المهاجرون العجائز يعانون العزلة في أميركا

التحقوا بأبنائهم ولا يتحدثون الإنجليزية ويسعون لقهر الغربة بتأسيس نواد خاصة بهم

TT

يجتمعون خمسة أيام في الأسبوع في سوق تجاري يطلق عليه اسم «هاب». يجلسون إلى جانب أصص الزرع، ليشربوا الشاي الذي يصبونه من إبريق حراري؛ فهؤلاء المهاجرون المسنون من الهند هم أعضاء في مجموعة من الرجال يطلق عليها «نادي المائة الأحياء»، يجلسون ويتبادلون الحديث حول الجريمة في أوكلاند القريبة، وأرخص رحلات الطيران إلى نيودلهي، وكيف يتعاملون مع زوجات أبنائهم العاقات؛ فهم معا يقهرون الوحدة والعزلة المرتبطتين بالانتقال إلى هذا البلد في آخر العمر من بلاد بعيدة، بل إن بعضهم تفصله ثقافيا مع هذه البلاد سنوات طويلة.

ويقول دفندرا سينغ، الأرمل ذو 79 عاما: «إذا لم أحضر إلى هنا، تظل شفتاي مطبقتين فلا أحد يتحدث إلي». لم يكن الرجال الذين يلتقون إلى جانب ساحة انتظار السيارات واعين إلى زملائهم المترددين على السوق التجاري من الشباب الذين يحملون حقائب الظهر ويتجرعون مشروبات الطاقة.

ففي بلد يتفاعل الشباب فيه عبر موقع تويتر، يشكل سينغ وأصدقاؤه تجمعات كبرى، حيث يشكل المسنون الآن أكبر مجموعة مهاجرين في أميركا من حيث اطراد تزايد أعدادهم. فمنذ عام 1990، أصبح عدد الأشخاص غير المولودين بأميركا والذين تزيد أعمارهم عن 65 عاما يتراوح بين 2.7 مليون إلى 4.3 مليون، أو حوالي 11% من المهاجرين الذين وصلوا حديثا إلى البلد، ومن المتوقع أن يصل عددهم إلى 16 مليونا بحلول عام 2050. وفي كاليفورنيا، فإن واحدا من كل ثلاثة من العجائز ليس أميركي المولد، وفقا للإحصاء الرسمي للسكان في 2007.

والعديد منهم هم آباء مسنون لمواطنين حاصلين على الجنسية الأميركية، انتقلوا مع أسرهم. إلا أن الخبراء يقولون إن المسنين الذين يتحدرون من أصول عرقية مختلفة هم من أكثر الناس انعزالا في أميركا؛ فحوالي 70% من المهاجرين المسنين لا يتحدثون سوى القليل من الإنجليزية أو لا يتحدثونها على الإطلاق، كما أن معظمهم لا يستطيع قيادة السيارات. وترجح بعض الدراسات انتشار الاكتئاب، والمشكلات النفسية بين هؤلاء المسنين كنتاج لعائق اللغة، وعدم القدرة على التفاعل الاجتماعي، وتعارض منظومة القيم التي يحملونها في بعض الأحيان مع الثقافة الأميركية السائدة، حتى هؤلاء الذين اندمج أولادهم في المجتمع الأميركي.

فقد نشأ سينغ الأرمل في منزل هندي مفعم بالحياة يقطنه 14 فردا من أفراد عائلته، وعندما انتقل إلى فيرمونت، انتقل مع عائلة ابنه وكرس نفسه لأحفاده؛ حيث كان يقلهم من المدرسة ويصطحبهم إلى تدريبات الكرة. ولكن سينغ يقول بأسى إن ابنه وزوجته قررا «أنهما يريدان بعض الخصوصية»، وبالتالي توصل سينغ إلى ضرورة الابتعاد. وعندما يغادر الـ«هاب»، وأوراق الشجر تدور حول أحجاره الاصطناعية، يقود سينغ سيارته حتى يصل إلى الغرفة التي استأجرها في منزل وجده على الموقع الإلكتروني «كريغس ليست». وكان يمكن أن تعد غرفته غرفة نوم ملائمة عدا الأربطة الحرارية لعلاج التهاب المفاصل المصفوفة بعناية في سلات بلاستيكية. ويقول سينغ وهو جالس وسط الملصقات الدينية الهندوسية وصورة لزوجته الراحلة: «في الهند، يوجد توقير كبير للمسنين، بينما يفكر الناس هنا فيما هو ملائم وما هو غير ملائم بالنسبة لهم».

