السفارة ليست في العمارة (3 من 3) ـ التطبيع..لا يزال أملا إسرائيليا بعيدا

بعد 30 سنة على معاهدة كامب ديفيد.. رغم تراجع المقاومة له

ناشطون مصريون في مواجهة مع الشرطة خلال مظاهرة في القاهرة نهاية ديسمبر الماضي للتنديد بالعدوان الاسرائيلي على غزة (أ ب)
TT

تنشر «الشرق الأوسط» الحلقة الثالثة والأخيرة من حلقات العلاقات المصرية، الرسمية منها والشعبية، مع السفارة الإسرائيلية والعاملين فيها ورؤية كل طرف من الأطراف لهذه العلاقة. وخصصت حلقة اليوم لمعرفة رأي الشارع المصري في هذه القضية عبر أحاديث مع عدد من المصريين من مسؤولين ورجال أعمال ومثقفين، بعضهم يدعو إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وآخرون يعارضونه، إضافة إلى مسؤولين يحرصون على الحديث بدبلوماسية، تعكس سياسة الدولة إزاء معاهدة السلام بين تل أبيب والقاهرة.

وكانت الحلقة الثانية مقابلة مع السفير الإسرائيلي في القاهرة شالوم كوهين، تحدث فيها عن رؤيته للعلاقات المصرية ودور السفارة في تطوير هذه العلاقات على الصعد المختلفة. وينفي السفير المولود في تونس أن يكون هو وطاقم سفارته معزولين عن الشارع المصري. وتحدث عن دفء العلاقات، ضاربا مثلا... عدد الزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين والعلاقات التي يقيمها هو شخصيا مع مثقفين وفنانين وصحافيين والدعوات التي يتلقاها لحضور لقاءات ومعارض (لم يعطِ أي أسماء بعينها) وكذلك الرحلات الجوية التي تصل إلى أربع في الأسبوع بين القاهرة وتل أبيب.

وكانت الحلقة الأولى أول من أمس قد خصصت لمشاهدات مندوب «الشرق الأوسط» خلال رحلته من تل أبيب إلى القاهرة، على متن خطوط «إير سيناي» وهي الخطوط المصرية التي أوجدتها «مصر للطيران» للتنقل بين القاهرة وتل أبيب. وكذلك مشاهدات المندوب لتصرفات الإسرائيليين لدى وصولهم إلى مطار القاهرة وتعامل موظفي المطار هناك معهم. وخصصت الحلقة الثالثة والأخيرة ليتحدث فيها مندوب «الشرق الأوسط» مع عدد من المصريين من رسميين ومعارضين ومؤيدين، عن العلاقات مع هذه السفارة ومع إسرائيل بشكل عام ومسألة التطبيع.

حتى بعد 30 عاما من بدء مقاومة التطبيع مع إسرائيل، ما زال المصريون يتناقشون حول الموضوع ولا يخرجون بنتيجة موحدة بشأنه، ولكن المقاومة له لم تعد بالحدة السابقة. فالمستعدون لإقامة علاقات مع إسرائيل والسفر إليها، لم يعودوا يُخفُون موقفهم، والمعارضون للتطبيع لم يعودوا يقيمون الدنيا ويُقعِدونها في حالة اكتشاف «مطبّعين». والحكومة التي كانت تسعى لأن يبقى التطبيع بحجم محدد، لم تعد تضع قيودا مشددة عليه. تسير العلاقات المصرية الإسرائيلية في دائرة واضحة المعالم طوال السنوات الثلاثين. ولعل ما حصل في الأشهر الثلاثة الأخيرة يوضح الصورة بشكل جلي: عندما زار الرئيس الأميركي براك أوباما مصر وألقى خطابه الشهير، طلب لقاء مجموعة ضيقة من كبار الصحافيين، مصريَّين إسرائيلي، والباقون من العالم العربي والإسلامي. أحد الصحافيين المصريين تردد في الدخول إلى اللقاء عندما علم أن هناك صحافيا إسرائيليا. فتوجه إلى المسؤول عنه سائلا رأيه، فنصحه المسؤول بالدخول، باعتبار أن الأمر المهم في هذه المرحلة هو ماذا يقول أوباما. فسأل صديقا له، فنصحه بأن يقاطع اللقاء. وقبل نصيحة الصديق. لكن نقابة الصحافيين لم تعاقب الصحافي الثاني الذي حضر اللقاء، مع أنها تتشدد في مقاومة التطبيع.

