مجلس القضاء الأعلى يحدد آلية للتعامل مع المخبر السري.. ويطلب أن تعزز معلوماته بقرائن

بعد فشل تجربته وعدم دقة المعلومات الاستخبارية التي تستقيها منه الأجهزة الأمنية

TT

قرر مجلس القضاء الأعلى تحديد آليات العمل بظاهرة المخبر السري وعدم الاعتماد على أقواله إلا أن تتعزز بدليل آخر كأن تكون شهادة أو قرائن أو اعترافات حتى يأخذ بكلامه ويستند عليه.

وأكد المجلس في تعميم له أمس على مجالس المحافظات ودور العدالة اطلعت «الشرق الأوسط» على صورة منه على أنه «تم الحد من ظاهرة المخبر السري وتغيير طرق الاعتماد عليها والتي كانت متبعة سابقا».

ويأتي قرار مجلس القضاء الأعلى على خلفية تزايد دور «المخبر السري» وعدم دقة المعلومات الاستخبارية التي تستقيها منه الأجهزة الأمنية والتي أدت إلى ترويع الأهالي خلال مداهمة مساكنهم ليلا واعتقال أبنائهم والتي أثبتت مجريات التحقيق بطلانها بعد أن أمضوا عدة أشهر في المعتقلات. ويرى جابر حمدان (محام): «إذا كان باعث قوات الاحتلال ومن ثم الأجهزة الأمنية العراقية من إيجاد المخبر السري يهدف إلى إشراك المواطنين في التعاون مع الأجهزة الأمنية من أجل استتباب الأمن وترسيخ دعائم دولة القانون في المناطق التي شاعت فيها مجموعات إرهابية، وانتشرت في أوساطها الزمر التي تعتمد الجريمة أسلوبا في الوصول إلى أهدافها، فإن تلك الجهات لم تدقق في هوية المخبر السري قبل اعتماده، مما جعل بعضهم يتسبب في توريط الأجهزة الأمنية باعتقال آلاف الأبرياء بتهم كيدية ومأرب خاصة.. لم تثبت واقعيتها».

وفي الوقت الذي نفى فيه لـ«الشرق الأوسط» مصدر أمني، طلب عدم ذكر اسمه، الانقياد وراء معلومات المخبرين السريين بشكل عشوائي من دون تدقيقها ومن ثم اعتقال المشتبه بهم والتحقيق معهم وإطلاق سراح الأبرياء منهم، أكد على أن المخبر السري ظهر بعد «صولة الفرسان» باعتباره أحد مصادر المعلومات وعيون الأجهزة الأمنية، إلا أن بعض المعتقلين من الذين أطلق سراحهم يرون أن المخبر يستطيع كتابة قصاصة ورقية صغيرة يتهم فيها أي إنسان بـ«الإرهاب وممارسة العنف والجريمة» ويوصلها بطريقة ما إلى القوات الأمنية التي تحولها إلى أوامر اعتقال فورية، تسارع بدورها لدهم منزله واعتقاله، مما تسبب في انتشار الشك بين الأقارب والأصدقاء والجيران عند تعرض أي مسكن للمداهمة والاعتقال. ويرى علي الكعبي (محام) أن «لجوء أي سلطة إلى المخبر السري هو نتيجة لضعف السلطة في بسط الأمن، واحتجاز الآلاف لفترات طويلة من دون توجيه تهمة يشكك في وجودها، وأن الاستعانة بالمخبر السري على هذا النطاق الواسع يؤشر إلى وجود خلل أمني كبير، وإن كان قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم 123 لسنة 1971 المعدل أشار في الفقرة الثانية من المادة 47 منه على إمكانية وحق المخبر في قضايا الجرائم الماسة بأمن الدولة الداخلي والخارجي وجرائم التخريب الاقتصادي والجرائم الأخرى المعاقب عليها بالإعدام أو السجن المؤبد أو المؤقت أن يطلب عدم الكشف عن هويته وعدم اعتباره شاهدا، وللقاضي أن يثبت ذلك مع خلاصة الأخبار في سجل خاص يعد لهذا الغرض ويقوم بإجراء التحقيق وفق الأصول مستفيدا من المعلومات التي تضمنتها الأخبار من دون بيان هوية المخبر في الأوراق الحقيقية». مشيرا إلى أن القانون منح المخبر السري حصانة شجع بها المخبرين على التمادي في عدم دقة المعلومات وتسببها في اعتقال الأبرياء.

وكان مرصد الحقوق والحريات الدستورية طالب بإلغاء المخبر السري واستبداله بإجراءات مدروسة وصحيحة تكفل تعزيز سلطة القانون واحترام حقوق الإنسان في آن معا، بما يجعل أداء الأجهزة الأمنية ضامنا لترصين الأمن والعدالة وليس سبيلا إلى مظالم اجتماعية تفقد المواطن ثقته بالحكومة ومؤسساتها الأمنية والقضائية. وقال بيان أصدره المرصد مؤخرا وتلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه إن من الانتهاكات التي حرص المرصد على رصدها ظاهرة الاعتقالات التي قال إنها «سجلت أعدادا تجاوزت آلافا عدة»، ولاحظ المرصد أن الحكومة شنت عمليات عسكرية أسهمت في استتباب الأمن والقضاء على أوكار الإرهابيين، لكن تلك العمليات العسكرية رافقتها انتهاكات شديدة لافتة للنظر، متمثلة في كثير من عمليات الاعتقال. ولاحظ المرصد أن الحكومة استندت في أغلب اعتقالاتها إلى تقارير استخبارية تعتمد بدورها على تقارير مخبرين سريين. وتبين للمرصد أن كثيرا من الأبرياء جرى اعتقالهم استنادا إلى هذه التقارير التي تشوبها الأخطاء وعدم الدقة والكيدية. مؤكدا على أن غالبية المعتقلين جرى احتجازهم لفترات طويلة بناء على معلومات مضللة، أدلى بها مخبرون سريون للأجهزة الأمنية الحكومية انطوت على تهم كيدية لا صحة لها.