أوباما يخاطب الأميركيين مباشرة.. سعياً لإنقاذ مشروعه للرعاية الصحية

بعد شهر من الانتقادات الحادة لسياساته.. وعشية استحقاقات حساسة تنتظره

أوباما يهم بدخول المكتب البيضاوي في البيت الأبيض أمس، وبدا في حالة انتظار لفتح الباب من شخص داخل المكتب (ا.ب)
TT

وجه الرئيس الأميركي باراك أوباما الليلة الماضية خطاباً أمام الكونغرس بمجلسيه، اعتبر بمثابة آخر وأهم محاولة لإنقاذ مشروعه للرعاية الصحية. وقرر أوباما إلقاء هذا الخطاب المهم بعد تعرضه على مدى الشهر الماضي، لانتقادات حادة لسياساته، وعشية قرارات واستحقاقات دولية مهمة تنتظره، أبرزها البت في زيادة المجهود العسكري بأفغانستان واستئناف الحوار مع إيران وصياغة سياسة جديدة في منطقة الشرق الأوسط.

وبدا مشروع أوباما المتعلق بإصلاح نظام الرعاية الصحية، والهادف إلى تقليل التكلفة وتغطية غير المؤمن عليهم، صعب التحقيق. لكن رغم ذلك، ما زال اللاعبون الأساسيون في صناعة الرعاية الصحية على طاولة المفاوضات ما يعني أنهم لا يحاولون إثارة الرأي العام أو المعارضة التشريعية. وبالرغم من التوتر الموجود بين الديمقراطيين الليبراليين والمعتدلين، يوجد اتفاق عام داخل الحزب حول معظم ما يجب أن يشتمل عليه مشروع القانون. وبالفعل، قدمت أربع من اللجان الخمس للكونغرس مشروع القانون المتعلق بالرعاية الصحية. وتتطلب كافة مسودات مشروع القانون أن يحصل الأميركيون جميعا على التأمين وأن يحصل الذين لا يستطيعون تحمله على الدعم. وتحظر جميع هذه المشروعات على شركات التأمين رفض التغطية التأمينية للحالات المسبقة؛ أو التخلي عن الأفراد عندما يمرضون مرضا خطيراً، أو فرض حد أقصى للعمر عند التغطية. وما زال تمرير قانون داخل مجلس الشيوخ يمثل تحديا كبيرا ولكن ما زالت لدى إدارة أوباما فرصة للحصول على 60 صوتا وهي ما يحتاجه ليمرر التشريع. وأشار السناتور الديمقراطي المتردد بن نيلسون في الإجازة الأسبوعية إلى أنه ربما يكون مستعدا لمناقشة أحد التشريعات المعروضة. وما زال صوت السناتور الجمهورية أولمبيا سنو التي يلعب صوتها دورا حيويا تتفاوض حول تلك المشروعات، وهناك إرهاصات على أن واحدا أو اثنين من الجمهوريين مثل السناتور جورج فيونفيتش يفكران في الأمر.

ومن الناحية السياسية، يجب على الديمقراطيين أن يتخذوا موقفا، فهم يتذكرون جيدا المصير السياسي الكارثى الذي تعرضوا له عام 1994 عندما فقدوا سيطرتهم على مجلسي الشيوخ والنواب بعد فشلهم في تمرير قانون الصحة خلال ولاية الرئيس السابق بيل كلينتون. ولم يستغرق رام إيمانويل الشخصية السياسية النافذة ومساعد كلينتون السابق والذي يعمل حاليا ككبير لموظفي البيت الأبيض وقتا كثيرا ليذكر رفيقه الديمقراطي بذلك عندما قال في حوار أول من أمس: «سيكون لعدم اتخاذ موقف عواقب سياسية».

وكل ذلك ليس للتقليل من ضخامة المهمة التي تواجه الرئيس أوباما الذي وجه خطابه إلى الكونغرس الليلة قبل الماضية، في آخر منعطف لتمرير ذلك التشريع. وتمثل العوامل المتمثلة في حجم وتعقيد التشريع، والشقاق الحزبي العميق، والمخاوف الدفينة بين المقترعين حول ما إذا كانت الحكومة تتضخم وتتجه نحو التدخل، والمعارضة وفقا لمصالحها الخاصة ـ حقول ألغام يمكن أن تقضي على تلك الجهود.

وبالرغم من مرور أسابيع مشحونة بنذر مهددة لطموحات أوباما، هناك أدلة على أن الرأي العام ما زال مؤيدا له. وبالرغم من الجدال الحاد حول «الخيار العام»، خطة تأمين تدعمها الحكومة وتنافس القطاع الخاص، أظهر استطلاع للرأي أجرته محطة «سي بي إس» الإخبارية في نهاية شهر أغسطس (آب) الماضي أن حوالي 60% من الأميركيين ما زالوا يؤيدون الفكرة مقارنة بحوالي 66% في يوليو (تموز) الماضي. وقال نصف الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع إن لدى أوباما أفكارا أفضل مما لدى الجمهوريين مقارنة بنسبة 55% في شهر يوليو. وبالرغم من الجدل الذي احتدم الشهر الماضي، لم يحجم المساهمون الرئيسيون في معركة الرعاية الصحية، أي المستشفيات والأطباء وشركات التأمين وشركات صناعة الأدوية، عن المفاوضات. وقال رالف نياس الرئيس التنفيذي للتحالف الوطني للرعاية الصحية وأحد المخضرمين في المعارك التشريعية لواشنطن إن ذلك كانت له أهمية كبرى: «فهم يقولون لأنفسهم: نحن سنحصل على 30 أو 40 أو 50 مليون زبون جديد. وهذا في مصلحتنا الاقتصادية. وهو ما يمكن أن يدفع بهذا القانون الذي يوفر رعاية صحية جيدة للجميع».

