انتقادات في الرباط لظروف تشغيل قرويات مغربيات في مزارع الأندلس في جنوب إسبانيا

المغرب لم تتلق قرارا بإيقاف التعاقد معهن

TT

شكل قرار إسبانيا بالاستغناء عن اليد العاملة المغربية العاملة في مجال زرع وجني الفراولة في مزارع إقليم الأندلس في الجنوب الإسباني صدمة لقرويات مغربيات، كن يأملن العمل في هذه المزارع لتفادي البطالة والفقر في بلادهم. لكن مصادر حكومية مغربية قالت إنها لم تتلق رسميا ما يؤكد هذه الأخبار.

وفي التفاصيل عزت تقارير صحافية إسبانية قرار السلطات الإسبانية إلى تأثيرات الأزمة الاقتصادية التي ألقت بظلالها الثقيلة على سوق العمل، وكذا رغبة إسبانيا في منح الأسبقية لمواطنيها الذين يعانون البطالة، ولمواطني أوروبا الشرقية الذين يتوافدون عليها بكثرة.

وقالت فاطنة رايشاف من إقليم شيشاوة، جنوب المغرب، إنها أصيبت «بصدمة» حين سمعت الخبر في إحدى الإذاعات المغربية الخاصة. وقالت إنها كانت تتمنى أن تلتحق بإحدى جاراتها التي تعمل هناك حاليا، وتبعث بين الحين والآخر بمساعدات لأسرتها.

وانتقدت الدكتورة كنزة الغالي، الباحثة في مجال الهجرة النسوية، ومؤلفة كتاب «النساء المهاجرات بإسبانيا» طريقة انتقاء العاملات المغربيات للعمل في حقول الفراولة بإقليم الأندلس بإسبانيا، واصفة إياها بأنها تتعارض مع حقوق الإنسان المتعرف عليها عالميا. وقالت إن من بين شروط العقد أن تكون أيدي النسوة المرشحات للعمل هناك خشنة، معتبرة ذلك بمثابة «شرط انتقاء بهيمي لا يراعي الكرامة الإنسانية للمرأة» وقالت الغالي لـ«الشرق الأوسط»، إن عقود العمل تنص على أن تكون العاملات أمهات لأطفال صغار، وذلك حتى يضمن الجهة المتعاقدة عودتهن إلى المغرب، فور انتهاء عقود عملهن الموسمي في إسبانيا، مشيرة في هذا الصدد إلى هؤلاء الأمهات يعمدن إلى ترك أطفالهن عند الأقارب أو الجيران، مع ما ينتج عن ذلك من مشاكل ومآس يعانيها هؤلاء الأطفال، وقالت إن عقود العمل لا إنسانية ولا تحترم حقوق الأطفال.

وقالت الغالي إن الأرقام المتداولة تشير إلى تشغيل 20 ألف امرأة مغربية في إسبانيا في السنين الأخيرة، لكن الحقيقة هي أن أربعة آلاف منهن هن اللواتي يحظين بالعمل طوال المدة المنصوص عليها في عقود العمل، مما يعرضهن لعدة متاعب في الغربة، خاصة أنهن لا يعرفن التحدث باللغة الإسبانية للدفاع عن حقوقهن. والكثير منهن يضطرن إلى البقاء في إسبانيا، رغم انتهاء تاريخ التأشيرة، أملا في تسوية وضعيتهن القانونية مستقبلا، غير أن ذلك يدخلهن في خانة الهجرة السرية، وغالبا ما يتم إلقاء القبض عليهن وإيداعهن مراكز الاعتقال الإسبانية.

وكانت منظمة العفو الدولية قد أصدرت مؤخرا تقريرا حول هذه المراكز، وما يجري فيها من اعتداء جنسي من طرف موظفين إسبان على المهاجرات، وطالبت المنظمة حكومة مدريد «إقرار قانون جديد من أجل توفير الحماية للنساء والفتيات اللواتي يتعرضن لأسوأ أنواع التعسف» كما جاء في التقرير.

وقالت الغالي التي أجرت أخيرا بحثا ميدانيا في إسبانيا، وتنشره قريبا في كتاب جديد لها تحت عنوان «الفراولة المرة» إنها فوجئت بأن بعض النساء يضعن الحناء على أياديهن، فسألتهن: «هل أنتن سعيدات بأنفسكن هنا؟»، فكان جوابهن، إن هذه المادة الطبيعية التي توحي بالفرح، تخفف عنهن بالألم الذي تتعرض لهن أصابعهن، أثناء جني الفراولة. وكشفت الغالي النقاب عن أنها التقت في حقول التوت والفراولة بنساء لا علاقة لهن نهائيا بالعمل الزراعي، وبعضهن قادمات من مدن مثل فاس (وسط المغرب) أو من طانطان (جنوب البلاد)، داعية إلى اعتماد معالجة إنسانية وحقوقية جديدة لتشغيل النساء المغربيات في حالة ما إذا طلبهم الإسبان من جديد.

يذكر أن الوكالة الوطنية المغربية لإنعاش التشغيل والكفاءات (مؤسسة حكومية) هي التي تقوم بعملية اختيار العاملات المغربيات وتسجيلهن، قبل إيفادهن للعمل في حقول الفراولة بإسبانيا، مقابل أجر يومي يبلغ 35 يورو. وقال كمال حفيظ، مدير الوكالة، لـ «الشرق الأوسط» أن المؤسسة لم تتوصل بعد بأي إشعار أو تأكيد رسمي من إسبانيا، يفيد بالاستغناء عن خدمات العاملات الموسميات المغربيات، مشيرا إلى أنه قرأ الخبر في الصحافة، غير أنه لم يلمس أي أثر لذلك في علاقة الطرف الإسباني بالوكالة. وقال حفيظ إن هناك اتصالا دائما مع إسبانيا بخصوص الموضوع، وأشار في هذا الصدد إلى اللقاء الذي جرى أخيرا بمدينة طنجة (شمال المغرب) مع عمدة مدينة قرطاية بإقليم الأندلس. ونفى حفيظ أن تكون هناك انتهاكات لحقوق النساء العاملات في إسبانيا، وقال «إن ذلك ليس صحيحا، لأن إسبانيا دولة تحترم القانون وحقوق الإنسان، وهناك أجهزة مكلفة بمهمة التفتيش في مواقع العمل، ومدى تطبيق القوانين» وخلص حفيظ إلى القول، «إنه في حالة توصلنا بشكوى، وهذا نادرا ما يحدث، فإننا نحيلها على الجهات المختصة، عبر السفارة الإسبانية بالرباط، قصد اتخاذ الإجراءات اللازمة التي يتطلبها الموقف»، منوها بما اعتبره نجاحا لتجربة عمل النساء الموسميات في إسبانيا، «بدليل مواصلة طلباتهن كل عام بالسفر إلى إسبانيا من أجل العمل».