قانونيون لـالشرق الأوسط»: إذا رفض سليمان توقيع مرسوم التأليف يبقى لبنان في عهدة التصريف

بعد تقديم الرئيس المكلف صيغة أولية

TT

رغم دخول لبنان الأسبوع الحادي عشر من أزمة تأليف الحكومة، ما من شيء يستطيع انتشاله من «عهد تصريف الأعمال» سوى الاتفاق السياسي، ذلك أن الدستور خال من أي ذكر لمهلة حث أو إسقاط تضع حدا لجولات المناقشات التي يجريها المسؤولون في شأن توزيع الحقائب والاتفاق على الأسماء.

أما الدفع الجديد الذي أعطاه الرئيس المكلف سعد الحريري للركود في محادثات التأليف، فما من شيء يضمن تنفيذه، ذلك أن «ولادة الحكومة لا تكون إلا بمرسوم يحمل توقيع رئيس الجمهورية. وإذا رفض الأخير التوقيع لا تؤلف الحكومة». هذا ما أكده رئيس مجلس شورى الدولة سابقا يوسف سعد الله الخوري لـ«الشرق الأوسط»، مستندا في رأيه إلى المادة 53 من الدستور التي تنص على أن رئيس الجمهورية «يصدر بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة ومراسيم قبول استقالة الوزراء أو إقالتهم».

وردا على سؤال، نفى إمكان تعويم حكومة تصريف الأعمال، مشيرا إلى أن «الحديث عن مهل حث في التأليف لا ينص عليه الدستور، إنما هو بمثابة تمنٍ للإسراع في التأليف لكنه ليس ملزما». وفيما رأى أن عدم ذكر الدستور أي مهل في هذا الخصوص «يمثل ثغرة»، دعا إلى «وضع مهل محددة وإلزامية، تكون مهل إسقاط. فكما هناك مهل محددة تلزم رئيس الجمهورية توقيع المراسيم وإلا اعتبرت نافذة، يجب وضع مهل لتأليف الحكومة وإلا اعتبر الرئيس المكلف معتزلا على أن تجرى استشارات برلمانية جديدة لتكليفه من جديد أو تكليف سواه».

وتناول الآلية الدستورية للتأليف، فأوضح أن «رئيس الجمهورية يصدر ثلاثة مراسيم، الأول لقبول استقالة حكومة تصريف الأعمال، ذلك أن استقالة الحكومة الحالية التي يرأسها الرئيس فؤاد السنيورة لا تعتبر نهائية ونافذة إلا بصدور مرسوم عن رئيس الجمهورية يوقعه منفردا. أما المرسوم الثاني، فلتكليف سعد الحريري رسميا لأنه إلى الآن يعتبر مكلفا شفهيا، وهذا المرسوم يوقعه رئيس الجمهورية منفردا. أما المرسوم الثالث، وهو مرسوم تأليف الحكومة، فيوقعه مع رئيس الحكومة». من جهته، قال وزير الدولة في حكومة تصريف الأعمال خالد قباني لـ«الشرق الأوسط» إن «تأليف الحكومة يجب أن يتم بالاتفاق بين الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية وصدور مرسوم التأليف يجب أن يقترن بتوقعيهما تبعا للمادتين 53 و64. أما إذا لم يتم الاتفاق فهذا يعني أن على الرئيس المكلف أن يعاود اتصالاته ومشاوراته لتأليف الحكومة إلى أن يتم الاتفاق بينهما على الصيغة الحكومية. وفي هذه الأثناء تبقى البلاد في عهدة تصريف الأعمال إلى حين صدور مرسوم التأليف».

