الشبان الأتراك عقبة كبرى في طريق انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي

تزايد النزعة القومية والدينية يجعل الأتراك أقل تحمسا لأوروبا

TT

تحمل اللوحة المعدنية على سيارة يونس داناجيوغلو تركية الصنع شريطا أزرق فارغا، في انتظار نجوم الاتحاد الأوروبي كتلك التي تزين اللوحات المعدنية للسيارات من أيرلندا إلى بلغاريا. والاختلاف الوحيد بين لوحته المعدنية وغيرها في إسطنبول هو أنه غطى هذا الشريط بعلم تركيا بلونيه الأحمر والأبيض، الذي يحمل هلالا ونجمة لإظهار ولاءاته. وقال داناجيوغلو (20 عاما) لـ«رويترز»: «ماذا أتصور عن الاتحاد الأوروبي؟.. اجعلوا من إسطنبول عاصمة للاتحاد الأوروبي وحينذاك سأدعمه».

ويشير داناجيوغلو الذي يعمل سائق سيارة أجرة إلى أن الفخر بأن يكون المرء تركيا أهم من ادعاء أنه أوروبي، وتظهر دراسات مسحية أن كثيرين غيره ضمن سكان تركيا من الشبان وعددهم ضخم وفي تنام يشاركونه الشعور نفسه.

وليس هذا بشير خير لمسعى تركيا المبتلى بالمشكلات بالفعل للانضمام لعضوية الاتحاد الأوروبي، حيث أظهرت دراسة في مايو (أيار) أن الشبان، الذين كان الساسة الأتراك يروجون لهم ذات يوم بوصفهم أحد الأصول لأوروبا التي يغلب على شعبها المتقدمون في العمر، هي الجماعة التي تنتشر بينها أقوى معارضة للانضمام للاتحاد الأوروبي.

ويقول يلمظ أسمر، أستاذ العلوم السياسية بجامعة باهجشير الذي أظهرت دراسته أن 32 في المائة من الشبان يعارضون الانضمام للاتحاد الأوروبي وهو مستوى أعلى من أي فئة عمرية أخرى «المواقف المناهضة للاتحاد الأوروبي أكثر انتشارا بين شباننا».

ويقول خبراء في علوم السكان إن سكان تركيا البالغ عددهم 72 مليون نسمة أكثر من نصفهم تحت سن الثلاثين، وستزيد تلك النسبة في الأعوام العشرين أو الخمسة والعشرين القادمة.

وقال أسمر لـ«رويترز»: «شباننا يبدون أقل ميلا للغرب، وأكثر قومية، وعلى درجة من التدين بقدر أكبر من نظرائهم الأكبر سنا، ويرجع هذا إلى مدارسنا وكتبنا المدرسية».

وأعاد انقلاب عسكري عام 1980 صياغة الكثير من القواعد لنظام تركيا التعليمي. وعزز دور الجيش في المناهج، وأمر بتدريس مناهج في الدين مما ساعد على وضع الدين تحت سيطرة الدولة في البلاد التي يغلب على سكانها المسلمون. كما أن شبان تركيا هم أكثر من يعاني من الكساد العميق الذي تعيشه. وانكمش الاقتصاد بنسبة 13.8 في المائة في الربع الأول من العام، ويعاني نحو واحد من كل أربعة شبان وشابات من البطالة.

وخلافا للدول الأخرى المرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي خاصة دول الكتلة الشيوعية السابقة التي اعتبر شبانها الاتحاد سبيلا للانفصال عن الماضي، فإن من المرجح أن يريد شبان تركيا رؤية بلادهم تواجه الحياة بمفردها.

ويحتوي نظام التعليم (الذي انتقد لبلورته النزعة القومية والوعي الديني) على مقررات تعليمية عن الأمن القومي، يقوم ضباط بالجيش بتدريسها، فضلا عن مناهج للدين يقتصر تركيزها تقريبا على المذهب السني.