ويطلق علماء الاجتماع على سينغ ورفقائه «الجيل الخامس» لكي يميزوا بينهم وبين «جيل 1.5» ـ وهم المهاجرون الصغار الذين أصبحوا مزدوجي الثقافة من خلال المدرسة والعمل. فالمهاجرون المسنون يتركون منازلهم التي ربما تخلو من الكهرباء، أو المياه الجارية وينتقلون إلى منزل متعدد الأجيال في مجتمعات مثل فيرمونت والتي يطلق عليها الديموغرافيون «الضاحية العرقية».

فقبل جيل، كان يشغل فيرمونت حوالي 76% من البيض، أما الآن فإن حوالي نصف المقيمين بها من الآسيويين، وحوالي 14% من ذوي الأصول اللاتينية كما أنها مستقر لأحد أكبر مجموعات اللاجئين الأفغان (وهو ما أبرزته الرواية الأكثر مبيعا «عداء الطائرة الورقية»). وطوال الطريق، تجد أكاديمية للتجميل تحولت إلى مسجد؛ أو قاعة سينما تحولت إلى مجمع لعرض أفلام بوليوود، ومصرفا تحول إلى سوق أفغاني، وشارعا مصفوفا بالجص تحول اسمه إلى غاردوارا تيمنا باسم المعبد السيخي «الغردوارا».

ويعد العجائز من المهاجرين من أكثر فئات السكان حساسية فهم يعتمدون تماما على أولادهم، وكما يقول جوديث ترياس، الخبير الاجتماعي بجامعة كاليفورنيا: «إنهم يأتون ويتوقعون قدرا كبيرا من التجمعات العائلية ولكن المجتمع الأميركي لم يتم تنظيمه بطريقة تلائم تلك التطلعات الثقافية».

ويعيش هارديف سينغ، 76 عاما، مع زوجته بال كيور، 67 عاما، كجزء من جالية السيخ الكبيرة في فيرمونت فوق مكتب فندق فيرمونت الذي يمثل الإشارة الوحيدة للنمط الغربي من خلال رمز العجلة الشهير. وقد استأجر الزوجان الشقة المضاءة بالمصابيح البيضاء بعدما كانا يعيشان لمدة ثلاث سنوات مع ابنتهما كامالجيت بيورول وزوجها وأمها وحفيدين. فعندما بدأ الأحفاد يكبرون تم نقل سينغ وزوجته إلى ساحة انتظار السيارات الملحقة بالمنزل والتي تم تحويلها إلى غرفة. وعندما قال سينغ: «في الشتاء كان الجو قارص البرودة»، قالت ابنته بيورول إنها تحاول منحها حياة أفضل وإنها لا تشعر بالتقدير، لأنهم ينحازون لأخيها الذي يعيش في الهند. وأضافت: «إذا كنتم أسرة سعيدة فإن المنزل الصغير سيتسع لنا جميعا».

ويترك الحراك الأسري عندما ينتقل الآباء العجائز للعيش مع أولادهم، هؤلاء العجائز من دون قدرة على المشاركة في اتخاذ القرار سواء فيما يتعلق بشراء منزل أو استخدام الحمام. وتدخل برافنشاندرا باتل، 84 عاما، ومؤسس نادي أحياء 100 عام عندما سمع أن أحد أبناء العائلات كان يأخذ شيك الإعانة الاجتماعية الخاص بوالديه والذي تبلغ قيمته 658 دولارا ويمنحهم منه فقط ما يوازي 20 دولارا. فيقول: «كنت أسأل ذلك الولد: كم هو المبلغ الذي تعتقد أنك تدين به لوالديك لقاء تعليمك؟».

لقد كانت فيرمونت التي تبعد 40 ميلا جنوب سان فرانسيسكو مشهدا من أشجار الفواكه وحقول القرنبيط وهي الآن أكبر رابع مدينة في منطقة الساحل، في ظل وجود مهاجرين من حوالي 152 دولة. وإضافة إلى المسافات الفيزيائية توجد مسافات نفسية: حيث يعيش حوالي 13% من المهاجرين العجائز في منازل يعزلهم عامل اللغة؛ فهم يسافرون في رحلة متأخرة من دون خريطة.

* خدمة «نيويورك تايمز»