ومن الواضح أن أوباما لم يتخل بعد عن مشروع القانون ولذلك قرر عرض الأمر مباشرة على الشعب الأميركي والنواب الذين يمثلونهم في الليلة الماضية. ويشير استطلاع «سي بي إس» أن 6 من بين كل 10 أميركيين يقولون إن أوباما لم يشرح بوضوح ما تعنيه خططه لإصلاح الرعاية الصحية. وهو ما يمثل معضلة بالنسبة للبيت الأبيض بالرغم من أنه يمنح الرئيس فرصة لإعادة صياغة الجدال وفقا لما يريد.

وتقول قيادات الجمهوريين إن الرسالة التي يمكن استخلاصها من الجدل الذي احتدم الشهر الماضي، هي أن الديمقراطيين والرئيس يحتاجون إلى أن يبدأوا من جديد. وقال ميتش ماككونيل القائد الجمهوري في تصريح له: «في هذه المرحلة، يجب ألا تكون هناك شكوك حول موقف الشعب الأميركي: وبقاء الأوضاع على ما هو عليه أمر غير مقبول، كما أن العرضين المقدمين للكونغرس من قبل البيت الأبيض أو الديمقراطيين غير مقبولين كذلك. ويجب أن يكون واضحا أن المشكلة لا تتعلق بعروض المبيعات ولكنها تتعلق بما الذي يبيعونه».

ومع ذلك، قال مارك ماككليلان الذي كان يدير إدارة الطعام والأدوية ثم الرعاية الصحية خلال ولاية الرئيس السابق جورج بوش إنه يرى صراع أغسطس كجزء من توعية العامة «وهي خطوة أساسية في العملية» وليست رياحا مدمرة. وبعيدا عن مشروع الرعاية الصحية، تتراكم الاستحقاقات الحساسة في وجه الرئيس أوباما تمتد من الشرق الأوسط إلى كوريا الشمالية مرورا بإيران وأفغانستان. ويعول اوباما على الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تعقد الأسبوع المقبل في نيويورك، لتشكل إطارا لاستئناف الحوار مع طهران بشأن ملفها النووي. وفي ما يتعلق بالقضية الإسرائيلية الفلسطينية، ميز اوباما نفسه منذ بدء عهده عن موقف سلفه جورج بوش فشدد الضغوط الأميركية على إسرائيل لحملها على وقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وهو يواجه انتكاسة مع إعطاء تل أبيب أخيرا الضوء الأخضر لبناء وحدات سكنية جديدة. غير أن الموضوع الدولي الساخن الأول بالنسبة لاوباما حاليا يبقى الحرب في أفغانستان، والبت في زيادة المجهود العسكري.

وبدت خطوات اوباما الأولى في الدبلوماسية متباينة بشدة مع سياسة إدارة بوش التي اتهمت بالتصلب والتشدد. واليوم بدأ ينفد صبر بعض المراقبين فيما يعتبر عدد منهم أن هذه السياسة لن تأتي بنتيجة. ويأخذ البعض وبينهم زبيغنيو بريجنسكي المستشار السابق للرئيس جيمي كارتر (1976ـ1980) وأحد أوائل مؤيدي اوباما، على الرئيس انه يتأخر في اتخاذ قراراته. وقال بريجنسكي أول من أمس لصحيفة «فاينانشل تايمز» عن أفغانستان «لطالما اعتقدت بأنه كلما تمت مواجهة المشكلات الصعبة في وقت مبكر كان الأمر أفضل»، فيما رأى بالنسبة للشرق الأوسط «أننا ماطلنا أكثر مما ينبغي».

غير أن انتوني كوردسمان من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية رد على هذه الانتقادات في مقابلة أجرتها معه وكالة الصحافة الفرنسية فقال «إن الإدارة بدأت العمل منذ اقل من سنة وهي تعالج أزمة مالية عالمية. المشكلة لا تكمن فيها بل في مستوى التطلعات». وتحدث كوردسمان عن «الأمل شبه السريالي» الذي نتج عن انتخاب اوباما.

من جهته، اعتبر توماس كوروذرز من معهد كارنيغي أن التشكيك الذي يرد حاليا «كان متوقعا تماما». ورفض هو الآخر توجيه الانتقادات إلى اوباما معتبرا أن «الولايات المتحدة تجد نفسها في أصعب وضع تواجهه منذ زمن طويل» ولا سيما بفعل الإدارة السابقة. وقال: «لا اعتقد بأن الرئيس فوت فرصة واحدة»، مشيرا إلى المراجعة الجارية للاستراتيجية في أفغانستان وباكستان. وأضاف انه في الوقت الحاضر «ليس هناك نجاح كبير ولا فشل واضح. وطالما أننا في هذا الهامش من الالتباس، ستكون هناك انتقادات لكن أمام (اوباما) مهلة من الوقت للتحرك».

*خدمة «نيويورك تايمز»