كما أنحى باللائمة على كثير من الكتب الدراسية التركية في إذكاء النزعة القومية ضمن رواياتها عن حرب الاستقلال حين قاتل جنود أتراك قوات إيطالية وفرنسية وبريطانية ويونانية لاستعادة أراض عثمانية سابقة.

وقال ألب أصلان (20 عاما)، الذي يعتزم دراسة الهندسة الإنشائية العام القادم «إنها مسألة ثقة بالنسبة لتركيا.. لا أظن أن كثيرا من الشبان يثقون في الاتحاد الأوروبي لأن هذه هي الدول نفسها التي كانت تحاول الاستيلاء على أجزاء كبيرة من تركيا قبل أقل من 100 عام». وأصبح كثيرون بين شبان تركيا وشاباتها على وعي سياسي، ليس خلال سنوات الحماس للانضمام للاتحاد الأوروبي الذي أدى إلى فتح محادثات انضمام أنقرة عام 2005، لكن في ظل المناخ اللاحق «لإجهاد التوسعة» الذي شهد تشكيك بعض أعضاء الاتحاد في فكرة عضوية تركيا. ويريد زعماء في فرنسا وألمانيا «شراكة ذات امتياز» لتركيا، وليس عضوية كاملة. وفي الدولة التي يمثل المسلمون 99 في المائة من سكانها، تجسد وسائل الإعلام هذا على أنه مثال للمشاعر المناهضة لتركيا، والكيل بمكيالين. وقال أصلان ملخصا وجهة نظر منتشرة على نطاق واسع بين الأتراك «أعطينا كثيرا جدا بالفعل للاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالإصلاحات، ولم نر شيئا في المقابل. فرنسا وألمانيا لا تريداننا ولن تريداننا أبدا».

وتريد بروكسل من تركيا الحد من سلطة الجيش، وتحسين حرية التعبير، ومنح مزيد من الحقوق للأقليات، وتبني وتطبيق 80 ألف صفحة من القوانين والقواعد التنظيمية تتراوح من البيئة إلى سلامة الغذاء. هذه الإصلاحات مؤلمة وتتطلب دعما مستديما من الرأي العام. ولا تزال درجة الدعم للاتحاد الأوروبي عالية بين من يعتبرون الإصلاحات المدعومة من الاتحاد في الدولة الفقيرة نسبيا المحافظة طريقا للمضي قدما في القضايا الديمقراطية.

وقال هايري اينجي (24 عاما)، الطالب الذي يدرس النظرية الاجتماعية في جامعة بيلجي باسطنبول «أريد انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي لأن على تركيا أن تقطع شوطا طويلا فيما يتعلق بتعلم كيفية التعامل مع أقلياتها واحترام حرية التعبير والفكر».

لكن إيجين إيتاج، من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والذي كتب تقريرا العام الماضي عن الشبان الأتراك، يقول إنه من دون استثمار سريع في نظام تركيا التعليمي فإن الظروف التي تسهم في ازدياد النزعة القومية والمشاعر المناهضة للاتحاد الأوروبي وبطالة الشبان ستتفاقم في الأعوام القادمة.

وكثيرا ما يعتبر التعليم الجامعي عاملا معدلا يوازن النبرات الأكثر ميلا للنزعة القومية بالمناهج الدراسية لمرحلتي التعليم الأساسي والثانوي بتركيا.

وقال إيتاج «إذا لم نستثمر في هؤلاء الناس وإذا كنا لا نستطيع منحهم وظائف وتعليمهم.. فلن يعني الشبان الكثير بجانب المشكلات».

وبالنسبة لاثني عشر مليون شخص يقتربون من سن الجامعة تملك تركيا 94 جامعة حكومية تستطيع أغلب الأسر تحمل تكاليف التعليم بها. ولا تستطيع إلا قلة تحمل المصروفات الدراسية الباهظة في كليات تركيا الخاصة التي يبلغ عددها 45.