حرب صعدة السادسة تنعش عمليات التهريب.. والنازحون يتداولون قصص المعارك

«الشرق الأوسط» في المنطقة الحدودية.. ونازحون يؤكدون: الحوثيون يجندون الأطفال للمشاركة في الحرب

نازحون يمنيون في أحد معسكرات النازحين التي أقامتها الأمم المتحدة (أ.ف.ب)
TT

«أين أميركا وأين إسرائيل من نيران هؤلاء؟.. لم يمت في هذه الحرب إلا نحن» بهذه الكلمات صب حسين وهاب، أحد النازحين الذين شردتهم الحرب الأخيرة في اليمن، جام غضبه على المتمردين الحوثيين الذين يقودون تمردا للمرة السادسة منذ عام 2004 ضد الحكومة اليمنية في منطقة صعدة بشمال البلاد. ويتخذ المتمردون الحوثيون شعار «الموت لأميركا.. الموت لإسرائيل».

«الشرق الأوسط» زارت المناطق الحدودية بين السعودية واليمن من الجانب اليمني، للوقوف على واقع الأحداث في هذه الحرب التي تسببت في تشريد آلاف المواطنين اليمنيين، بلغوا نحو 35 ألف نازح حسب آخر إحصائية للأمم المتحدة. كما أدت الحرب إلى إنعاش حركة التهريب بين المناطق الحدودية في السعودية واليمن.

وكغيره من آلاف النازحين يعيش حسين وهاب الذي غادر منزله في منطقة الملاحيظ مع بداية المواجهات هربا من نيران المعارك في مخيم لمشردي الحرب أقامته الحكومة اليمنية بالتعاون مع الأمم المتحدة في قرية «المزرق» المحاذية للشريط الحدودي بين السعودية واليمن جنوب منطقة الملاحيظ، حيث تدور مواجهات الحرب. وفي هذا المخيم يسكن وهاب مع عائلته المكونة من سبعة أفراد في خيمة وفرتها له الحكومة اليمنية، حيث تقدم لهم المساعدات الغذائية من الأرز والدقيق والزيت وغيرها من المستلزمات الأساسية، إضافة إلى الفرش والبطانيات.

وعلى الرغم من الأمان النسبي الذي يشعر به حسين وهاب في هذا المخيم، حيث تفرض القوات اليمنية حراسة مشددة على اللاجئين، فإنه وكغيره من النازحين ينتظر بفارغ الصبر اللحظة التي يتوقف فيها عن سماع أصوات المدافع ومشاهدة الطائرات الحربية وهي تنطلق شمالا لقصف المتمردين حتى يتمكن من العودة إلى منزله. يقول وهاب لـ«الشرق الأوسط»: «في هذا المخيم لا ننعم بالاستقرار. لقد تركنا حياتنا في الملاحيظ وهربنا بأرواحنا فقط. لقد افتقدنا الإحساس بشهر رمضان الفضيل، وأتمنى ألا أتبادل التهاني بعيد الفطر المبارك مع أولادي في هذا المكان». ويشير إلى أنه ترك كل شيء وراءه في منزله بمنطقة الملاحيظ ولجأ إلى هذا المكان طلبا للأمان.

وقد احتفظ هؤلاء المشردون عن منازلهم في ذاكرتهم بصور لمواقع حكومية استولى عليها الحوثيون، ورفعوا عليها شعارهم الذي يتكون من قطعة قماش بيضاء طولية كتب عليها «الموت لأميركا.. الموت لإسرائيل». بينما تحدث آخرون عن فتوى أصدرها الحوثيون تنص على أن «كل من يقوم بقتل ضابط في الجيش اليمني فله الجنة ومن يقتل جنديا فله الشفاعة في دخولها». مؤكدين في الوقت ذاته روايات رسمية أشارت فيها الحكومة إلى قيام الحوثيين بتجنيد أطفال في سن الخامسة عشرة في هذه الحرب. وتمثل روايات الحرب وقصصها مهنة يلجأ إليها النازحون لتزجية الوقت، متناقلين مشاهد للقصف الجوي والمدفعي ومشاهد لقوافل النازحين تمكنوا من تصويرها باستخدام هواتفهم النقالة.

وطبقا لشهادات وهاب وغيره من عشرات النازحين، فقد لجأ الحوثيون مع بداية الحرب إلى الاختباء وسط السكان المدنيين هربا من قصف المدفعيات واستغلال هؤلاء المدنيين لإنشاء مكامن لاستدراج قوات الجيش، وهي العملية التي نجحوا في تنفيذها حيث لا يمكن تمييزهم عن بقية السكان المحليين، فهم لا يرتدون زيا محددا، بحسب شهادات النازحين.

