امرأة تروي قصة تعذيبها داخل سجن إيراني.. وتسلط الضوء على ما يحدث وراء القضبان

«التعذيب الأبيض» منتشر في السجون الإيرانية.. يتضمن الترهيب والترغيب.. ومحاضرات عن مخططات أميركية

TT

بأدب اعتذر المحقق عن الأسئلة التي أمطر بها السجينة حول دورها في الاحتجاجات الشعبية التي أعقبت الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي جرت في 12 يونيو (حزيران) الماضي، المتنازع على نتيجتها. ولكن بعد ذلك، أُجلست لمدة أربع ساعات ونصف الساعة تحت الشمس الحارقة أمام حائط داخل فناء سجن إيفن الإيراني وهي معصوبة العينين ومصفدة اليدين وعليها الشادور. «أميركا هي خصمنا»، هكذا قال لها المحقق. «لماذا أنت بهذه الدرجة من السذاجة ولا تفهمين ذلك؟ تستغل أميركا الوضع هنا، وتريد أن تسرق البلاد، إنها لا تكترث لمصلحتك». الموقف البائس الذي عانت منه ناظي، وهي طالبة جامعية تبلغ من العمر 29 عاما عملت في الحملة الانتخابية للمرشح الرئاسي الخاسر مهدي كروبي، يلقي نظرة نادرة على ما يحدث للمحتجين عند اعتقالهم.

وتحدثت ناظي إلى وكالة «أسوشييتد برس» عبر الهاتف من طهران بعد إطلاق سراحها شريطة استخدام اسمها الأول فقط، لحماية نفسها وعائلتها. وألقي القبض على الآلاف منذ الإعلان عن فوز الرئيس الإيراني الحالي محمود أحمدي نجاد على الرغم من المخالفات التي يقال إنها وقعت. وتزعم المعارضة تعرض المعتقلين للاغتصاب، وأن 69 على الأقل قتلوا، البعض منهم داخل السجن بعد التعرض للضرب. ولم يتسن دعم كلام ناظي، المعروفة داخل الدوائر الإصلاحية، من مصدر مستقل. لكن، أشارت تنظيمات حقوقية وسجناء سابقون إلى أن هذه المعاملة، التي تمزج بين الترغيب والترهيب فيما يعرف باسم «التعذيب الأبيض»، منتشرة داخل إيران، وأن المواطنين العاديين تعرضوا إلى ذلك، وكذا الحال مع السياسيين المعارضين البارزين. يقول محمد جواد أكبرين، وهو محلل اعتقل في عام 2001: «هذه حالة من آلاف الحالات التي تحدث في إيران، حيث يتعرض أغلبية السجناء إلى (التعذيب الأبيض). والمثير للقلق هو أن المواطنين يشعرون بالرضا عندما لا يتعرض السجناء إلى (التعذيب الأسود) وينسون أنه تم التعدي على حقوقهم وشرفهم وكرامتهم».