وبدأ نقاش في مصر حول الموضوع، وقبل أن ينتهي هذا النقاش، وصل إلى القاهرة الرئيس الإسرائيلي شيمعون بيريس. وحضر مؤتمره الصحافي ممثلون عن معظم وسائل الإعلام المصرية ووجهوا إليه الأسئلة ورد عليهم ونشروا الردود في صحفهم. وهنا أيضا لم يعاقبهم أحد. فهل هذا تطبيع أم مقاومة تطبيع؟

وفي إطار النقاش بدا واضحا أن المسألة قد بدأت تصاب بحالة اهتراء وتآكل. ولمسنا ذلك أكثر خلال لقائنا مع عدد من الشخصيات المصرية الاعتبارية، اثنان لا يريان غضاضة في لقاء السفير الإسرائيلي في القاهرة، واثنان لا يفكران أبدا في مقابلة السفير، ويرفضان أي نوع من أنواع التطبيع. والخامس كان ممثلا لموقف الدولة المصرية.

ما هو أهم من التطبيع

* رجل الأعمال المصري الدكتور هشام عشماوي، رئيس لجنة رجال الأعمال المشتركة الأميركية المصرية، وأحد المصريين الذين لا يرون غضاضة في التطبيع، ينظر إلى الموضوع من منظار «المصلحة المصرية القومية الخاصة». ويرى أن المشكلة ليست في التطبيع أو عدمه، إنما في استغلال الظرف الجديد الذي أنشأته عملية السلام وكيف يتم هذا الاستغلال. ويتحسب من سياسة إهدار فرص جديدة لازدهار الاقتصاد المصري، بسبب التشبث بشعارات قديمة لا تسمن ولا تغني من جوع. ويقول إن السلام مع إسرائيل نقل مصر من عهد ظلامي يميز دول العالم الثالث القمعية والفقيرة إلى نقطة انطلاق جديدة، كان بإمكانها أن تقفز بمصر إلى مستوى الدول المتطورة لو تم كل شيء بالشكل الصحيح. لكن خللا خطيرا وقع، حسب رأيه، في طريقة إدارة الاقتصاد والحياة في مصر.

وهكذا يلخص عشماوي نظريته: القضية تبدأ منذ ما قبل ثورة 23 يوليو (سنة 1952). في حينه كانت قيمة الجنيه المصري تزيد عن جنيه الذهب (تحديدا كان جنيه الذهب يساوي 97.5 قرش مصري). وكانت مصر مشهورة بتصدير القطن إلى أوروبا، وهناك بورصة للقطن كما توجد اليوم بورصة للنفط. وبالمناسبة، يقول، فإن اليهود المصريين هم الذين تولوا مهمة هذا التصدير. فجاءت الحرب ثم الثورة وجاء التأميم ثم طُرد اليهود ثم العدوان الثلاثي، فانهار الاقتصاد المصري. وبعد نكسة 1967 زاد التدهور أكثر وأكثر. واليوم مصر دولة تعيش على 4% من مساحتها فقط. لا تستغل طاقاتها الاقتصادية. وجاء السلام كما يقول لوضع حد للصرف الهائل على الجيش والحروب. وأدى إلى فتح قناة السويس وأبواب مصر أمام السياحة، بشكل خاص من مشروعات السياحة في شرم الشيخ. وشرم الشيخ هذه لم تكن في زمن ما قبل النكسة شيئا مميزا وأجدادنا لم يسمعوا عنها، الاحتلال الإسرائيلي هو الذي حولها إلى منطقة استجمام وبنى فيها مطارا وفنادق، وبعد السلام مع إسرائيل وتحرير سيناء طوّر الشعب المصري ما تركه الإسرائيليون. واليوم يُعتبر مصدر دخلنا الأساسي من السياحة في شرم الشيخ ومن ريع قناة السويس.

