبيئة تزعج المواطنين.

وقد أصبح اللهب شعارا للبطالة في هذه المنطقة المنكوبة حيث يتجادل البيئيون وشركات النفط والسياسيون والعسكريون حول جدوى استكشاف النفط والثروات في الوقت الذي يقف الكثير من فقراء البلد يشاهدون فقط. ويقول أوكين، 69 عاما، وهو جالس تحت قطعة من جلد الظبي تكسو أحد جدران منزله المتواضع: «لقد وقع الضرر. الأمر يتجاوز قدرتي على الشرح».

ولكن المحللين يقولون إن نيجيريا تبذل جهودا حثيثة لوقف انبعاثات الغازات، وهي الخطة التي تبلغ تكلفتها 2.5 مليار دولار أميركي في السنة. وتعمل الحكومة التي لم تلتزم بالميعاد المحدد في 31 ديسمبر (كانون الأول) 2008 على وضع خطة تتكلف عدة مليارات من الدولارات لإنشاء ثلاثة مصانع وخطوط أنابيب لجمع ومعالجة الغاز للاستخدامات المحلية. ووفقا لتقرير البنك الدولي في عام 2004، فإنه في بلد تعاني من انقطاع الكهرباء، والمولدات، وأخشاب الوقود، فإن الغاز ربما يسمح بإحداث قفزات في معدلات النمو الاقتصادي.

وبالرغم من الخفض البطيء، قامت نيجيريا بعمليات حرق تزيد بثماني مرات على معدل العام الفائت لإنتاج الطاقة التي تحتاجها، وهو أكثر من أي دولة أخرى عدا روسيا، وفقا للبنك الدولي. ويقول بنت سفينسون رئيس مبادرة خفض انبعاثات الغاز العالمية التابعة للبنك الدولي: «إنه إهدار للطاقة التي يمكن استخدامها في توليد الطاقة. كما أن له تأثيرا بيئيا سلبيا على المستوي المحلي والعالمي وصولا للاحتباس الحراري».

عندما بدأت نيجيريا التنقيب عن النفط قبل خمسين عاما، كانت تعتمد على حرق الغاز بدلا من التحكم به. ولم تبن أي من شركات النفط أو الحكومة التي تمتلك أغلبية الحصص في شركات النفط، البنية التحتية للحصول على النفط وتصديره، وفي النهاية ألغت العديد من الدول المنتجة للنفط مسألة الحرق. ومنعت نيجيريا، البلد الذي يملك اكبر احتياطي من الغاز الطبيعي في أفريقيا، تلك الإجراءات في عام 1984، ولكنها استمرت في مد المهلة التي تحتاجها حتى بعدما حكمت المحكمة في 2005 بأنها تخرق حقوق الإنسان لمواطني دلتا النيجر.

ويقول الخبراء إنه بالرغم من أن أزمة الطاقة قد أنشأت سوقا للغاز الطبيعي، فإن الحكومة فشلت في رفع حصتها من مشروعات المساندة حيث جعل القتال الدائر في دلتا النيجر هذه المحاولات محفوفة بالمخاطر. ولم تسفر تهديدات الحكومة العرضية بإغلاق شركات النفط عن شيء لأن «ذلك لن يعني سوى خفض عائدات الحكومة»، وفقا لما قاله توماس بيرمين محلل الطاقة الأفريقية في شركة «أي إتش إس غلوبال إنسايت». ولكن الآن، وبالإضافة إلى خطط البنية التحتية، يمكن أن يفرض التشريع المقترح عقوبات أقسى على الشركات التي تحرق الغاز. ومن جهة أخرى، منحت الحكومة عفوا إلى متمردي الدلتا في محاولة لإنهاء التمرد، كما تعهد البنك الدولي بضمان مدفوعات شركة الكهرباء العاملة عن الغاز الذي يذهب إلى سوق الطاقة المحلي في حالة إضافته إلى الفواتير.

ويعتقد بعض المحللين أن حرق الغاز سوف ينخفض بشدة في أي وقت، كما يعتقد المنتقدون أن هناك زخما يتراكم. ويقول كريس نيوسوم المتحدث الرسمي باسم الشبكة الديمقراطية لحملة الأسهم وهي منظمة من دلتا النيجر لحقوق الإنسان ترغب في أن تسرع الحكومة في إغلاق محطات النفط التي تحرق معظم الغاز: «لقد أصبح الناس في أبوجا يرون الأمر وكأنه حرق للنقود».

وإذا نظرت من الطائرة لدلتا النيجر، فإنك ترى اللهب المتصاعد في مشهد صادم، حيث تبرز الكرات البرتقالية من الغابة الزمردية الكثيفة. ومن الأرض يبدو الأمر، وفقا للسكان، كأنه شمس لا تغيب أبدا. ويقول أفام نواشوكو القائد السابق في رابطة شباب أبوجا: «في الليل، يمكنك أن ترى بوضوح من دون الكهرباء. وذلك لا يتفق مع المنطق».

وبالرغم من أنه لم تجر قبل ذلك دراسة موسعة حول التأثيرات البيئية أو الصحية لحرق الغاز في الدلتا، فإن المجموعات البيئية كانت تقول دائما إن العلم قد أظهر أن المواد الكيماوية المنبعثة من اللهب تساهم في الاعتلال الجسدي والأمطار الحمضية.

وفي أبوجا، ينظر المواطنون إلى فكرة أن حرق الغاز يسبب الضرر على أنها حقيقة لا شك فيها ويعزون إليها العديد من مشكلاتهم. فيقولون إن مياه الأمطار القذرة تلطخ الملابس، وإنه لم تعد هناك أسماك، وإن أمراض الجلد قد انتشرت، وإن الأسطح المعدنية تصدأ خلال عام واحد نظرا لتساقط الأمطار الحمضية.

ويقول أوكين الكيميائي المتقاعد بشركة «أجيب» والذي قال إنه يتذكر يوما في عام 1971 عندما انطلق اللهب في سماء أبوجا لأول مرة: «قبل اللهب، كنا نستمتع بثمار جوز الهند، وكنا نستمتع بثمار جوزة الكولا، ولكن الآن اختفت كل هذه الأشياء».

وقد استعرض جون كيلي بنسون، 28 عاما، وهو جالس في أحد المقاهي التي تطل على اللهب المتصاعد، ذراعيه الخاليتين من اللحم كدليل على الضرر قائلا: «لقد كنت في السابق بدينا». وقال إنه يريد للهب أن يموت، وهز صديقه تشيلي أوغلي رأسه موافقا ولكنه أضاف إنه يرغب في أن يقترب أكثر منهم لسبب واحد: إنه بحاجة للعمل. فيقول أوغيلي، 28 عاما: «أحب أن أحصل على عمل في (أجيب) بسبب هذا اللهب».

* خدمة «واشنطن بوست» _ خاص بـ«الشرق الأوسط»