كان يوم السبت الموافق 20 يونيو (حزيران) يوما عصيبا، وهو اليوم الذي تلى إعلان المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي أن الانتخابات الرئاسية سليمة، وحذر قادة المعارضة، مطالبا إياهم بأن ينهوا الاحتجاجات وإلا كانوا مسؤولين عن الدماء التي تراق. تقول ناظي لوكالة «أسوشييتد برس»: «في ذلك اليوم عرفنا أن أي شخص يخرج إلى الشارع ربما يدفع ثمنا كبيرا في المقابل» وكانت ناظي في طريقها لشراء كتاب من شارع انقلاب، وسط مدينة طهران، وكانت تخطط لحضور مظاهرة تنعقد ظهرا في الساعة الرابعة. وقبل أن تترك منزلها، وضعت عصابات كتب عليها «التغيير» في حقيبة الظهر الخاصة بها ومعها ملصق مطوي أعدته للمظاهرة. وكان اللون الأبيض هو لون مناصري كروبي. وفي الظهر وبعد أن نزلت ناظي من السيارة أمام محل بيع كتب، قدم رجل يرتدي سترة بيضاء وقميصا أزرق وحذاء أبيض وقام بليّ ذراعيها ووضعهما في الأصفاد. ودفعها إلى الأمام وأمرها بأن تمشي إلى مسافة أمامه في شارع مزدحم. وبمجرد أن بدأت تمشي حتى لحق بها شابان حليقا الذقن يرتديان جينز أزرق وعصابات خضراء، وهو اللون المميز للمرشح الإصلاحي الخاسر مير حسين موسوي. «لا تقومي بأية ضوضاء، عندما تصلين إلى الشارع الضيق سوف نساعدك على الهرب»، هكذا قال أحدهما لها. ولكن عندما وصلت إلى الشارع الذي يقود إلى «البوليس الوقائي»، قام الرجلان بدفعها عبر البوابة. وتبين أنهما كان يخدعانها. واقتيدت إلى فناء ضخم به الكثير من ضباط الشرطة والشاحنات وسيارات الجيب. ورأت ناظي خمسة أو ستة رجال يُضرَبون وهم يُقتادون إلى مركز الاعتقال. وضُربت ناظي نفسها مرتين على ظهرها. وقامت حارسة بسحب ملصق من حقيبة ناظي. وسخرت منها قائلة: «ها، بدلا من كتابة (باسم الله) على الملصق كتبت (باسم الديمقراطية)، سوف أريك ماذا تعني الديمقراطية حقا».

وأتت حارسة أخرى، وتحدت ناظي لأنها عضو في حملة (مليون توقيع) وهي حركة تضغط من أجل إجراء تعديلات على القوانين الإيرانية الخاصة بالمرأة. وقالت الحارسة: «لماذا لا تعيشين في سلام، هل تنظرين إلى نفسك على أنك امرأة؟ نحن النساء اللاتي يعملن من أجل إحضار الخبز، مثل المواطنين العاديين. يجب عليك أن تقومي بمثل هذا، هل ترين أن جمع التوقيعات عمل؟» وأضافت أن عائلة ناظي تبحث في كافة أرجاء المدينة عنها، قائلة: «لماذا لا تستخدمين عقلك شيئا قليلا؟» وقالت ناظي إنها تعمل من أجل حقوق المرأة، فسألتها الضابطة: «ألا يمكنك العثور على وسيلة أخرى أفضل للدفاع عن حقوقنا؟» وبحلول الساعة الرابعة مساء كان عدد المعتقلين، ومعظمهم من الرجال الذين ألقي القبض عليهم في أماكن الاحتجاجات، قد ارتفع ليتجاوز المائة. وانتظرت ناظي مع امرأتين أخريين لساعات طوال داخل شاحنة في الوقت الذي كان يتم فيه إحضار المزيد من المتظاهرات. وعندما حل الظلام، بلغ عدد مَن في الشاحنة، التي تتسع لاثني عشر شخصا، تسع عشرة امرأة بالإضافة إلى ضابطتين وضابط. وأُجلسن ثلاثة في كل مقعد، بعد أن وضعت عصابات على الأعين وربطت أياديهن إلى الكراسي. وفي كل مرة كن يتفوهن بكلمة، كن يضربن على رؤوسهن. وبعد مرور بعض الوقت ألقى الضابط ست زجاجات مملوءة بالمياه على رؤوسهن. وقامت ناظي برفع العصابة قليلا عن عينيها وشاهدت الحرس يضربون نحو 60 رجلا، معظمهم من الشباب، على رؤوسهم باستخدام الهراوات. وكانت الدماء تنزف على وجوههم وتشربت بهما قمصانهم. واقتيدت النسوة إلى شرطة الأخلاق، وهو سجن مؤقت للعاهرات ومدمني المخدرات. وقام الضبّاط بدفعهن عبر بوابات معدنية خضراء للمبنى ثم رحلوا. ولم يكن أي من ضباط شرطة الأخلاق يعرف سبب إحضار النساء التسع عشرة إلى هذا المكان، ومَن أحضرهن وما هي المخالفات اللتي ارتكبنها. وقام الضباط بدفع كل خمسة منهن إلى غرفة 3x2 متر وكن لا يتمكن من فرد أقدامهن. وكانت الغرف مظلمة ولم تكن بها نوافذ. وعندما طلع الفجر، كانت النساء قد بدأن في الصراخ، وكانت هناك أم شابة تنوح، فقد تركت طفلها الذي يبلغ من العمر 3 أعوام في المنزل وحده بينما كانت ذاهبة للتسوق وعندها ألقي القبض عليها.