وسألت «الشرق الأوسط» عشماوي عما إذا كانت السياحة في مصر بالأساس بفضل الآثار الفرعونية، وبشكل خاص الأهرامات، فأجاب: «يأتون للأهرامات لبضع ساعات ويغادرون. من يبحث عن كنوز البحر الأحمر وعن الشمس والراحة، يُمضِ أياما في شرم الشيخ، وهذا دخلنا الأساسي. فما الذي يمنعنا من تطوير عشرة مشروعات سياحية بحجم شرم الشيخ؟ ما الذي يمنعنا من بناء خمسين مدينة جديدة على البحر الأبيض المتوسط، تكون منتجعات سياحية ومناطق صناعية بمستوى شرم الشيخ وأعلى؟».

* وردا على سؤال حول المانع حسب رأيه قال:

ـ الطريقة التي يدار فيها اقتصاد البلد. أنا كنت أستقدم استثمارات من خمسين دولة، حتى تتولى كل دولة منها مشروعا ضخما كهذا.

* وهل كنت تقترح على إسرائيل أن تستثمر فتتبنى واحدة من تلك المدن؟

ـ بالتأكيد. فالتعاون الاقتصادي مع إسرائيل لا يدرّ أرباحا اقتصادية فحسب، بل ينشئ أجواء تعاون تؤثر أيضا على الصعيد السياسي لمصلحة القضية الفلسطينية التي تهم كل مصري. ولعل ما تفعله الدولة المصرية الآن لصالح القضية الفلسطينية من أجل وقف الصراعات بين الإخوة وتقوية مكانة الفلسطيني أمام إسرائيل، هو خير برهان على طبيعة مصر وأهدافها السياسة. فنحن لا ندعو لأن نترك إخوتنا الفلسطينيين، بل نريد أن نساعدهم بطريقة أخرى. أن نساعدهم ونحن أقوى، اقتصاديا. فقوة الاقتصاد لأي دولة تقوي مركزها السياسي بين الأمم.

سفير لطيف

* الدبلوماسي السابق، مخلص قطب، هو اليوم الأمين العام للمجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر. شغل عدة مناصب دبلوماسية، فكان سفيرا لمصر في تونس ومساعدا لوزير الخارجية في عهد الوزير أحمد ماهر ومديرا لمكتب الوزير. ويعتبره القادة الفلسطينيون صديقا حميما لقضيتهم. عندما زار السادات إسرائيل، كان دبلوماسيا مصريا في كوريا ثم نُقل إلى فرنسا، ويقول إنه في تلك الفترة لم يتقبل خطوة السادات. «فوجئتُ في حينه. نحن تربينا على طريق الشباب الناصري. بعد النكسة تحولنا إلى الخدمة العسكرية وأنا بقيت فيها سبع سنين. أي أن أفكارنا لم تكن ملائمة لخطوة السادات. وعندما أقدم على خطوته ووقع اتفاقية السلام، ومثل كل اليساريين أمثالي، كنا نتحسب من خطر الذهاب إلى حل منفرد. لم نكن ندرك يومها أن الرئيس السادات كان سابقا لعصره. لم نستوعب خطوته. اليوم نعرف ذلك جيدا. لا نقول إن كل ما فعله السادات كان صحيحا، ولكن جوهر سياسته المعتمدة على خيار السلام، كان صحيحا جدا. ونحن الذين حاربنا نعرف ذلك جيدا، لأننا شعرنا أيضا في حرب أكتوبر (تشرين الأول) أن هناك عدم تكافؤ واضحا بين نوعية السلاح بين الطرفين، على جميع المستويات ـ طائرات دبابات مدافع... ـ نحن كنا متفوقين في القوى البشرية والتنظيم، وهذا أمر أنا أعتز به كمصري. ولكن التفوق البشري لا يكفي من أجل تحقيق انتصار في كل حرب. لذلك فإن خيار السلام هو من الناحية الموضوعية والاستراتيجية أفضل وأنجع».

وأضاف: «مصر تعتمد على مصادر خارجية لتمويل احتياجاتها. مصر تربح من السلام مليارات الدولارات. ففي كل سنة يزور مصر سبعة ملايين سائح، يُدخِلون إلى مصر 10 مليارات دولار. وقناة السويس تدر دخلا يضاهي 7 مليارات دولار. وهناك عوائد المصريين في الخارج. وهناك مساعدات خارجية. اجمعها ستجد أنها نحو 22 مليون دولار. كل هذه المداخيل تأتي بفضل الاستقرار. والاستقرار لا يوفره إلا السلام».