وأضاف: «لا مهل محددة ينص عليها الدستور لتأليف الحكومة»، موضحا أن القصد من ذلك «عدم وضع الرئيس المكلف تحت ضغوط سياسية» وإعطاؤه «الوقت اللازم للتوصل إلى صيغة منسجمة ومتضامنة». وقال: «إذا عدنا إلى الدستور نلاحظ أن هناك الكثير من الأمور التي لم تقيد بمهل محددة. وهناك مواد عدة وضعت لها مهل. أما في حالة تأليف الحكومة فالمشترع لم يشأ وضع مهلة لأنه في الحالات الطبيعية لا يأخذ هذا الموضوع وقتا طويلا عندما لا تكون هناك مطالب متناقضة ومتعددة كما هو الحال اليوم، في حين أنه يتطلب وقتا أطول في ظل الصعاب السياسية». وأشار إلى أن «الاجتهاد يميل إلى أن يلحظ مهلة معقولة لتأليف الحكومة». وردا على سؤال، قال: «دستوريا، لا يمكن تعويم هذه الحكومة لأنها ووفقا للمادة 69، تعتبر مستقيلة حكما لدى بدء ولاية مجلس نواب جديد. أما لو كنّا أمام حكومة تصريف أعمال بسبب استقالتها لسبب أو لآخر، فيمكن أن تعوّم». وكان لافتا رأي عضو المجلس الدستوري السابق القاضي سليم جريصاتي، ففيما أكد ضرورة توقيع رئيس الجمهورية مرسوم تأليف الحكومة إلى جانب توقيع رئيس الحكومة المكلف، أوضح أن اقتران هذا المرسوم بتوقيعين «يعني أن تأليف الحكومة وليد تعاون» بين الرئيسين. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «الرئيس المكلف يجري استشارات نيابية ويضع بنتيجتها مشروع صيغة حكومة ويعرضها على رئيس الجمهورية ويتشاور معه بشأنها. المقصود بذلك أن زيارة الرئيس المكلف رئيس الجمهورية (العماد ميشال سليمان) اليوم (امس) في (المقر الصيفي لسليمان) بيت الدين يوحي كأن الرئيس المكلف سلم صيغة حكومية ومشى تاركا للرئيس سليمان الاطلاع عليها واتخاذ الموقف الذي يراه مناسبا في شأنها، أي موافقة أو عدم موافقة، بينما ما تشير إليه النصوص الدستورية يوجب التعاون بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، فلا تقاذف لصلاحيات ولا تبادل لصيغ بل تشاور بين رئيس الدولة ورئيس الحكومة المكلف ينجم عنه توافق على تشكيلة حكومية أو اعتذار الرئيس المكلف». وعن مهلة التأليف، قال: «الدستور لا ينص على أي مهل محددة للتأليف بعكس ما فعل بالنسبة إلى نيل الثقة (من البرلمان). إلا أن هذا لا يعني أنه يحق لرئيس الحكومة المكلف أو لرئيس الجمهورية أن يتشاورا أو يختلفا لمدة غير محددة، بما أن الأمر يتعلق بإنشاء سلطة دستورية ناط بها الدستور السلطة الإجرائية أي مجلس الوزراء. لذلك أقول، كما قال أصحاب الرأي والاجتهاد في القانون الإداري، إن ثمة مهلة معقولة للتأليف يعود أمر تقديرها لمن ناط به الدستور، تحت القسم، رئاسة الدولة والسهر على احترام الأحكام الدستورية وسلامة الشعب والأرض. إلا أن الدستور لم يلحظ وسيلة أو صلاحية تمكن رئيس الجمهورية من فرض الاعتذار على رئيس الحكومة المكلف، إلا أنه عندئذ يمارس صلاحية محفوظة له وهي التوجه برسالة إلى مجلس النواب مباشرة أو بواسطة رئيسه كي يأخذ المجلس ما يراه مناسبا من إجراءات أو توصيات». وكان جريصاتي قاطعا في تأكيد عدم إمكان تعويم الحكومة منطلقا من أن الدستور لا يأتي على ذكر هذا الموضوع. وقال: «لا إمكان لتعويم حكومة تصريف الأعمال على الإطلاق أي أنها لا يمكن أن تستعيد صلاحياتها كاملة»، مؤكدا أنه «لا يمكن الخروج من المأزق الحالي إلا بتأليف حكومة جديدة أو إعادة التكليف للتأليف بعد اعتذار الرئيس المكلف. وإذا طرأت ظروف استثنائية أو في حالات الضرورة والعجلة، فيمكن أن تقوم حكومة تصريف الأعمال بما يتجاوز المفهوم الضيق لتصريف الأعمال الذي ينص عليه صراحة الدستور».