وبعد مرور 15 ساعة، سمح لهن باستخدام المرحاض مرة واحدة فقط. وقبل منتصف الليل، اصطحبن إلى أعلى في غرفة بها مكتبة كبرى، وأعطيت لهن استمارات ليكتبن سبب الاعتقال. ولم يكن المحقق ولا مساعده على الصورة النمطية لضباط النظام الإيراني، فقد كان المحقق يرتدي قميصا أبيض اللون وله أكمام قصيرة وبنطالا أبيض وتحيط برقبته سلسلة ذهبية، وكان المساعد أيضا رجلا شابا حليق الذقن ويرتدي سلاسل. وبعد مرور دقائق قليلة، دلف إلى المكان شاب نحيف يرتدي سترة. وسأل القادم الجديد ناظي: «هل تدركين أن جريمتك تفوق الجرائم التي ارتكبها الآخرون؟ إنك ضمن حملة (المليون توقيع)». فأجابت ناظي: «أنا لا أعرف حتى سبب إلقاء القبض عليّ».

وكتب في أسفل الورقة: «يطلق سراحها بكفالة مليار ريال (نحو 100000 دولار)». وقال لها إن عليها التوقيع على الورقة حتى يمكنها العودة إلى منزلها في تلك الليلة. وكانت التهم: خرق القانون والنظام، والقيام بأعمال ضد الأمن القومي، وتدمير ممتلكات عامة والمشاركة في تجمعات غير قانونية. وردت ناظي بأنها لا تقبل أيا من هذه التهم، فقال لها: «إذن سوف تبقين هنا!» وتوجّه للحارس قائلا: «ضع يدها في الأصفاد وغَمّ عينيها وخذها لأسفل». وشعرت ناظي حينئذ بالرعب، فلم تكن تريد أن تبقى هناك وحدها، وكان تشعر بالقلق على أسرتها. وقالت للرجل: «هل معنى توقيعي على الورقة أنني أقبل التهم؟» ورد عليها بأن التهم ستبقى سواء وقعت هي أم لم توقع. وكانت تخشى من أن يصدر ضدها حكم بالسجن إذا قبلت التهم، وقال لها الرجل بلهجة تهديد: «لا توقعي، وابقي هناك إلى أن تموتي». وحاول المساعد الشاب أن يقنعها بالتوقيع، فسألته: «هل يعني ذلك أنني سوف أعود إلى منزلي هذه الليلة؟» فطمأنها قائلا: «نعم، ألا ترين أنك توقعين على كفالة؟» وبمجرد توقيعها على الورقة، قال المحقق: «ضعوا يديها في الأصفاد وغموا عينيها وخذوها إلى إيفن». فقالت ناظي: «ولكنك قلت إنني سوف أعود إلى منزلي هذه الليلة!» فرد الرجل بأن لطمها على خدها وقال: «من تظنين نفسك كي أضطر للرد عليك؟ خذوها إلى إيفن!».