تَعرّف قطب إلى السفير الإسرائيلي في القاهرة شالوم كوهين، منذ أن كانا سفيرين في تونس، وقال واصفا إياه: «على الصعيد الإنساني هو لطيف ومتفهم، وعلى الصعيد السياسي الله يعينه». التقى قطب السفير كوهين بعدما جاء إلى القاهرة وما زال يحافظ على العلاقات معه. وأضاف: «العلاقات تجعلك قادرا على توصيل الرسائل إلى الطرف الآخر بشكل أفضل وأقصر. ونحن نقول للإسرائيليين الذين نلتقيهم، إن مصر لن تتخلى عن الشعب الفلسطيني وعن القضية الفلسطينية. في قلب كل مصري توجد زاوية حارة لفلسطين. في مصر توجد 40 ألف قرية. لا توجد قرية واحدة لم يسقط فيها شهيد. فإذا لم تحلوا هذه المعضلة، لن تشعروا بالسلام مع مصر أو العالم العربي. إسرائيل تنتهك حقوق الفلسطينيين وتنتهك القوانين الدولية. تفرض حصارا غير إنساني ولا أخلاقي لقطاع غزة. فهل آخذ الإسرائيليين بالأحضان؟ بالطبع لا. لذلك لا ترى السلام جماهيريا رغم أن الطرفين ملتزمان باتفاقيات السلام. وليس هذا فحسب، نحن نقول للإسرائيليين إن السلام في مصلحتهم. عدم تسوية هذه القضية يؤدي إلى زيادة التطرف. وقد يؤدي إلى انتهاء فكرة الحل على أساس دولتين. والتوجه إلى حل الدولة الواحدة. وبالمقابل نقول لأشقائنا الفلسطينيين إن الحرب ليست وسيلة المقاومة الوحيدة. فهناك إمكانيات أخرى للمقاومة مثل سلاح العلم وسلاح القانون الدولي وسلاح التحالفات الدولية. من يُرِد أن يتستر وراء الأوهام ويخفي عجزه، يلجأ إلى السلاح. خذ مثلا حرب لبنان الأخيرة، أليست عملية الخطف لجنديين معروفة النتائج؟ قائد حزب الله اعترف بنفسه أنه لو كان يعرف أن الرد الإسرائيلي سيكون على هذا النحو ما كان لجأ إلى الخطف. وخذ مثلا ما جرى في قطاع غزة. هل اليوم نستطيع القول إن الصواريخ كانت صحيحة؟».

إعادة نظر

* تقول الكاتبة فريدة النقاش، رئيسة تحرير صحيفة «الأهالي» الناطقة بلسان حزب «التجمع الوطني الديمقراطي»، إن حزب التجمع أسسه عضو مجلس قيادة الثورة وأحد الضباط الأحرار، خالد محيي الدين، ويرأسه حاليا الدكتور رفعت السعيد، عضو مجلس الشورى المصري. وهذا الحزب المعارض كان القوة المنظمة الوحيدة في مصر التي وُجدت في الحلبة السياسية العلنية آنذاك، وقاد المعركة ضد تطبيع العلاقات مع إسرائيل. وما زال يتبنى هذا الموقف، ولكن في هذه الأثناء انضم إليه عدد آخر من السياسيين وأصبحوا يزايدون عليه في معارضة التطبيع.

والحديث هنا عن معارضة لا مقاومة، لأن التطبيع جارٍ فعلا على مختلف المستويات، حتى لو كان ضعيفا على صعيد الجماهير والمثقفين. ولا مقاومة له. حتى النقابات، التي كانت تطرد أعضاء منها إذا مارسوا التطبيع أو ما يمكن تفسيره على أنه تطبيع، لم تعد تفصل أحدا من أعضائها لهذا السبب.

