نهاية صيف حار وبداية خريف عاصف.. لأوباما

الرئيس يخاطب الكونغرس غداً وسط انتقادات بشأن خطته الصحية وطريقة إحيائه 11 سبتمبر

TT

بعد انتهاء عطلته الصيفية وعودته إلى البيت الأبيض أول من أمس، يعتزم الرئيس باراك أوباما غداً إلقاء خطاب أمام الكونغرس بمجلسيه يخصص جزء مهم منه إلى خطة الرئيس للرعاية الصحية. ويأتي هذا وسط تراجع شعبية الرئيس الأميركي ومواجهته انتقادات شديدة بعضها يتعلق بالطريقة التي يريد بهاء إحياء الذكرى السنوية لهجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001.

وفي العادة، يخطب الرؤساء الأميركيون أمام الكونغرس بمجلسيه، إما بعد أداء القسم عند بدء الولاية الرئاسية أو عند إلقاء خطاب سنوي. لكن، يبدو أن اوباما يريد سن سنة جديدة تتمثل في إلقائه خطابا أمام مجلسي النواب والشيوخ مرتين على الأقل في السنة. وخاطب رؤساء أميركيون الكونغرس في حالات طارئة مثلما فعل الرئيس السابق جورج بوش الابن بعد هجمات 11 سبتمبر.

من المفارقات أن اوباما سيلقي خطابه في نفس الشهر وقبل أيام قليلة من الذكرى الثامنة للهجمات. وهذه واحدة من الأشياء التي يستغلها معارضوه للهجوم عليه. فيوم الجمعة الماضي، قال شون هانيدي، وهو جمهوري محافظ ومقدم مقابلات تلفزيونية وإذاعية يومية ناجحة (يستمع إلى برنامجه الإذاعي اليومي أكثر من عشرة ملايين شخص): «عبر تاريخنا الحديث، صار شهر سبتمبر خاصاً، وذلك بسبب الهجوم الذي وقع علينا فيه. كان الرئيس السابق بوش يجعل هذا الشهر للتخطيط والتأمل بسبب عائلات وأقرباء وأصدقاء أكثر من ثلاثة آلاف شخص قتلوا في الهجمات، وكان يشدد على أهمية القضاء على الأعداء الذين فعلوا ذلك، لكن ها هو اوباما، الذي سافر إلى الخارج ليعتذر للأعداء، وأمر بعدم استعمال كلمة إرهابي، ويريدنا أن ننسى هجمات 11 سبتمبر، يستغل هذا الشهر الخاص لينفذ أجندة اشتراكية».

وهذه النقاط كررها معارضو اوباما كثيراً في الآونة الأخيرة. وفي الصيف الحالي، كتب شارلز كرواثهامر، اليميني: «منذ أن ذهب اوباما إلى القاهرة وألقى خطابا اعتذر فيه للعالم الإسلامي، لم يعد يعبر عن رغبات الشعب الأميركي الأصيل». ويعد كراوثهامر واحدا من معارضين كثيرين يتهمون اوباما بأنه «ابولوجيست» (اعتذاري). وبصرف النظر عن المسلمين والعرب وإسرائيل، هناك آخرون يتهمونه بأنه يفعل نفس الشيء في مناطق كثيرة. ويقول هؤلاء إن أوباما ذهب إلى أميركا اللاتينية واعتذر عن سياسات أميركية في السابق، وذهب إلى روسيا واعتذر عن تشدد الرئيس السابق بوش ووزيرة خارجيته كونداليزا رايس مع الروس والإصرار على توسيع حلف الناتو نحو الشرق.

وحتى بعض الليبراليين انتقدوا اوباما. ومن هؤلاء رتشارد كوهين، الذي انتقد على غير عادته الرئيس الحالي قائلاً: «أكد لي مصدر خاص ما كنت اعتقد انه غير مؤكد، وهو أن الرئيس اوباما أمر في أول يوم له في البيت الأبيض، بعدم استعمال عبارة الحرب ضد الإرهاب».

وأشار معارضون آخرون إلى هذا الأمر، وتندر بعضهم على الوصف الجديد الذي أمر اوباما باستعماله «مواجهة أعداء مقاتلين في الخارج». وربط بعضهم بين هذا وبين النقطة السابقة، وهي ميول اوباما للاعتذار «للأعداء». وقالوا إن اوباما قدم تنازلات كثيرة في خطابه في القاهرة في بداية الصيف. وانه «اعتذر للمسلمين» (في الحقيقة، لم يعتذر وإنما دعا لفتح صفحة جديدة)، ثم أوقف استعمال كلمة «الحرب ضد الإرهاب». وقالوا إن هيلاري كلنتون، وزيرة الخارجية، عارضت ذلك، لكن، وهي الوزيرة وهو الرئيس، كان عليها أن ترضخ. وتندروا، وهذه حقيقة، أنها لم تستعمل العبارة إلا عندما ذهبت، قبل شهرين، إلى الهند. وهناك، في خطاب طويل، كررت أهمية «الحرب ضد المتطرفين والإرهابيين».

