إيران مرتاحة لإعلان الدول الغربية استعدادها للتفاوض بشأن مقترحاتها النووية

واشنطن تريد عقد لقاء على مستوى عال مع طهران لاختبار نواياها

TT

جدد وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي التأكيد على استعداد بلاده للتفاوض بشأن مقترحاتها النووية، إلا أنه لم يقدم ردا مباشرا على دعوات الدول الكبرى لبلاده بإجراء محادثات عاجلة.

وقال متقي للصحافيين في طهران أمس إنه «بتقديم هذه الرزمة (من المقترحات) فإن جمهورية إيران الإسلامية أظهرت تصميمها على الدخول في مفاوضات حول مواضيع رئيسية في هذه المقترحات»، معربا عن ارتياحه لإعلان الدول الغربية موافقتها على بدء المفاوضات مع إيران حول أفكارها. وقال متقي «أعتقد أنه إذا أخذ المرء في الاعتبار التصريحات المختلفة التي أدلت بها هذه القوى، فإنه يدرك أن مجموعة مقترحاتها فيها مواضيع رئيسية تصلح لإجراء مفاوضات بناءة». وأضاف أن «هذا يمكن أن يكون أساسا للمفاوضات.. ونأمل أن تأخذ (القوى الست الكبرى) مجموعة المقترحات على محمل الجد وتدرسها بعمق وبطريقة تحليلية». وكانت إيران سلمت مجموعة المقترحات الجديدة الأربعاء لتبديد المخاوف الغربية بشأن برنامجها النووي.

وذكرت مجموعة «بروببليكا» الأميركية غير الربحية المتخصصة في الصحافة الاستقصائية أول من أمس أنها حصلت على نسخة من المقترحات وأن طهران قالت فيها إنها مستعدة لإجراء «مفاوضات شاملة وعامة وبناءه». وجاء في الوثيقة التي نشرتها «بروببليكا» على موقعها على الإنترنت أن المحادثات يمكن أن تشمل نزع الأسلحة النووية ووضع إطار عالمي لاستخدام «الطاقة النووية النظيفة». إلا أن الوثيقة لم تتطرق إلى برنامج إيران النووي.

ولم يقدم متقي أمس أي رد مباشر على الدعوة الغربية إلى إجراء مفاوضات عاجلة.

وقال «لقد سلمنا مجموعة مقترحاتنا، وإذا كانت الظروف جاهزة، يمكن للمفاوضات أن تبدأ»، دون أن يدلي بمزيد من التفاصيل حول الظروف المطلوبة. وحددت القوى الدولية أواخر سبتمبر (أيلول) مهلة نهائية لطهران لتبدأ المحادثات معها وذلك في محاولة لوقف عمليات تخصيب اليورانيوم الحساسة التي تجريها إيران ويمكن أن ينتج عنها الوقود النووي الذي يمكن أن يستخدم في صناعة قنبلة نووية. وجددت تلك القوى تأكيدها أنه في حال فشلت طهران في إجراء محادثات، فقد تواجه مزيدا من العقوبات. إلا أن متقي رفض تلك التهديدات. وقال إن «لدى الغرب أربع سنوات من التجربة الفاشلة بشأن فرض عقوبات ضد إيران». وفرض مجلس الأمن الدولي ثلاث مجموعات من العقوبات على إيران بسبب رفضها تعليق عمليات تخصيب اليورانيوم.

وفي واشنطن، أكد متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية أن الولايات المتحدة تريد إجراء محادثات متعددة الأطراف على مستوى عال مع إيران لاختبار رغبتها في معالجة المسألة النووية وقضايا أخرى، على الرغم من المقترحات «المخيبة للآمال» التي تقدمت بها طهران.

فيما أعلنت كريستينا غالاش الناطقة باسم الممثل الأعلى للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي إثر اجتماع عقد عبر الهاتف أن القوى الكبرى اتفقت على «طلب اجتماع في أقرب وقت ممكن مع الإيرانيين».

وقال المتحدث الأميركي فيليب كراولي إن الوثيقة التي قدمتها طهران، لا تتضمن تقدما ملموسا لكنها «تقول فقط إن الحكومة الإيرانية ترغب في بدء حوار وتفاوض». وأضاف «سنسعى إلى عقد اجتماع بسرعة وسنسعى إلى اختبار الرغبة الإيرانية». وأكد كراولي أنه «إذا كان لدى إيران الرغبة في المشاركة في مفاوضات جادة، فإنها ستجد في الولايات المتحدة والبلدان الأخرى لمجموعة الست (ألمانيا والصين وفرنسا وبريطانيا وروسيا) محاورين حقيقيين».

وعبر عن أمله في عقد اجتماع بين مسؤولين كبار من إيران والدول الست. وقال «من وجهة نظر الأسرة الدولية، القضية المركزية هي المسألة النووية. إذا كنا سنتحدث فسنعمل على مناقشة القضية النووية». وتابع «نأمل كما قلنا مطلع الأسبوع في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أن تختار إيران مشاركة الأسرة الدولية (العمل) ومعالجة مخاوفنا من البرنامج النووي». وأكد كراولي «أنه ليس مجرد اجتماع للاجتماع بل لنرى ما إذا كانت إيران ترغب جديا في معالجة هذه القضايا».

