وثائق أميركية تكشف معلومات جديدة عن «البقع السوداء»

أساليب لكسر إرادة السجين منها الحرمان من النوم والملابس والإيهام بالغرق

TT

نقلوا على متن طائرات خاصة تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية مقيدين إلى مقاعدهم، محرومين من الرؤية والقدرة على الاستماع نتيجة للعصابات التي وضعت على أعينهم والسماعات الموضوعة على الأذن والأقنعة التي وضعت على رؤوسهم. لقد برزوا إلى السطح مرة أخرى بعد أن اختفوا طوال السنوات الثماني الماضية وبات من الممكن الآن إلقاء الضوء على عشرات الملفات السرية التي أفرجت عنها إدارة الرئيس أوباما هذا الأسبوع.

جاء وصف السجون والإجراءات الأمنية القصوى التي خضعت لها، والاستجوابات الوحشية للمعتقلين للحصول على إجابات يعتقدون أنهم يمتلكونها وما كان يدور بتلك السجون، مبعثرا في التقرير عن معاملة وكالة الاستخبارات المركزية للمعتقلين.

ذكرت الوثائق أن الأيام داخل السجن كانت تبدو بلا نهاية فقد كانت الزنزانات مضاءة بمصابيح فلوريسنت، وكانت الأصوات القادمة من الممشى تفلتر عبر حوائط الزنزانة بقوة 56ـ58 ديسبل وبنفس حجم الصوت الذي يتكلم به الأفراد عادة.

لكن كان هناك بعض من كرم ضيافة وكالة الاستخبارات فقد كانوا يمنحون المعتقلين كتبا وأفلاما ورقع شطرنج لتمضية الوقت، كما كان بإمكانهم الذهاب إلى الجيمانزيوم من أجل ممارسة التمارين كما يسمح لهم بتطويل شعرهم بالقدر الذي يرغبونه.

على الجانب الآخر كان هناك بعض الأساليب التي صممت لكسر إرادة السجين. فقد كانوا يجردون من ملابسهم ويحلق لهم ويرطمون في الحائط ما إن يصلوا، يلي ذلك قائمة مطولة من خيارات قائمة التحقيق والتي تصل إلى ذروتها بعملية الإيهام بالغرق، لجعلهم يعتقدون أنهم يغرقون فعلا.

ويأتي الهدف بطبيعة الحال من وراء ذلك إجبارهم على الإدلاء بما يعرفونه من معلومات. وعندما قالت إدارة الرئيس جورج بوش إن الولايات المتحدة تواجه خطر اعتداء آخر بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، تلقى محققو الوكالة لأوامر بالحصول على أكبر قدر من المعلومات. وسواء أكانت وسائل التحقيق القاسية تلك ضرورية لجمع المعلومات من عدمه فإنها لا تزال محل خلاف.

وقد أصبحت تلك السجون الخارجية «المواقع السوداء» التي كانت تجرى فيها التحقيقات خاوية بالفعل الآن إن لم تكن قد تعرضت للتفكيك بالفعل. ولم تشهد تلك الأماكن زيارة من أي لجنة تابعة للكونغرس او تعرضت للتفتيش من قبل اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

وقال توم مالينوويسكي، مدير «هيومان رايتس ووتش» في واشنطن: «ربما تقدم هذه الأوراق الصورة الوحيدة التي قد يتذكرها التاريخ عن نوعية الحياة في مثل هذه الأماكن». لم تقم تلك الأماكن بحبس هؤلاء الأفراد فقط بل وأوصلتهم إلى حالة من شبه العجز. وكان الهدف من ذلك هو تعريف كل معتقل «بأن يفهم ويقيم أن رفاهيته الشخصية وراحته وتلبية حاجاته الضرورية أكثر أهمية من المعلومات التي يحميها». «بعد أن يصل السجين يتم حلاقة رأسه ثم يجرد من ملابسه ويصور عاريا ثم يفحص طبيا ونفسيا من قبل أطباء تابعين لوكالة الاستخبارات، ثم تأتي بعد ذلك الاستجوابات الأولية التي ستحدد مصير السجين. وتتجنب تلك الإجراءات التي تعتبر متعاونة للغاية ثلاثة أساليب هي الحرمان من الملابس والطعام الجاف والنوم. تبدأ جلسات التحقيق بوقوف المريض إلى الحائط مع منشفة أو ياقة كواق من الطوق الجلدي المربوط حول رقبته، ثم يمكن أن يرتطم بالحائط مرة واحدة أو 20 إلى 30 مرة متتالية».