وكانت الساعة قد بلغت الثانية صباحا عندما وصلت مع ست سجينات أخريات إلى إيفن. ولم يكن أحد يتوقع وصولهن، وقال الحراس إنه لا توجد غرف شاغرة، فقد كان السجن مزدحما. وفي هذه الأثناء، وصلت ست حافلات مملوءة برجال مقيدين في النوافذ من مركز اعتقال شاهبور الجنائي، وهو من مراكز الاعتقال المشهورة بتعذيب النزلاء. وفي النهاية في الساعة الثانية والنصف صباحا، سُمح للقادمات الجدد بالدخول إلى القسم الثاني الخاص بالنساء وتم تفتيشهن وأخذ بصمات أصابعهن. ووضعت كل ست منهن في زنزانة بها سجادة ومرحاض ودش وحوض. وكان من بين النزلاء امرأة تبلغ من العمر 30 عاما تعاني من سرطان الصدر، وتم التعدي عليها جنسيا وهي تنقل من شاهبور إلى إيفن. وكانت المريضة، التي خضعت لعملية جراحية قبل أشهر قليلة، تنزف الدماء عندما وصلت. وكان من بين الأخريات فتاة تبلغ من العمر 15 عاما معها أمها وعمتها، وفتاتان عمرهما 16 عاما كانتا تتجولان بدراجتيهما بالقرب من موقع احتجاجات. ومما يدعو للسخرية، كان هناك أربع نساء من مؤيدي أحمدي نجاد، منهن خياطة أخوها مسؤول بارز في الحرس الثوري. وكان معظم الطعام عليه الكافور ويجعلهن يفقدن الإحساس بشفاههن، وكانت المياه لا يمكن تناولها، وشعرت الكثير من السجينات بالغثيان. وفي الصباح كانت ناظي، التي ترتدي الشادور، مكبلة اليدين ومعصوبة العينين، ومشيت مع حارس إلى مركز تحقيق معروف باسم مدرسة إيفن، وربما يُطلق عليها هكذا لأنها كانت تستخدم كراسي المدارس هناك. ووقف المحقق وراءها ووجه إليها أسئلة، وطلب منها أن تكتب الإجابات في أسفل الورقة من تحت الغمامة التي على عينيها. وتقول ناظي: «لقد استخدمت كلمات وقحة». وفي كل سؤال، كان يأخذ الورقة من ناظي ويكتبه فيها ثم يعيدها إليها كي تكتب الإجابة. وسألها نفس الأسئلة مرة بعد أخرى. وكان من بين الأسئلة: لماذا صوتي لمهدي كروبي؟ ولماذا فضلت كروبي على موسوي؟ وما هي كمية المال التي حصلت عليها؟ وأين تنعقد اجتماعاتكم؟ وهل ترتدين الحجاب في مقر الحملة الانتخابية؟ وكيف علمت عدد الأصوات التي حصلتم عليها؟ ومن قال ذلك؟ ومن كان صاحب القرار في حملتكم الانتخابية؟ ومن كتب الشعارات؟ وهل كنتم تخططون قبل الانتخابات للقيام باضطرابات في حال لم تكن النتائج في صالح مرشحكم؟

أمطرها بالأسئلة على مدى قرابة الثلاث ساعات ونصف الساعة. واستغرق آخر تحقيق أجري مع ناظي أربع ساعات ونصف الساعة تحت الشمس. وأحضرت جميع السجينات إلى الفناء وأجلسن في واجهة الحائط وجلس المحققون من ورائهن. وكان بعض المحققين يتسم بالوحشية فقد كانوا يركلون ويصفعون السجناء. ولكن، كان الشخص الذي حقق مع ناظي مؤدبا. وقال لها: «هذا ما يحدث عندما يكون هناك اعتقالات جماعية، يكون البعض أبرياء. لماذا ذهبت إلى الشارع في هذا اليوم مع أنك تعلمين أن الوضع صعب؟» وبعد ذلك أعطى لها محاضرة عن المخططات الأميركية ضد الجمهورية الإسلامية ومساعي الانتهازيين لزعزعة الاستقرار في البلاد. وقال: «لم تقومي بشيء هنا، ولكن إذا لم نعثر على هؤلاء المسؤولين سيكون علينا أن نحملك المسؤولية ونتهمك بها. لماذا؟ لأنك كنت السبب في وضع يمكنهم استغلاله». وأطلق سراح ناظي بكفالة بعد أسبوع من اعتقالها. وتنتظر حاليا المثول أمام المحكمة.