وتسأل «الشرق الأوسط» الكاتبة فريدة النقاش: «هل ما زلتم على موقفكم من التطبيع؟ ألم تدفعكم التغيرات التي حصلت خلال 30 عاما إلى إعادة النظر، إلى إعادة التقويم؟»، فتجيب: «أكشف لك سرا؟ أنا أعتقد أن هناك ما يستدعي إعادة البحث. وطرحت اقتراحا كهذا في حزب التجمع، لدى الإعلان عن القدس عاصمة للثقافة العربية. وكان رأيي أن علينا أن نكسر أحد بنود مقاومة التطبيع، الذي يمنع زيارة القدس. فلا يُعقل أن نقاطع أشقاءنا الفلسطينيين وهم يحتفلون بالقدس عاصمة للثقافة العربية، حتى لو اضطُررنا إلى المرور على معبر يقف فيه الجنود الإسرائيليون، فإن الهدف يظل في النهاية تعزيز عروبة القدس ومقاومة تهويدها. فنحن عندما رفضنا التطبيع، فعلنا ذلك كنوع من التضامن مع الفلسطينيين ضد الاحتلال وجرائمه وبرامجه التهويدية». لكن رأي فريدة النقاش لم يُقبل. ومع ذلك فإنها ترى أن قرار مقاومة التطبيع كان صحيحا من الناحية الاستراتيجية، حيث كان سلاحا بيد المعارضة للاحتجاج على قرار الحكومة التوجه إلى سلام منفرد مع إسرائيل. وتبين أن هذا هو موقف الشعب المصري، الذي لا يقبل تطبيع العلاقات مع إسرائيل حتى اليوم، رغم مرور 30 عاما على السلام. فالشعب يرى ممارسات إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، ويزداد نفورا من إسرائيل. ويضيف الكاتب حسين عبد الرازق، عضو رئاسة حزب التجمع وأمين سره السابق، أن مشكلة المعارضة المصرية مع اتفاقية السلام مع إسرائيل أنها جاءت في صالح إسرائيل أكثر مما هي في صالح مصر، وأنها أدت إلى المساس بالسيادة المصرية. فلأول مرة في تاريخ مصر، لا يستطيع الجيش المصري الوصول إلى جميع الأراضي المصرية (حسب اتفاقية السلام، يُحظر على الجيش المصري الوجود في المنطقة القريبة من إسرائيل، والتي تساوي مساحتها نحو ثلث سيناء).

وردا على تعقيب لـ«الشرق الأوسط» عن أن حزب التجمع معروف بتأييده للسلام إذا كان يضمن حقوق الشعب الفلسطيني، والقيادة الفلسطينية بدأت مفاوضات سلام مع إسرائيل ووقعت بعض الاتفاقيات وفي القريب قد تستأنف المفاوضات من جديد. «ألم تفكروا في حينه في تغيير موقفكم؟ ألم تحاول القيادة الفلسطينية التأثير على موقفكم؟» قالت فريدة النقاش: «نحن لسنا ضد اليهود ولسنا ضد السلام مع إسرائيل في حالة إحقاق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. ولكننا لا نرى أن إسرائيل تتجه نحو إحقاق هذه الحقوق». أما حسين عبد الرازق فقال: «نحن ضد التطبيع الناجم عن كامب ديفيد، لأن هذه الاتفاقيات في رأينا جاءت في حينه لكي تمنع السلام العادل الذي يعطى فيه الشعب الفلسطيني حقوقه. وفي حينه التقينا الرئيس الفلسطيني عرفات في تونس وناقشنا معه هذا الموضوع. وقال لنا إنه يريد أن يرانا في رام الله كنوع من التضامن مع الشعب الفلسطيني. وبحثنا في طلبه ولم نستطع تلبيته. قررنا في حينه أن نتوجه بمطالب لتغيير البنود المسيئة إلى مصر في الاتفاقيات. وعندما التأم مؤتمر مدريد للسلام، طرحنا مطلبا أن يتم تعديل الاتفاقيات المتعلقة بسيناء بحيث نستعيد السيادة عليها بالكامل. فالقضية مبدئية من جهتنا».

وعن فائدة مقاومة التطبيع للقضية الفلسطينية، قال عبد الرازق: «لقد شكلت عامل ضغط كان وما زال مستمرا بأيدينا للتأثير. لقد منع هذا الموقف دخول إسرائيل إلى مصر وغزو أسواقها. لا أقول إن هذا أفضل أو أسوأ، ولكن النتيجة كانت أن مقاومة التطبيع في مصر أعاقت دخول إسرائيل إلى بلدنا وحدّت من تأثيرها على حياتنا وعزّزت الثقافة الوطنية لدى المصريين والعرب وأبقت مصر في قلب الأمة العربية.