كانت قواعد تنفيذ تلك الطرق موصوفة بدقة. فأشارت الوثائق إلى أن المعتقل كان يوضع في صندوق كبير لمدة 18 ساعة يوميا، أو في صناديق صغيرة لمدة ساعتين فقط. وقد يمنحون الماء كل 15 دقيقة لكن درجات الحرارة كانت تتجاوز 65 درجة مئوية.

وتقول الوثائق: «يجد المعتقل نفسه تحت سيطرة أميركية تامة، والإجراءات التي يخضع لها دقيقة جدا وهادئة وطبية إلى نحو كبير». وكانت إدارة الرئيس أوباما قد أفرجت أوائل العام الحالي عن سلسلة من وثائق وزارة العدل التي توضح الأسس المنطقية لعدد كبير من وسائل الاستجواب القسرية التي استخدمتها وكالة الاستخبارات. وأظهرت الوثائق ـ التي احتوت على تقرير داخلي أعده المفتش العام لوكالة الاستخبارات المركزية ومراسلات بين الوكالة ووزارة العدل ـ أن الوكالة طلبت مراجعة وزارة العدل للظروف الأساسية التي سجن فيها المعتقلون.

وتشير السجلات إلى أن الوكالة اضطرت إلى استخدام إجراءات أمنية استثنائية داخل السجون لأن الاحتفاظ بسرية المنشأة كان يعني أن وكالة الاستخبارات لا يمكنها أن تضع حراسا أو حواجز خارج المنشأة يمكن أن تجذب انتباه أي من العامة. وتقول إحدى مذكرات وزارة العدل إن المواقع السوداء لم تصنف على أنها سجون عادية ولكنها مراكز اعتقال على درجة أمنية عالية للمجرمين بالغي الخطورة والمجرمين الدوليين. وهم يشكلون مجازفة كبيرة إذا ما هربوا وكذلك على امن أفراد وكالة الاستخبارات. وقد دخل ما يقرب من 100 سجين هذا النظام التابع لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية كان من بينهم عدد من المعتقلين ذوي قيمة عالية من بينهم خالد شيخ محمد الذي يزعم أنه العقل المدبر لهجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول). وتشير الوثائق إلى أن بعض المعتقلين هاجموا الحراس ومن ثم اعتبرت تلك الأماكن كأهداف محتملة لهجمات إرهابية.

لا تتحدث السجلات عن الأماكن التي وجد بها المعتقلون لكن التقارير الإخبارية والروايات التي أدلى بها مسؤولون أميركيون سابقون تشير إلى أن تلك المواقع كانت في عدد من الدول منها تايلاند وبولندا ورومانيا والمغرب وليتوانيا. وكانت الإجراءات الأمنية الداخلية ومنها: «الضوضاء البيضاء» في ممرات السجن لمنع المعتقلين من التواصل وكان الحد الأعلى من الضوضاء يصل إلى 97 ديسيبل حتى لا يضر ذلك بسمع المعتقلين. كان يتم الاحتفاظ بالمعتقلين في حبس انفرادي ولا يسمح لهم بالتواصل مع العالم الخارجي، وعندما كانوا ينقلون كانوا يقيدون ويوضع على رؤوسهم أقنعة سوداء لمنعهم من رؤية تصميم السجن أو الحصول على أي معالم عن المكان الموجودين فيه. كانت غرفهم تتعرض لإضاءة مستمرة ومراقبة عبر دوائر داخلية لمدة 24 ساعة يوميا. وتقول مذكرة وزارة العدل: «كان يقدم لبعض المعتقلين أغطية الأعين لحجب الضوء عنهم حتى يتمكنوا من النوم». وقد تبدو المذكرات متناقضة في بعض الأقسام حيث تصف طرق الوصول بالسجين إلى مرحلة الترنح وعدم القدرة على الوقوف وفقد القدرة على الاتزان والتي لا بد له فيها من الاعتماد على أحد إلى الإصرار على التزام الوكالة بخفض المشقة البدنية والضغط النفسي الذي يمكن أن يعاني منه المعتقلون. ونتيجة لانهيار بعض المعتقلين نتيجة للحرمان من النوم ورطمهم بالحائط والإيهام بالغرق. كانوا دائما ما تقدم لهم أغراض لتسهل إحساسهم بالعزلة ومن بينها مجموعة متنوعة من الكتب والألغاز والأوراق وأدوات كتابة آمنة وشطرنج وصحف شخصية وإتاحة الأفلام وأشرطة الفيديو.

* خدمة «لوس انجليس تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»