الحريري: أواجه عقبات مماثلة لما واجهه والدي.. واليد الممدودة لا تعني التنازل

اعتبر مطالبة عون بخمس وزارات بينها الداخلية و4 وزراء موارنة «غير منطقية»

الرئيس المكلف سعد الحريري مع بعض الاطفال الايتام المدعوين للافطار («الشرق الأوسط»)
TT

لم تسفر الجولة الجديدة من المحادثات التي أجراها الرئيس المكلف تشكيل الحكومة اللبنانية سعد الحريري مع وزير الاتصالات جبران باسيل موفدا من رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون، عن تقدم في عملية تأليف الحكومة التي وعد الحريري ببذل كل الجهد من أجل تأليفها قبل سفر رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان إلى نيويورك في الثالث والعشرين من سبتمبر (أيلول) الحالي للمشاركة في أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة، لكن مع تشديده على التزامه مواقفه لجهة عدم القبول «بما هو غير منطقي» من المطالب.

الحريري يحافظ على الصمت رغم كل ما يشاع في الصالونات السياسية، ويكتفي بإصدار بيانات نفي ـ لا توضيحات فيها ـ لبعض ما ينقل عنه في صحف معينة بين الحين والآخر. ففي نهاية المطاف «لا يصح إلا الصحيح»، وهي عبارة كان يطلقها والده الرئيس الراحل رفيق الحريري ويؤمن بها نجله الذي يواجه «عقبات مماثلة»، كما صارح أهالي صيدا في إفطار أقامه على شرفهم قبل أيام.

ورغم التكتم الذي يطبع تحركات الحريري، فإن من يحضر إفطارات قريطم يدرك أن اللقاء الذي جمعه وباسيل لم يسفر عن أي تقدم. فالحريري وقف أمام جمهوره الصيداوي، حيث جذور عائلته، قائلا «أنا سعد رفيق الحريري لا أقبل بذلك». وكان يشير بذلك إلى «الشروط غير المنطقية» التي يطرحها عون. وتقول مصادر مطلعة على عملية التأليف ومفاوضاتها لـ«الشرق الأوسط» إن ما قصده الحريري هو مطالبة عون بخمس وزارات لا يوجد بينها وزارة دولة، ومطالبته بوزارة الداخلية وكذلك بأربعة وزراء موارنة.

وتقول أوساط في «14 آذار» لـ«الشرق الأوسط» إن الحريري ليس في وارد التراجع عن ثوابته، ناقلة عنه تمسكه ببقائه عند مواقفه المعلنة ـ والواضحة ـ في ما خص عملية التأليف التي منحه الدستور حق القيام بها بالتعاون مع رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان الذي يؤكد الحريري «وضوح الرؤية معه»، مشددا على أن المشكلة في مكان واحد، وان كان هذا المكان يوصل إلى ما هو أبعد.

وتؤكد المصادر أن الحريري ليس في وارد تقديم التنازلات الآن، فليس هناك حتى الساعة من يطرح «سلة مطالب»، بل هناك محاولة لابتزاز الرئيس المكلف بمطلب تلو الآخر. فإذا سلمنا جدلا بالقبول بتوزير ـ الوزير الخاسر في الانتخابات النيابية ـ جبران باسيل، فهل من ضمانات بأن لا يفتح هذا باب التنازلات لتشمل (نائب رئيس الحكومة الحالي) عصام أبو جمرا و(وزير الزراعة) الياس سكاف، وكلاهما رسب في الانتخابات. وفي المقابل، ألا يمكن أن يثير هذا حفيظة حلفاء الحريري الذين لن يقبلوا بأن تكون التنازلات من نصيبهم وحدهم ـ ولهم الحق في ذلك ـ مقابل «تدلل الفريق الآخر». وتؤكد المصادر أن الحريري ليس في وارد «التقليل من أهمية» أي من حلفائه المسيحيين الذين يجب أن ينالوا حصتهم وفقا لما يستحقونه في أي حكومة.

الحريري كان جازما في تأكيد ثبات مواقفه التي أطلقها يوم إعلان نتائج الانتخابات النيابية من «مد اليد إلى الشركاء في الوطن»، لكنه يؤكد ضرورة أن لا يفهم أحد هذا الموقف على أنه تنازل، مشددا على أن أي حكومة لا بد أن تترجم نتائج الانتخابات، فلو أراد الناس الفريق الآخر في الحكم لصوتوا له. ورغم أن الحريري لن يتنازل عن فكرة حكومة الوحدة الوطنية، فهو في المقابل غير مستعد لتقديم تنازلات دراماتيكية للآخرين حتى لو لوح بعضهم بتوتير الشارع.