وقال مسؤول كبير في الخارجية الأميركية طالبا عدم الكشف عن هويته، إن الرئيس أوباما ما زال مقتنعا بأن «الوسيلة المثلى لتحقيق هدفنا أي أن تكون إيران خالية من السلاح النووي، هو الجلوس وجها لوجه». وفي إشارة إلى احتمال تشديد العقوبات الذي ترفضه روسيا، أشار المسؤول نفسه إلى أن مجموعة الست «ستوضع في موقع أقوى للبحث عن وسائل ضغط أخرى»، في حال فشل الحوار مع إيران. وأعلن البيت الأبيض ليل أول من أمس أن نائب الرئيس الأميركي جو بايدن أكد لرئيس البرلمان الصيني وو بانغيو ضرورة الإسراع في تسوية المشكلة النووية الإيرانية. وأوضح البيت الأبيض في بيان أن بايدن ناقش أيضا موضوع السلاح النووي الكوري الشمالي في واشنطن خلال لقاء مع بانغيو الذي عقد لقاء قصيرا مع أوباما أيضا. وأضاف البيان أن «نائب الرئيس أكد أن معالجة مسألة البرنامج النووي الإيراني أمر ملح».

ويرى محللون في واشنطن أن المقترحات التي عرضتها طهران على القوى العظمى لا تسهم في تقريب المواقف من الملف النووي الإيراني، لكن بعضهم لفت إلى تقدم هش ومحدود لكنه حقيقي في هذه المسألة. وقالت جاكلين شاير من معهد العلوم والأمن الدولي وهو مركز أبحاث أميركي لوكالة الصحافة الفرنسية «لن أستغرب أن تم التحدث بعد شهرين عن عقوبات جديدة». لكن مجرد أن يكون هناك رد على دعوة الغربيين وأن يكون هذا الرد يتحدث عن المسألة النووية فهذا في رأيها «إشارة على أن إيران لا تتجاهل المجتمع الدولي وتطلعاته. ما يهم هو البدء في التفاوض».

واعتبرت شارون سواكسوني من معهد كارنيغي «نحن بحاجة للذهاب إلى طاولة المفاوضات مع إيران، لكن المقترحات الأخيرة لا تسمح ببدئها». وعندما سألتها وكالة الصحافة الفرنسية عن تحليلها لـ«رزمة» المقترحات التي قدمتها إيران أكدت أنها «غامضة إلى درجة يصعب معها الإجابة». وقال فاريبورز غدار من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية «إنها نقطة انطلاق يمكن على أساسها بدء التفاوض» لافتا إلى أن إيران تتحدث عن المسألة النووية. وأضاف «أن مجرد أن تقدم إيران مثل هذا العرض أمر إيجابي إن أخذنا في الاعتبار الاضطراب السياسي» الذي تعيشه البلاد منذ إعادة انتخاب الرئيس محمود احمدي نجاد.

إلى ذلك رأى الباحث تريتا بارسي رئيس جمعية الأميركيين من أصل إيراني، من ناحيته رغبة لدى طهران لوضع حد لعزلتها الدبلوماسية. وكتب على موقع هافينغتون بوست الإلكتروني «نفهم المقترحات الإيرانية بشكل أفضل إن نظرنا إلى أن هدف إيران منذ زمن طويل هو أن يعترف بها كقوة إقليمية منه إن نظرنا إليها من خلال رؤية الغرب المشوهة الذي يركز على الموضوع النووي». وتابع بارسي أن نظام طهران يراهن على أن بإمكانه الإفادة من الجدل حول برنامجه النووي لكي «يبحث مع القوى العظمى مواضيع لم تكن إيران تلقى بصددها آذانا صاغية في الماضي». وقد تكون بالتالي مستعدة لاستئناف الحوار. ورأت صحيفة «واشنطن بوست» في مقال افتتاحي ينتقد بشدة إيران، أن المقترحات لا تقدم شيئا جديدا، ودعت إدارة الرئيس باراك أوباما إلى السعي منذ الآن لتعزيز العقوبات على نظام طهران.

إلى ذلك قال مسؤول إسرائيلي إن القوى الكبرى في العالم لديها فرصة جيدة لإجبار إيران على وقف مشروعاتها النووية القادرة على صنع أسلحة نووية إذا ما زادوا الضغوط السياسية والاقتصادية لكن الوقت ضيق لتحقيق ذلك. وقال دان ميريدور نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي في مقابلة مع «رويترز» إن الوقت يمر سريعا، مضيفا أن أي تأخير لن يؤدي إلا إلى زيادة الأمور صعوبة كما أن الخطر قائم بأن يسعى جيران إيران إلى امتلاك أسلحة نووية إذا لم يحدث تقدم بشأن البرنامج النووي الإيراني قريبا. وقال «إذا وضع ما يكفي من الفعل السياسي والاقتصادي معا فهناك فرصة جيدة في أن تستمع إيران إلى صوت العقل. لا أعتقد أنهم غير عقلانيين».