الحكومة

* الناطق بلسان الخارجية المصرية، حسام زكي، يتكلم عن السياسة الإسرائيلية مثلما تتكلم المعارضة. وعندما يتكلم عن اتفاقية السلام، يتكلم بالتزام شديد فيها، بما في ذلك إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل. ويقول: «نحن نتعامل مع الواقع كما هو ومن دون رتوش. نصارح الإسرائيليين بأن سياستهم خاطئة. وأن تعويلهم على القوة العسكرية فقط، ليس فقط خاطئا بل له تبعاته السلبية عليهم وعلينا، وأن اعتمادهم على عنصر الوقت لتسويف الحل ونسف التسوية، هو رهان خاطئ، لأنه لن يحقق سوى زيادة التطرف والعنف. فالحديث الصريح هو أقصر الطرق للحوار المجدي.

* وبمَ يردّون؟

ـ يبررون مواقفهم بالهاجس الأمني، وهذا أيضا خطأ. فنحن في عصر الصواريخ. ولا يجوز الحديث عن بضعة أمتار في سبيل الأمن. ولا يجوز أن تحتل شعبا، بحجة الأمن. ولا يجوز أن تعتمد على القدسية الدينية، فقد سبق وقالوا إن سيناء مقدسة لهم، وانسحبوا منها. وقالوا إن ياميت مقدسة ونحن تمسكنا بإخلائها. كذلك نتسريم (مستوطنة سابقة في صحراء سيناء). وإزالة هذه المستوطنة كانت سابقة يستفيد منها بقية العرب المقامة مستوطنات على أراضيهم. الشرعية للاستيطان تأتي من أحد مصدرين، القانون الدولي أو اعتراف الطرف الآخر.

* والفلسطينيون؟

ـ نحن نقف مع الفلسطينيين في نضالهم الشرعي من أجل الحرية والاستقلال. ونساعدهم على حل مشكلاتهم الداخلية بكل قوتنا، حتى يعودوا يتحدثون بصوت واحد. يؤسفنا أن جهودنا لم تثمر حلا كاملا بعد، ولكننا نواصل هذا الجهد بصبر شديد يفوق كل تصور.

* صبر شديد. تُسمع وكأنها تهديد بالانسحاب من الوساطة.

ـ لا، فنحن لا نمارس ضغوطا على أشقائنا الفلسطينيين. إنما ننصحهم، ونساعدهم، ونوضح لهم الصورة.

* تتحدث عن الفلسطينيين بشيء من الحيادية. لماذا لا تقول مصر رأيها صراحة أن حركة حماس ليست مخلصة في هذه الجهود، أو فتح ليست مخلصة. فالحوار الفلسطيني طال كثيرا؟

ـ نحن نقول رأينا صراحة لإخوتنا الفلسطينيين لا للصحف، وإن قلنا فهذا ليس الوقت.

وبالعودة إلى الموضوع الأساسي سألت «الشرق الأوسط» زكي عن وضع السفارة الإسرائيلية في القاهرة، هل هي معزولة كما تقول المعارضة المصرية وكثير من الإسرائيليين أم أنها وصلت إلى الشارع المصري. فأجابنا بسؤال: «هل تقصد معزولة رسميا أم شعبيا؟». وواصل: «التواصل الشعبي مع إسرائيل وسفارتها لا يسير بنفس الوتيرة مع الموقف الرسمي. فعندما يطلب السفير أي مقابلة مع أي وزير أو مسؤول، هو وموظفو السفارة، فإنهم يعامَلون كما يعامَل دبلوماسيون آخرون معتمَدون في مصر». وبالنسبة إلى الشعب، فالقضية مرتبطة بالموضوع الفلسطيني. هذا هو الأساس كما نلمسه من الجمهور ومن الصحافة ومن المثقفين. فالمصريون يعيشون القضية الفلسطينية بكل جوارحهم. وما تقوم به الدولة في سبيل رفع شأن الفلسطينيين في المنطقة وتعزيز قوتهم الموحدة، هو تعبير عن وجدان الشعب المصري كله.