وأوضح عضو تكتل «التغيير والإصلاح» النائب سيمون ابي راميا «أن الوزير جبران باسيل عاد ليؤكد طروحات ومطالب التكتل وعاد وذكر بالتنازلات الأساسية التي أعطتها المعارضة للأكثرية»، وقال: «إذا أردنا الكلام عن حجم التمثيل لكل قوة سياسية في لبنان داخل التشكيلة الوزارية مبدئيا يتوجب أن تحصل الأقلية النيابية أو المعارضة على 13 وزيرا، لكن منعا للتعطيل وللعرقلة ومن أجل الاعتراف بنتائج الانتخابات النيابية التي أفرزت أقلية وأكثرية، تنازلت المعارضة إلى عشرة وزراء». وأضاف: «التنازل الثاني في التيار الوطني الحر وتكتل التغيير كان أن لدينا الحق بستة وزراء لان لدينا 21 نائبا مع خمسة وزراء واليوم نحن 27 نائبا، ولا نزال مع الحصة الوزارية نفسها. فإذن كمعارضة وكتكتل تغيير وإصلاح نعتبر أننا قمنا بالتنازلات الأقصى بما يختص بالصيغة العددية المطروحة». واعتبر أن «الكرة أصبحت في ملعب الحريري من اجل طرح شيء جدي ليس فقط للتكتل، بل لكل القوى السياسية في لبنان بحيث يعرف كل طرف ما هي حصته في الوزارة المقبلة وما هي الحقائب ونوعية الحقائب التي سيحصل عليها». أما عضو «كتلة المستقبل» النائب عمار حوري فقد أشار إلى أن احتمال ولادة الحكومة قبل موعد سفر الرئيس سليمان في 23 الحالي «مرتبط بإزالة العقبات والصعوبات، وهي لن تزول إلا من خلال متابعة الحوار». وقال: «الرئيس سعد الحريري والأغلبية مصران على تشكيل حكومة قادرة على تحقيق انجازات، تواكب وتواجه هذه التحديات الخارجية والداخلية، ويجب أن يخضع تشكيلها للمنطق الديمقراطي والجميع يعلم وربما انه قد نسي أن هناك أكثرية قد ربحت وأقلية قد خسرت، ونحن من طلب مشاركة الأقلية في هذه الحكومة، لكن كما قال الرئيس سعد الحريري ليس بشروط الأقلية وليس بابتزاز يحاول البعض في الأقلية أن يفرضه وهو ما لن نقبل به ولن نقبل فرضه علينا». وردا على سؤال حول ما دار في اللقاء أمس بين الحريري وباسيل، قال: «واضح ما أعلنه الفريق الآخر وهو استمرار التمسك بشروط تعجيزية متعلقة بالنقاط الثلاث، كما أعلن الفريق الآخر سواء في مواضيع الحقيبة السيادية أو مضمون الحقائب أو بتوزير الراسبين»، مشددا على أن «الحوار لم يقطع وسيستمر ولكن على الفريق الآخر أن يقتنع بأنه في النهاية ستشكل حكومة ائتلافية في لبنان والرئيس سعد الحريري لن يبقى إلى أبد الآبدين صامتا من دون استعمال كامل حقوقه الدستورية مع فخامة الرئيس».

وحيا النائب انطوان زهرا (القوات اللبنانية)، ما وصفه «صبر الرئيس المكلف سعد الحريري، وتعاطيه بروية وحكمة مع الوضع القائم اليوم». وقال: «إن إعلان الرئيس المكلف فور انتهاء الانتخابات أنه سيعتمد سياسة اليد الممدودة والانفتاح والسعي إلى حكومة شراكة ووحدة وطنية، فسره الفريق الآخر كأنه تنازل عن العملية الديمقراطية ونتائجها، وكأنه علامة ضعف واستسلام، ما دفعهم إلى البدء بفرض الشروط ومحاولة تغيير نتائج الانتخابات». واعتبر وزير السياحة في حكومة تصريف الأعمال إيلي ماروني (الكتائب) أن من حق «الأكثرية أن تحكم، كونها هي من فاز في الانتخابات»، معتبرا أن أزمة تأليف الحكومة قد «طالت، ونوايا التعطيل لأفرقاء المعارضة قد طالت، ولكن على رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري أن يقرر وينهي الأزمة». وانتقد النائب فادي الهبر (الكتائب) تحكم الخاسر (في الانتخابات) في مسار البلد معطلا الجو الديمقراطي والبرلماني وتفاعل مؤسسات الدولة، ودعا إلى «حكومة أقطاب» تتألف من الشخصيات الثماني التي تشكل طاولة الحوار.