ويضيف نازح آخر قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «فوجئنا بوابل من الرصاص يهطل علينا في خضم المواجهات بين الحوثيين والحكومة، وعندها قررنا الهرب تاركين كل شيء إلا أرواحنا»، مشيرا إلى أن بوادر الحرب بدأت بوقوع مواجهات في منطقتي المشنق والحصامة المجاورة، وقيام كثير من التجار بإغلاق محلاتهم ومغادرة المنطقة. إلا أن قاسم مسلماني، وهو نازح آخر، يبين أنه في بداية الأمر ظن سكان المنطقة أن هذه الحرب ستمر كغيرها من الحروب السابقة، حيث لم تكن تعني لهم أكثر من مجرد نشرة أخبار، لكنهم فوجئوا بانتقال مسرح المواجهات إلى قراهم ومنازلهم، معتبرا أنها الحرب الأقوى منذ ظهور أزمة التمرد الحوثي قبل خمس سنوات.

ولا تمثل نيران المدافع وقصف الطائرات السبب الوحيد في لجوء النازحين إلى مخيم المزرق، فقد ساهمت المواجهات بدورها في تدهور أوضاع المعيشة في الكثير من قرى محافظة صعدة، حيث توقفت الإمدادات الغذائية والبضائع عن المراكز التجارية، وانقطعت الكهرباء، وتوقفت محطات الوقود عن العمل، وفضل الكثير من التجار إغلاق محلاتهم إلى حين انتهاء الحرب مما ساهم في شل الحركة الاقتصادية. وهو الأمر الذي دفع بآلاف الساكنين في جبال صعدة إلى مغادرة منازلهم والرضا باللجوء إلى مخيمات الإغاثة طلبا للغذاء.

وليست المخيمات التي وفرتها الحكومة اليمنية هي الملجأ الوحيد لهؤلاء النازحين. فقد نجح الكثير منهم في التسلل بطريقة غير شرعية إلى داخل الحدود السعودية والإقامة في القرى المجاورة للشريط الحدودي معتمدين في ذلك على المساعدات التي يوفرها لهم السكان المحليون. ويشير حسين وهاب إلى أن عددا من أقاربه يقيمون حاليا داخل الحدود السعودية، حيث تسللوا إليها مع بداية الحرب. بينما ظل كثيرون عالقين في مناطق القتال ولم يتمكنوا من مغادرتها بعد أن لجأ الحوثيون إلى قطع الطرق المؤدية إلى خارج صعدة، وامتد نطاق الحرب إلى مناطق أوسع، وقد حالت هذه الظروف دون وصول المساعدات إليهم حيث يعيشون في ظروف سيئة للغاية في ظل نقص المواد الغذائية والأودية وانقطاع الكهرباء والاتصالات.

انقطاع الموائد الغذائية وتوقف الحركة التجارية في المناطق التي احتلها الحوثيون أنعش بدوره تجارة التهريب من قرى جازان الحدودية داخل السعودية إلى الجبال المطلة على الشريط الحدودي في محافظة صعدة خاصة الدقيق والمواد الغذائية والبنزين. ويقول هاشم الذي التقته «الشرق الأوسط» في منطقة المثلث على الحدود بين السعودية واليمن إنه نجح في التسلل عبر الحدود ومعه 150 لترا من البنزين قام بتهريبها على ظهر حمار بعد أن اشتراها من محطة لبيع الوقود في قرية سعودية محاذية للشريط الحدودي. ويعلل هاشم قيامه بهذا الأمر إلى انقطاع الكهرباء عن قريته في جبل رازح بمنطقة صعدة، حيث يستخدم هذا البنزين في تشغيل مولدات منزلية لتزويد قريته بالكهرباء. ويضيف قائلا «تجار التهريب يبيعون هذه الكمية بمبلغ ثلاثمائة ريال سعودي (80 دولارا) داخل صعدة، بينما أشتريها من السعودية بستين ريالا (16 دولارا) وأدفع مبلغا مماثلا لنقلها إلى قريتي في أعلى الجبل». وإضافة إلى البنزين، يعتبر الدقيق بضاعة أساسية يتم تهريبها عبر الحدود وبيعها داخل اليمن بزيادة تصل إلى 200 في المائة عن السعر الأصلي الذي تشترى به. وفي الجانب المقابل فقد ساهم انعدام الوجود الأمني اليمني في المناطق التي احتلها الحوثيون في زيادة وتيرة تهريب القات إلى السعودية، وهو المنتج المخدر الذي يجد رواجا في اليمن ويمنع تداوله في المملكة.