مع اقتراب نهاية الصيف والذكرى الثامنة لهجمات 11 سبتمبر، زاد معارضو اوباما هجومهم عليه وانتقدوه بأنه ليس «باتريوتيك انوف» (ليس وطنيا بالدرجة المطلوبة). وزاد الهجوم بعد أن أعلن البيت الأبيض أن اوباما لن يحتفل بذكرى 11 سبتمبر كما كان يفعل سلفه. فقد كان بوش الابن يحرص على زيارة مكان مركز التجارة العالمي ومبنى البنتاغون، اللذين استهدفا في الهجمات، كما كان يتصل هاتفياً بعائلات بعض الضحايا. ولم يحدد البيت الأبيض الطريقة التي سيحيي بها اوباما المناسبة هذا العام.

وأول من أمس، قال بيل اورايلي، مقدم برنامج في تلفزيون «فوكس» اليميني: «هل سمعتم أن اوباما يريد منا أن نحتفل بذكرى 11 سبتمبر بأن نتطوع لتقديم خدمات اجتماعية في الأحياء التي نسكن فيها؟ هل سمعتم أنه يريد منا أن نخرج مجموعات لننظف الشوارع، ونصلح الطرقات؟ هل سمعتم بأغرب من هذا لإحياء اكبر هجوم عدواني عرفته أميركا؟».

وركز معارضو اوباما أيضا على موضوع «الاشتراكية»، وصاروا يستعملون الكلمة لوصف سياساته وخطته للرعاية الصحية. وتقود الحملة، خاصة من جانب الجناح المحافظ في الحزب الجمهوري، مجلة «ويكلي ستاندارد» الأسبوعية. فقبل أسبوعين كتبت هذه المجلة: «إذا سمحنا لاوباما بتنفيذ برنامجه الاشتراكي لتسيطر الحكومة على علاج الناس، فسيأتي ببرنامج جديد لتسيطر الحكومة على أكل وشراب الناس (في إشارة إلى تأميم المحلات التجارية). ثم على وسائل نقل الناس (في إشارة إلى تأميم وسائل النقل)».

وخلال الصيف، نظم معارضو خطة اوباما الصحية، حملة إعلامية ذكية. ويبدو أنهم نجحوا في ترسيخ أمر محدد في عقول الأميركيين، وهو أن الخطة ستقوم أولا بتقليل الامتيازات الصحية الحالية للذين يملكون تأمينات صحية. وثانيا ستزيد الضرائب عليهم، وثالثا تجعلهم يتحملون نفقات علاج الذين ليست عندهم تأمينات صحية.

ويرى صحافيون ومراقبون في واشنطن أن هذه الحملة أدت إلى انخفاض شعبية اوباما خلال الصيف، وبسبب ذلك، قرر اوباما أن يخرق العادة، ويلقي خطابا أمام الكونغرس بمجلسيه.

لكن الرئيس يواجه انتقادات من جهات أخرى أيضاً. فهنالك أيضا الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي. ويقود الجناح هوارد دين، الحاكم السابق لولاية فيرمونت، والرئيس السابق للحزب الديمقراطي، والمرشح السابق لانتخابات الرئاسة. وأول من أمس، سأل دين، في برنامج تلفزيوني مستغربا، دون أن يشير إلى اسم اوباما: «ماذا حدث للحزب الديمقراطي؟ ها نحن نسيطر على البيت الأبيض، وعلى مجلسي الشيوخ والنواب، ولا نستطيع أن ننفذ الأجندة التي خضنا بها الانتخابات؟».

ويقود دين الجناح الذي يريد من اوباما أن يلتزم بالخطة الصحية التي خاض بها الانتخابات، وهي: تأمين صحي لكل مواطن أميركي. غير أن اوباما يواجه جبهة أخرى، وهي المستقلون والمحايدون، مثل ديفيد برودر، وهو معلق متزن ومحايد في جريدة «واشنطن بوست». وقال برودر انه لا يريد أن يدخل في نقاش بيزنطي عن التأمين الصحي. لكنه يعتقد أن اوباما يتسرع في ما يقول وما يفعل. ونصحه بالتأني. وحتى ماثيو لاتمير، كاتب خطابات الرئيس السابق بوش الابن، وهو جمهوري عمل مع رئيس جمهوري، كتب نفس الشيء في نفس جريدة «واشنطن بوست». وقال إن اوباما إذا كان لا يتسرع في ما يفعل، فإنه يتسرع في ما يقول. وذكر في عنوان مقاله: «يتكلم اوباما كثيرا لكن الكلام من فضة والصمت من ذهب».

لكن مقربين ومؤيدين من اوباما يقولون انه لا يوجد شخص مثله يعرف كيف يواجه الانتقادات والمناورات. وقال أحد مؤيديه في حديث إذاعي أمس إن اوباما «السياسي القادم من شيكاغو يعرف كيف يواجه النقد، وحتى كيف يواجه الفشل». ولهذا، يتوقع مراقبون أن الرئيس سيقول غدا أمام الكونغرس انه لم يغير رأيه، وانه لن يقدم تنازلات، لكنه مستعد للاستماع إلى أي رأي.